هاني لبيب

 لم أتعجب كثيراً من ردود الأفعال الشاذة فكرياً ونفسياً فى التعليق على حريق كاتدرائية نوتردام العريقة بباريس. والتى أخذت عدة أشكال، بداية من الشماتة، مروراً بتوصيف ما حدث باعتباره انتصاراً للإسلام، وصولاً إلى تشبيه مقتنيات الكاتدرائية، لوحات وتماثيل، باعتبارها أصناماً، وهناك من يعبدها. هذه الانطباعات الشاذة لم تؤثر على إيمان المسيحيين بعقيدتهم الدينية وطقوسهم وعباداتهم، لأن الكنيسة فى النهاية هى مبنى له عمر افتراضى مهما صمدت إنشائياً أو معمارياً، وارتباط العالم بها هو ارتباط وجدانى ليس فقط لأنها مكان للصلاة والعبادة، بل لأنها تمثل جزءاً من التاريخ الإنسانى الحضارى.

 
أعتقد أن مثل ردود الأفعال هذه تُصنف باعتبارها شعوراً همجيّاً قبيحاً من بعض المتطرفين والمتعصبين الذين أسعدهم تدمير جزء من معالم التاريخ الإنسانى الحضارى، وهو ما يؤكد على تغلغل خطاب التمييز والكراهية والتعصب فى مقابل استبعاد قيم التسامح والحوار وقبول الاختلاف.
 
الطريف فى الأمر، أن العديد من الذين كتبوا تعليقات مفردات خطاب الكراهية يعيشون فى الدول الغربية التى يعتبرونها دولاً كافرة، رغم لجوئهم إليها للاستفادة من الحقوق والمكتسبات، والنقيض هنا يتجلى فى محاولاتهم المستمرة فرض وجهة نظرهم وثقافتهم على تلك المجتمعات للحصول على المزيد من الحقوق دون أى التزام بالقواعد القانونية الراسخة للتمتع بتلك الحقوق.
 
فى باريس كتب أحدهم يقول «نطلب من جاليتنا المقيمة فى باريس المساعدة فى إخماد نيران الكاتدرائية بسكب البنزين»، وكتب آخر: «إحساس.. حزينة عليهم، سعيدة علينا.. سبحان الله يخرج من حزن البعض سعادة للآخرين»، وآخر كتب يقول «مشهد جميل ليتنا نرى أوروبا كلها بهذا الجمال».
 
إن مثل هؤلاء هم الأخطر على الدول وعلى المجتمعات من الإرهابيين والدواعش، فالفكر هو الأخطر من التنفيذ، والتعصب والتطرف نجح فى التغلغل حتى وصل إلى استقطاب البعض من العقول الغربية نفسها. وهو ما يجعلنا نذكر بدعوة مصر منذ سنة 2014 لمواجهة التطرّف والإرهاب عالمياً.
 
ترى، إلى متى يمكن أن تتحمل الدول الغربية تبعات وردود أفعال الإسلام السياسى، سواء بعملياته الإرهابية، أو تطرفه الفكرى الأشد خطورة على المجتمع الغربى وأمنه وسلامته.. بعيداً عن نظرية المؤامرة المزعومة علينا وعلى دولنا، فهناك من يدعى، طوال الوقت، أنه لن تقوم لنا قائمة، وهذا غير حقيقى، والدولة المصرية، مثال كبير، على تحديد مصيرها بنفسها حينما قررت ذلك، فقد كان لديها بعد ثورة ٣٠ يونيو إرادة وطنية حقيقية ورؤية واضحة المعالم لصانع القرار ومتخذه.
 
* نقطة ومن أول السطر..
 
ردود أفعال البعض على السوشيال ميديا تجاه حريق كاتدرائية نوتردام.. يؤكد أن المتطرفين فكرياً.. أخطر من مرتزقة داعش وأتباعه ومواليه..
 
التطرف والإرهاب أصبح لهما دين.. ليس سماوياً بالقطع، بعد أن أصبحا يمثلان عند البعض عقيدة أشد إيماناً وقوة من الإيمان بالأديان السماوية.
نقلا عن المصري اليوم