سحر الجعارة
فى تصريح شهير للدكتور «أحمد الطيب»، شيخ الأزهر، فى الجلسة الافتتاحية لجولات الحوار بين عدد من الشباب الذين يمثلون الأطراف المعنية بالصراع فى ولاية راخين بميانمار، قال: «أقول لشباب بورما إن حكمة البوذية والهندوسية والمسيحية والإسلام تناديكم بألا تقتلوا ولا تسرقوا ولا تكذبوا وأن تلتزموا العفة ولا تشربوا المسكرات»، وتابع قائلاً: «درسنا أن البوذية دين إنسانية فى المقام الأول، وأن بوذا كان من أكبر الشخصيات التاريخية الإنسانية، وكبار العلماء يصفون رسالته بأنها دين الرحمة».

وكانت الصدمة أن شيخ الأزهر يعترف بالديانات الإنسانية، بل يُثنى على «بوذا»، مؤسس الديانة البوذية، فى بلد يكفر أقباطه وشيعته، ويطارد مبدعيه ومفكريه بدعاوى الحسبة.. لكن بكل أسف لم يتوقف أحد آنذاك ليسأل «الطيب»، الذى رفض مقابلة البنات الإيزيديات، عن تلك الشعرة الفاصلة بين «الكفر والإيمان» فى نظر فضيلته؟.. وعن علاقة ذلك بسياسات مجلس الحكماء الذى يترأسه.. وهيئة كبار العلماء التى تعمل تحت رئاسته!.

المهم أننى تذكّرت هذا التصريح بمناسبة نصب تمثال «بوذا» فى الإمارات، على الطريق السريع الواصل بين العاصمة أبوظبى ودبى، وقد كشفت صحيفة «الخليج تايمز» الإماراتية، عن سبب نصب التمثال ثلاثى الأبعاد، الذى يصل ارتفاعه إلى عشرة أمتار، حيث قالت: إن التمثال يأتى كجزء من منحوتات متحف «اللوفر»، وتم نصبه فى طريق الشيخ زايد (أبو ظبى - دبى)؛ للفت الانتباه إلى قُرب ظهوره فى المتحف.. وكان متحف «اللوفر» قال إن تمثال «بوذا» يعود إلى الفترة ما بين القرنين الحادى عشر والثانى عشر، وتم جلبه من الصين.

وقد اعتبره بعض المتعصبين والمتطرفين استفزازاً لمشاعر المسلمين (!!).. هؤلاء الذين يُفترض أنهم أكثر رحمة وتعايشاً مع الآخر، وقبولاً لثقافة التسامح!. واستمراراً على نهج الإمارات فى نشر ثقافة التسامح، تم وضع حجر الأساس لأول معبد هندوسى فى الخليج العربى، فى إطار تعزيز دورها كواحة للتسامح والتعايش بين الأديان. والهندوسية، ويطلق عليها أيضاً البراهمية، وهى الديانة السائدة فى الهند ونيبال، ويطلق على الديانة الهندوسية، أقدم ديانة حية فى العالم، وتضم القيم الروحية، إلى جانب المبادئ القانونية والتنظيمية، متّخذة عدة آلهة، حسب الأعمال المتعلقة بها، فلكل منطقة إله، ولكل عمل أو ظاهرة إله. وتفيد دراسات بأن أتباع الهندوسية يقاربون المليار نسمة، منهم 890 مليون نسمة يعيشون فى الهند، وتعتبر ثالث أكبر ديانة فى العالم بعد المسيحية والإسلام.

وقد أشادت منظمات دولية عديدة بالنموذج الإماراتى، ومن بينها منظمة حقوق الإنسان العالمية التابعة للأمم المتحدة، التى كرّمت الإمارات واعتبرتها النموذج الأفضل فى التعايش السلمى بين مختلف الأديان والأعراق والثقافات.

فى حين استنكر غلاة التطرف والتعصب وأصحاب الحسابات والمصالح السياسية الضيقة إنشاء المعبد وراحوا يروّجون على مواقع التواصل الاجتماعى لخطاب الكراهية والتحريض باسم الإسلام.

وتتّبع الإمارات إسلاماً محافظاً، إنما معتدل، وتمنع السلطات الخطابات المتعصّبة فى المساجد، وعلى وسائل التواصل الاجتماعى.. وقد أفاد «مغير خميس الخييلى»، رئيس دائرة تنمية المجتمع الحكومية، أن المعلم الدينى الجديد يأتى فى إطار مساعى «تنظيم دور العبادة وتعزيز مكانة الدولة كواحة سلام وتسامح». وأضاف «الخييلى»: «تنظيم دور العبادة خطوة حكومية رائدة وفاعلة لضمان حصول كل مواطنى الديانات الأخرى على حقوقهم فى ممارسة شعائرهم الدينية، وتلبية احتياجاتهم الروحية، وبما يتوافق مع العادات والتقاليد والنظم والقوانين المعمول بها فى الدولة».

وقال «الخييلى»: إن الإمارات اليوم تحتضن مواطنى أكثر من 200 جنسية، يعيش الجميع فيها بأمن واستقرار وبحرية فى ممارسة شعائرهم الدينية.. وحسب رئيس الوزراء الهندى نارندرا مودى فإن المعبد مهم جداً للجالية الهندية التى يُقدّر عددها بنحو 3.3 مليون فى دولة الإمارات.

إنه مشهد كاشف للتطبيق العملى لـ«حرية العقيدة»، تلك التى تعززها الدولة وتكرسها وتحمى معتنقيها، وتكفل لهم سبل ممارسة شعائرهم الدينية.. فالحرية الاقتصادية والسياسية لا تحقق التنمية وحدها وإلا كانت الدولة عرجاء.. واحترام ديانة ما يزيد على 3 ملايين وافد هو «واجب» على الدولة المضيفة، لأنها استقدمت هؤلاء ليعملوا فى مشاريع تنموية لن تتحقق، وهم يخفون هويتهم الدينية فى الرمال!.

قد يكون هذا المشهد مألوفاً فى أوروبا أو الصين.. والأخيرة تحار فى فهم عدد الديانات الموجودة بها.. لكن الكل يعمل دون أن يسأل الآخر عما يدور فى عقله ودون أن يشق صدره.

هذا تحديداً هو سر تفوق الغرب ودولة مثل الإمارات، على «مصر المحروسة» التى يفجر السلفيون فيها مساجد الصوفيين، ويكفّر علماء الأزهر أقباطها وشيعتها، ويعلنون الحرب على المجتهدين والمفكرين ويرمونهم بالكفر والزندقة!.

هذا هو الفرق بين دول تبنى ودول تتردّد هل تدخل الحمام بالقدم اليمنى أم اليسرى؟!.

العن أصنام الهندوس، أو تمثال بوذا، أو سر خلف أقوال شيخ الأزهر.. افعل ما شئت، فأنت إنسان «حر»، ولديك عقل إن تعرّض للصدأ، فعليك باللحية أو النقاب، لتكون مثل النعام الذى يخفى رأسه فى الرمال، هرباً من التطور إلى الخرافة!.
نقلا عن الوطن