كتبت – أماني موسى
قال الأنبا مكاريوس أسقف عام المنيا وأبو قرقاص، اليوم نحتفل بسبت لعازر، وهو الموافق لمعجزة إقامة لعازر من الموت.
 
وتابع الأنبا مكاريوس في مقاله، في السبت قام لعازر وكان قد خُلِق يوم الجمعة (خلقة الإنسان كانت في اليوم السادس من أيام الخليقة)، فالله قادر أن يصلح ما فسد، ويقيم من مات، ويعيد الحياة إلى من أعطاه الحياة؛ والله لم يرسم لنا ألّا نموت وإنما أن نقوم من الموت، ومن خلال تصريح الرب نفسه فإن الموت هو نوم «لعازَرُ حَبيبُنا قد نامَ» (يوحنا 11: 11)، وفي معجزة إقامة ابنة يايروس صرّح الرب: «إنَّ الصَّبيَّةَ لَمْ تمُتْ لكنها نائمَةٌ» (متى 9: 24)، وبالتالي فالنوم هو موت قصير مقابل الموت الذي هو نوم طويل. ونقول في لحن: يا كل صفوف السمائيين: "قد قام الربّ مثل النائم". وسبت لعازر إشارة وظلّ إلى قيامة الرب المجيدة، ولذلك يسميه البعض "أحد صغير" أو "قيامة صغرى".
 
وأضاف الأنبا مكاريوس، هذا السبت والذي يُعرَف بسبت لعازر، سُمي في الكنيسة الأولى "إعلان الفصح": باعتباره إعلان وتمهيد لموت الرب وقبره وقيامته. ويقف هذا السبت بين الصوم الأربعيني وأسبوع الآلام والقيامة، هو تمهيد لقيامة الرب (بروفة لها)، فلقد ذهب الرب إلى الموت مبكّرًا ليعلن للخليقة كلها: لأحبائه وأعدائه، للبشر وللشياطين، وللموت نفسه، أنه لن يمكن أن يُمسَك منه، بل وأنه لن يمكث في القبر المدة التي قضاها لعازر في القبر؛ كما أنه قصد أن يتوّج بها معجزاته سواء معجزات الشفاء أو طرد الأرواح النجسة أو إقامة الموتى، وهي المعجزة التي أفقدت رؤساء اليهود رشدهم، فاختلّ توازنهم وتخبّطوا في قرارهم بشأنه، إلى حد التفكير في قتل لعازر نفسه (جسم المعجزة) «فتشاوَرَ رؤَساءُ الكهنةِ ليَقتُلوا لعازَرَ أيضًا» (يوحنا 12: 10). لم يفرحوا بقيامة لعازر من الموت، ولا بقيام مخلّص بهذا المستوى الذي يفوق طموحاتهم فيه، مثلما تذمروا على المعجزات التي تمت في السبوت، وهاهوذا المعجزة الصادمة تأتي في السبت أيضًا، بل اقترن السبت ولعازر أحدهما بالآخر!
 
مستطردًا، على القبر بكى يسوع كإنسان له نفس وجسد وروح، وسلّمنا كيف نبكي ونتألم ونتعاطف مع الآخرين: «فلَمّا رآها يَسوعُ تبكي، واليَهودُ الّذينَ جاءوا معها يَبكونَ، انزَعَجَ بالرّوحِ واضطَرَبَ... بَكَى يَسوعُ» (يوحنا 11: 33، 35)، وفي الأصل اليوناني تأتي دموع يسوع مختلفة عن دموع الأختين وكذلك دموع اليهود الذين كانوا معهما، وسلمنا كيف نشارك وجدانيًا مثلما فعل في عرس قانا الجليل أيضًا «فرَحًا مع الفَرِحينَ وبُكاءً مع الباكينَ» (رومية 12: 15)، وحظي لعازر بأجمل لقب وهو «لعازر حبيب الرب»، فحين أُبلِغ السيد المسيح بالخبر قيل له: «يا سيِّدُ، هوذا الّذي تُحِبُّهُ مَريضٌ» (يوحنا 11: 3)، بل أعلن الرب نفسه لتلاميذه: «لعازَرُ حَبيبُنا قد نامَ» (يوحنا 11: 11)، وكان بيت لعازر ومريم ومرثا هو المكان المحبوب الذي يحلو ليسوع ان يستريح فيه.
 
