كتب : د.مينا ملاك عازر
ويا للعجب! نلتقي مرة أخرى مع دكتورة هالة زايد صاحبة فكرة أداء الأطباء النشيد القومي في كل صباح جديد، تلك السيدة التي التقيتها وكنت قد قلت هذا من قبل، ووجدتها سيدة مهذبة عاقلة رشيدة متمكنة من مجالها الذي هو مقاومة العدوى بالمستشفيات، وكانت معارة من وزارة الصحة، ربما مغضوب عليها، المهم أنها أصبحت وزيرة صحة، فبدلاً من أن تصرف بدل عدوى للأطباء يتناسب مع مخاطر المهنة أو يقترب من بدل القضاء الذين لا عدوى لهم، قررت فرض النشيد القومي لكنها عادت عنه، وبعدها قررت غزو معهد القلب لأنه ناجح بحسب بيانات وزارتها، وفاشل بحسب بيانات نفس الوزارة، نجح المعهد القومي للقلب في إنهاء قوائم الانتظار بدون أداء النشيد القومي، فأطاحت وزيرة الصحة والسكان بعميد معهد القلب القومي.
 
حتى لا ننسى قومية الوزيرة لم تمنعها عن التفكير في نفسها وإرضاء الجهات التي اختارتها بإجبار الأطباء على أداء نشيد القومي بدون تحديد الآلية، ثم نفت هذا، وتفكير الدكتورة ذاتها لم يمنعها قط من التفكير في قوميتها والإطاحة بعميد المعهد القومي للقلب الدكتور جمال شعبان لأنه ناقشها ونسى أنها الوزيرة، منتهى التواضع والإنسانية والقومية.
 
ليت أعرف لماذا تتردد كلمة القومية كثير في الفقرة السابقة بالذات، أ لأن المسألة ترتبط بأمن قومي؟ وهو كيف نختار المسئولين؟ وكيف نقيلهم؟ ومن يحاسب المقيلين؟ ولماذا لا نسأل عن سر مجيء هذا وذهاب ذلك؟ وعدم تولي ذاك المسئولية؟ ربما الوزيرة المهتمة بالشأن القومي نست أن المعهد قومي وليس مستشفى خاص تملكه، فقررت عقاب المتجاوز في حقها كما ترى، ولم ترى اللافتة التي تؤكد أنه معهد تابع للدولة، ربما لأنها أمنت العقاب، فارتاحت في فعل ما يتراء لها، ربما لأنها أرضت من أتوا بها، فاطمأنت أنه لا زوال لها من فوق الكرسي ولا حساب لها من أحد.
 
من المؤسف حقا، أن مصر التي تقاوم كل من يحاول المساس بأمنها القومي، مسئوليها ينتهكون أمنها القومي دون النظر لأي مؤثرات إنسانية ولا ضوابط مهنية ولا قواعد ولا محاسبة، أي قومية تلك التي تبحثين عنها يا دكتورة وأنت تقيلين رجل مجتهد؟ ربما يكون بحسب قياساتك قد تجاوز في حقك! أي وطنية تنشدينها في النشيد الوطني وأداءه، وأنت تهدمين ما بناه الرجل في معهد قومي؟ أي مهنية وموضوعية؟ أين التحقيق والمحاسبة؟ ربما أنت غير مخطئة؟ ربما أن الكشف الطبي الذي تم إجراءه على مرشحين على الرئاسة كان جدير تطبيقه على الوزراء بالذات على صحتهم النفسية لنأمن اتخاذهم قرارات تفيض بالأنانية وحب الذات للأسف، وإلا فافصحي عن سر عزله وإقالته وحاسبيه وحققي معه، وأن كنتم خصوم تواجهوا، والمخطئ يعاقب مهما كان.
 
ملحوظة كتبت هذا المقال متأخراً لأني أعرف بعادتنا نحن المصريين إذ نهيج وننسى بعدها، وهذا ما جرى، فقلت أذكركم بما لا يجب أن ننساه، أن هناك رجل قد ظُلم، ومرضى مظلومين بسبب قرارات الوزيرة التي لا تحاسب من أي جهة لأنها قررت إجبار الأطباء على تأدية النشيد القومي، قرار لم ينفذ في حين أن قرار إقالة عميد المعهد القومي قد نفذ ولا مراجع لها.
المختصر المفيد القومية ليس ادعاء، ولكن قرارات ومواقف.
د. مينا ملاك عازر