بقلم : د.ماجد عزت إسرائيل

        
  عندما انتهت فعاليات الجلسة الثانية أمام قيافا رئيس الكهنة الأعظ،م رأى قيافا لابد من أن يتم محاكمة السيد المسيح أمام مجلس السنهدريم. فما هي قصة هذا المجلس؟ وكم  يبلغ عدد أعضائه؟ وما هى اختصاصاته؟ وهل يتبع السلطات الرومانية أم اليهودية؟ وهل يحق له محاكمة السيد المسيح؟ وهل وجدت إدلة لإدانة  السيد المسيح؟ وماهى وقائع هذه الجلسة الثالثة ونتائجه؟ وهل يستحق السيد المسيح حكم الموت؟ وهذا ما سوف نوضحه في السطور التالية.
مجلس السنهدريم
    كلمة سنهدريم أو سنهدرين هي كلمة عبرية منقولة عن "سندريون" (باليونانية synedrion) وباللغة الإنجليزية تعنى (The Great Sanhedrin) ،ومعناها "الجالسون معًا" وقد تعني مجمع مشيخة أو مجلس المشيري.وقد أطلق هذا الاسم من قبل اليهود في زمن  وجود السيد المسيح على الأرض على اعتبار السنهدريم المحكمة العليا للأمة اليهودية. وكان مجمع السنهدريم هو الجهة القانونية المسؤولة أمام السلطات الرومانية عن حقوق وواجبات الشعب اليهودى.ويتكون مجمع السنهدريم من واحد وسبعين عضواً، سبعين منهم مثل عدد الشيوخ الذين عاونوا موسى، أما الحادي والسبعون هو رئيس الكهنة أو الكاهن الأعظم وعلى وجه العموم كان له حق التشريع في الأحكام الدينية والسياسية والاجتماعية. ولكن توقف العمل بمجمع السنهدريم بعد عام 70م وذلك بعد خراب أورشليم والشتات اليهودي. «يَا أُورُشَلِيمُ، يَا أُورُشَلِيمُ! يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا، كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا! هُوَذَا بَيْتُكُمْ يُتْرَكُ لَكُمْ خَرَابًا." (مت 23: 37-38)
 
    على أية حال،يرجع نشاة مجمع "السنهدريم" إلى السبعين شيخًا الذين استعان بهم موسى في البرية. وفي أيام عزرا ونحميا، لم يكن هناك مجلس من الشيوخ فحسب بل كان يجتمع أحيانًا كل الشعب وكان يقصد به اجتماع بيت الأمة اليهودية وكان لمبدأ "اجتماع كل الأمة" أهمية كبيرة رغم أن ذلك لم يعد ممكنًا بعد ذلك قد يكون بسبب ازدياد عدد الشعب، فتحولت اختصاصات "اجتماع كل الأمة" إلى المجمع المركزي في مدينة أورشــــــليم باعتباره ممثلًا أعلى لكل الأمـــــة اليهودية.ولقد تفاوتت سلطات السنهدريم في إدارة شئون الأمة اليهودية بحسب الحراك السياسى، وتغير الحكومات، فمثلًا في عهد  بعض الحكام الرومان كان لمجمع السنهدريم نصيب كبير في المشاركة في الحكم. وفي أحيان أخرى كانت تتقلص اختصاصات المجلس حتى تصبح قاصرة على شئون العبادة في داخل الهيكل اليهودى دون غيره.
 
   هنا يجب علينا أن نسجل أن عدد أعضاء مجمع السنهدريم يبلغ (71)عضوا بما فيهم رئيس الكهنة الأعظم. وكان يسند رئاسة مجمع السنهدريم إلى رئيس الكهنة، وكان أعضاء هذا المجلس من بين أكبر العائلات الكهنوتية وكبار المعلمين الدينيين المعروفين باسم الكتبة أو معلمي الشريعة. وبالجمع بين هاتين الفئتين،كان السنهدريم يتكون من الصدوقيين (رجال الكهنوت) ومن الفريسيين(الكتبة)،بالإضافة إلى بعض من الشيوخ الذين لا ينتمون لهاتين الفئتين. ومن الإشارات المختلفة لهذا المجلس في العهد الجديد ، ندرك أن تكوينه كان يختلف باختلاف الظروف، فكان يتكون من "الكهنة وكتبة الشعب"(مت2: 4)، أو من "رؤساء الكهنة مع الكتبة والشيوخ" (مت27: 41)، أو رؤساء الكهنة والمجمع كله (مرقس14: 55)،أو "مشيخة الشعب:رؤساء الكهنة والكتبة" (لو22: 66)، أو "رؤساء الكهنة والعظماء والشعب" (لو23: 13)، أو "رؤسائهم وشيوخهم وكتبتهم" (أع4: 5)، أو "رؤساء الكهنة والشيوخ" (أع4: 23).
 