عندما بكى عند القبر أظهر حقيقة بشريته، وعندما أمر لعازر أن يقوم أكّد سلطان لاهوته وسلطانه على الموت، ولماذا يتعجب الناس؟ أليس هو معطي الحياة فكيف نستكثر أن يعيد الحياة إلى ميت؟ ليس ذلك فقط وإنما سيقوم جميع الموتى عند البوق الأخير: «لا تتعَجَّبوا مِنْ هذا، فإنَّهُ تأتي ساعَةٌ فيها يَسمَعُ جميعُ الّذينَ في القُبورِ صوتهُ، فيَخرُجُ الّذينَ فعَلوا الصّالِحاتِ إلَى قيامَةِ الحياةِ، والّذينَ عَمِلوا السَّيِّئاتِ إلَى قيامَةِ الدَّينونَةِ» (يوحنا 5: 28، 29). ويقول بعض الشُرّاح إن الرب يسوع كان من الممكن أن يقيم لعازر بمجرد إرادته، ولكنه ناداه باسمه ليقوم لعازر فقط، وإلا لقام جميع الأموات الذين في تلك القبور!
 
هذا وتقرأ الكنيسة هذا الفصل من الإنجيل في قداس الأحد الرابع من شهر أبيب، حيث تدور قراءات الشهر كلها عن كرازة الرسل، كتعبير عن طبيعة وماهية إرساليتهم، أي إقامة موتى الخطية إلى الحياة. كما أنه من الفصول الهامة عند تعزية أهل المنتقلين، لتعلن الكنيسة أن موت الشخص ليس بنهاية المطاف، ومن ثَمّ نصلي في أوشية الراقدين: "لا يكون موت لعبيدك بل هو انتقال". إن الناس عادة ما يصمتون ويعجزون أمام الموت، ولكن الرب هنا يسلّمنا أن الموت يمكن التفاهم فيه، وأنه وإن كان له سلطان على الناس إلّا أنه بانتصار المسيح على الموت فقد الأخير سلطانه، وأصبح المسيحيون لا يخشونه، بل يفرحون به، بل يطلبونه، بل أصبح هناك ما يسمى بـ"عطية الموت"!
 
ولعلنا نلاحظ بُعدًا ليتورجيًا آخر، وهو أن الرب سلم الخدام أن يحلوا لعازر ويطلقوه، فحينما خرج الميت، كان لا يزال مربوطًا (حين يعترف الشخص، يظل مذنبًا؛ ولكي تُنزع عنه خطاياه يلزمه الحلّ)، قال للخُدَّام: «حلُّوه ودعوه يذهب» (يوحنا 11: 44)، إنه يقصد «ما تحلُّونه على الأرض، يكون محلولاً في السموات» (متى 16: 19).
 
لقد غُلِب من محبته فبكى على لعازر، وبكى على أورشليم ورثاها فيما عُرِف بـ"مرثية أورشليم"، وبكانا في جسثيماني وتحركت أحشاء الرأفة داخله من نحونا، وربما يفسر ذلك لنا معنى «اضطرب يسوع». مَثَلها مَثَل البذل، والذي يُعرَف في الطب الشعبي بأنه خروج الدم حتى يخفّ الضغط الداخلي، فلكي يشعر الله بالراحة من جهتنا بكى ونزف العرق كقطرات الدم، بل نزف الدم بالفعل في الجلد وعلى الصليب، وبكى في جثسيماني. وهكذا عبّر الرب عن محبته هذا الأسبوع بأكثر من طريقة، تارة بالدموع وتارة بالعرق وتارة بالدم.