مراد وهبة
لم تقف العلمانية عند حد ثورة كوبرنيكس التى دارت حول العلاقة العضوية بين العلمانية ودوران الأرض باعتبار أن النسبية تؤلف بينهما بل تجاوزتها إلى الثورة الدينية التى سميت بـ «الإصلاح الدينى» وكان الراهب الكاثوليكى لوثر هو رائد هذا الإصلاح. وقد احتفل العالم فى 2017 بمرور خمسمائة عام على ذلك الإصلاح الذى كانت بدايته فى سنة 1520 وهى السنة التى علق فيها لوثر خمسة وتسعين قضية على باب كنيسة فيتنبرج فى ألمانيا، تدور كلها حول توهم السلطة الدينية أنها مالكة للحقيقة المطلقة، وبالتالى مالكة لتوزيع البشر بين الجنة والنار. وقد ترتب على ذلك اتهامه بالهرطقة فى عام 1521. والمفارقة هنا أنه إثر ذلك العام تحرر لوثر وأصدر كتابه المعنون «عن السلطة العلمانية» فى عام 1523 وفيه دعا الكنيسة إلى أن تكون جماعة حرة ويكون فيها كل مسيحى ملكاً وكاهناً ونبياً، أى يكون فيها مستمتعاً بالحرية والمساواة. وكان فى ذلك كله لا يريد تأسيس كنيسة جديدة بل إصلاح كنيسة قائمة فى سياق التسامح وليس فى سياق التعصب الدينى وعلى الحكام العلمانيين بعد ذلك أن ينشغلوا فقط بالمحافظة على السلام والالتزام بالقانون، ومن ثم تمتنع الفوضى.

وفى هذا السياق فإن الإصلاح الدينى، فى رأى لوثر، يعنى «الفحص الحر للإنجيل» أى تأويل النص الدينى من غير معونة من سلطة دينية. يقول: «يرغب الرومانيون فى أن يكونوا هم وحدهم المتحكمون فى الكتاب المقدس مع أنهم لم يتعلموا شيئاً من الإنجيل فى حياتهم. وهم يفترضون أنهم وحدهم أصحاب السلطان ويتلاعبون أمامنا بالألفاظ فى غير ما خجل أو وجل لإقناعنا بأن البابا معصوم من الخطأ فى أمور الإيمان. وإذا كان ما يدعونه حقاً فما الحاجة إلى الكتاب المقدس؟ وما نفعه؟ ولهذا فإن دعواهم بأن البابا وحده هو الذى يحق له أن يفسر الإنجيل هى دعوى مثيرة للغضب.

يبين من النص السابق أن تأويل الإنجيل من حق أى إنسان، ومن ثم فالدوجماطيقية ممتنعة، ومع امتناعها لا يحق لأحد أن يتهم الآخر بالهرطقة أو الكفر. وتأسيساً على ذلك الحق فى التأويل تعددت المدارس اللاهوتية إلى الحد الذى أفضى إلى نشأة علم لاهوت علمانى، وعلم لاهوت إلحادى من داخل المؤسسة الدينية. بل إن الفكر العلمانى تجاوز الحد العلمى والدينى إلى السياسى بريادة الفيلسوف السياسى مكيافلى وفكرته المحورية تدور على أن السياسة لا تستند إلى قيم دينية أو قيم أخلاقية مطلقة وإنما إلى المصلحة والمنفعة.

والجدير بالتنويه هنا أنه بمناسبة الاحتفال بمرور خمسمائة عام على الإصلاح الدينى أصدر القس رفعت فكرى رئيس سنودس النيل الإنجيلى فى عام 2017 كتاباً عنوانه «الإصلاح الدينى بين الغرب والشرق» جاء فيه أن مصطلح الخطاب الدينى مصطلح بشرى الدلالة من حيث هو نتاج بشرى لعقول يمكن أن تصيب وتخطئ، لذا يجب ألا يكون الخطاب الدينى متحجراً على أصل تأويلى بعينه ويرفض وضع هذا الأصل موضع المساءلة بل يجب أن يعترف بأن هناك تأويلات أخرى، ومن ثم يجب عدم إلغاء الآخر المختلف فى التأويل.
نقلا عن المصرى اليوم