الخلاصة..... ان مجمع السنهدريم كان يقوم بالعديد من المهام منها أعمال السلطة المركزية في الإدارة لمدنية أورشليم القدس،وأيضًا الإشراف على الشؤون الدينية اليهودية،ووضع  البرامج الخاصة بالخدمة داخل الهيكل وخارجه، وفي تنفيذ العدالة في الحالات التي لم تكن تختص بها السلطات الرومانية، فكان يختص بالقضايا المتعلقة بشئون الهيكل وحفظ وصايا التوراة. وفي أيام الرومان كانت تختلف باختلاف سياسة الحاكم،وكان من حق الحاكم الروماني وقف تنفيذ الأحكام أو إعادة النظر في أي أحكام يصدرها السنهدريم.وكان السنهدريم يمارس سلطاته على اليهود خارج المجتمع اليهودي عن طريق المجامع. ولم تعترف السلطات الرومانية تعترف بهذا الأحكام خارج اليهودية.
وقائع الجلسة الثالثة 
   وكانت الجلسة الثالثة أمام مجلس السنهدريم أو السنهدرين وهي المحاكمة الدينية الرسمية والإدانة بالموت. فعند طلوع النهار اجتمع السبعون عضواً بالإضافة إلى رئيس الكهنة الأعظم في المجلس الأعلى لا للمحاكمة العادلة وإنما ليسجلوا موافقتهم وتصديقهم على الجلستين السابقتين حتى تكتسبا ثوب الشرعية، وقد سجل لنا إنجيل متى فعاليات هذه الجلسة حيث ذكر قائلاً:" وَلكِنْ أَخِيرًا تَقَدَّمَ شَاهِدَا زُورٍ.وَقَالاَ: «هذَا قَالَ: إِنِّي أَقْدِرُ أَنْ أَنْقُضَ هَيْكَلَ اللهِ، وَفِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَبْنِيهِ».فَقَامَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ وَقَالَ لَهُ: «أَمَا تُجِيبُ بِشَيْءٍ؟ مَاذَا يَشْهَدُ بِهِ هذَانِ عَلَيْكَ؟»وَأَمَّا يَسُوعُ فَكَانَ سَاكِتًا. فَأَجَابَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ وَقَالَ لَهُ: «أَسْتَحْلِفُكَ بِاللهِ الْحَيِّ أَنْ تَقُولَ لَنَا: هَلْ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ؟».قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أَنْتَ قُلْتَ! وَأَيْضًا أَقُولُ لَكُمْ: مِنَ الآنَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ جَالِسًا عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ، وَآتِيًا عَلَى سَحَاب السَّمَاءِ».فَمَزَّقَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ حِينَئِذٍ ثِيَابَهُ قَائِلًا: «قَدْ جَدَّفَ! مَا حَاجَتُنَا بَعْدُ إِلَى شُهُودٍ؟ هَا قَدْ سَمِعْتُمْ تَجْدِيفَهُ! مَاذَا تَرَوْنَ؟» فَأَجَابُوا وَقَالوُا : «إِنَّهُ مُسْتَوْجِبُ الْمَوْتِ».حِينَئِذٍ بَصَقُوا فِي وَجْهِهِ وَلَكَمُوهُ، وَآخَرُونَ لَطَمُوهُ قَائِلِينَ: «تَنَبَّأْ لَنَا أَيُّهَا الْمَسِيحُ، مَنْ ضَرَبَكَ؟».(متى 26:60-68).
 
وتشير وقائع  هذه الجلسة أنها كانت قصيرة جداً ومستعجلة ولم تراع فيها حرمة الإجراءات القانونية. وأيضًا تشير الإناجيل المقدسة الى أن هذه المحاكمة كانت نسخة ملخصة عن الاستجواب الذي تمَ أمام قيافا. وفيها أسقطت عن يسوع تهمة التحريض عن الفتنة، اذ لم تثبت عليه أنه أراد هدم الهيكل.
 
ومن الجدير بالذكر أن التقليد الكنسي قد نقل لنا أن عددًا من أعضاء المجلس مثل "نيقوديومس" و"يوسف الرامي" قد رفضا المصادقة على هذا القرار.
  ونظراً لأن الإمبراطورية الرومانية كانت قد سحبت تنفيذ الإعدام من أيدي اليهود وقصرته على الحاكم الروماني، ولذلك كان يجب تقديم يسوع للحاكم الروماني على اليهودية بيلاطس البنطي المعيّن عليها كما كشفت السجلات التاريخية منذ عام(26 م). وفي الواقع فإنه كان من الممكن تأجيل محاكمة السيد المسيح، حتى يتم الإنتهاء من احتفالات عيد الفصح ويغادر بيلاطس البنطي – وكانت قيصرية مركز ولايته بآسيا الصغرى-  القدس إلى يافا - كانت عاصمة الولاية-  بحيث تخف سطوة الرومان على المدينة ويمكن بالتالي التغاضي عن تنفيذ حكم إعدام. غير أن القادة الدينين وكما يقترح عدد من مفسري الكتاب المقدس، كانوا يرمون الإسراع في التنفيذ لانشغال الناس في العيد من ناحية، وخوفًا من تحرك أنصار يسوع في حال طال أمد اعتقاله وسوى ذلك فإن تنفيذ الرومان للحكم، يرفع عنهم مسؤولية قتله أمام الجماهير. ولكون التهمة التي حوكم على أساسها يسوع بالإعدام وفق الشريعة اليهودية هي "التجديف" لا يأخذ بها القانون الروماني، كان عليهم أن يقدموا تهمة سياسية لقتله، لذلك عمدوا خلال لقائهم مع بيلاطس للتأكيد على كون يسوع إنما هو ثائر ومعادي للقيصر، مما يعني أنهم قد بدلوا تهم التجديف وهدم الهيكل بتهم ثلاث أخرى ذات لون سياسي، فهو يحرض على الفتنة، ويمنع أداء الجزية، ويدعي الملك، وكلها بالطبع تهم باطلة.