سليمان شفيق
كتبت في الخمس سنوات الاخيرة دراستين واكثر من خمسين مقالا عن المنيا ، وفي كل مرة تحدث فيها احداث ارهاب او تطرف ، تسرع وسائل الاعلام المختلفة بتناول تلك الاحداث بالشجب والادانة ، وتقريبا يردد نفس الكلام ، وبعد ان تهدأ العاصفة يتم نسيان الامر ، لكن بعد تكرار الاعتداء علي رحلة من الرحلات لدير الانبا صموائيل ، وقتل رجل شرطة "فاسد" و"بلطجي" و" متعصب" للشهيدين عماد المقدس وابنة ، واستخدام سلاحة "الميري" بدون وجة حق وربما تضليل في ذلك ، ارتعدت النفوس من المصريين مسلمين ومسيحيين لانهم لم يتوقعوا مثل هذة الجرائم التي يترصد فيها رجل شرطة لمواطنين عزل ، بشكل وضع كثيرين انفسهم مكان الشهيدين .

كثيرون يكتبون عن المنيا علي انها "امارة الارهاب والتطرف" ،ولكنها مدينة المتناقضات فأذا سرت في كورنيش النيل تشعر انك في الاسكندرية ، ولو تجولت في احياء "ارض سلطان وشلبي والمنيا الجديدة" كأنك في المهندسين ومصر الجديدة ، وان سهرت في فنادقها كأنك في الزمالك ، وفي كافيهاتها كما لو كنت في بيروت ، وحينما تزور معظم قراها ونجوعها تشعر انك في كابول ؟!!

المنيا أكبر تجمع مسيحى فى الشرق الأوسط (المنيا ما يقارب 6 ملايين مواطن 35% منهم مسيحيين)، وترتفع حيازات المسيحيين وممتلكاتهم من الثرؤوة المنياوية إلى اكثر من 30%، بها حوالى خمسة آلاف مسجد وزاوية، 611 كنيسة، نشأت فيها افكار التكفير القطبية على يد شكرى مصطفى فى ابو قرقاص منذ نهاية ستينات القرن الماضى، وتمت إدانة جماعته التكفير والهجرة باغتيال الشيخ الذهبى وزير الأوقاف عام 1978م فى محاكمة عسكرية وانتهت بحكم الإعدام شنقاً لخمسة من المتهمين وكان منهم شكرى مصطفى.

منذ 1978 وحتى الآن مرت بثلاث مراحل: 1978 - 1981 كانت الجماعة متسيدة الإرهاب وبعد مقتل الرئيس السادات تقهقرت الجماعة من أسيوط إلى المنيا لأن قادتها الأكثر عنفا ـ حينذاك من المنيا ـ عاصم عبد الماجد، كرم زهدى، فؤاد الدواليبى وآخرين، وتم اعادة التأسيس الثانى للجماعة فى المنيا وسيطروا عبر مسجد الرحمن بجنوب المدينة (تحول حى أبو هلال إلى حى مكة) وكانوا يطبقون الحدود "عينى عينك" ويفرضون الجزية حتى 1990، لتبدأ المرحلة الثالثة من 1990 حتى المراجعات

فى تسعينيات القرن الماضى بدأ الإخوان المسلمين يستقطبون بعض قادة الجماعة مثل محى الدين أحمد عيسى والمهندس ابو العلا ماضى الخ لتبدأ مرحلة الإخوان، ليظهر نجم سعد الكتاتنى ويصير نائب الدائرة، وصولا لثورة 25 يناير 2011، وتحالف الإخوان والسلفيين والجماعة وحصولهم على 80% تقريبا من الأصوات وحيازة المجرم محمد مرسى على 78% من أصوات الناخبين فى المنيا، وتوغلهم واستيلائهم على الكثير من المناصب والنقابات الخ وحتى الآن، وكان حينذاك المحافظ ومدير الامن من الاخوان ، ومعظم القيادات ، واغلب الرتب الدنيا (والتي يبدو منها الشرطي القاتل ) .

تحتل المنيا موقعا متميزا فى المناطق السياحية ، كثالث أكبر محافظات الجمهورية من حيث عدد المواقع الأثرية الموجودة بها بعد القاهرة الكبرى والأقصر التى تنتمى لكل العصور:( الفرعونية، الرومانية، المسيحية، الإسلامية) ولكنهم ينسون أن المنيا ليست على خريطة السياحة العالمية منذ تسعينيات القرن الماضى، والمنيا على سبيل المثال.

وبالرغم من تنوع الثروات الطبيعية والجغرافية والتاريخية ، تحتل المنيا ذيل القائمة حيث تقع ضمن ادني خمس محافظات من محافظات مصر ، من حيث نسب التنمية البشرية .

كما لايوجد بالمنيا سوي فنادق اقل من خمسة نجوم ، وللاسف سمالوط التي يوجد بها دير السيدة العذراء ، وملوي لايوجد بها فنادق مؤهلة .

ولا يوجد بالمنيا سوي دارسينما واحدة انشأت في نادي القوات المسلحة ، ولا يوجد بها مسارح تعمل الا مسرح المحافظة ويستخدم بشكل رسمي ،وحتي قصر الثقافة لم يستكمل مسرحة منذ اكثر من ثلاثين عاما .

ويذكر انةبعد فض الاعتصامات الإرهابية فى رابعة والنهضة بلغت خسائر الوطن فى المنيا 80% من محاكم وأقسام ومؤسسات الدولة، وتم التمثيل بأجساد ضباط وأفراد الشرطة فى سمالوط ومطاى، وبلغت نسبة خسائر الأقباط فى المنيا أيضا 70% من الكنائس التى حرقت ونهبت، وبعد ذلك وحتى الآن بلغت أحداث العنف "الطائفى" (77 حادثا من يناير 2014 وحتى الآن) بمعدل حادث كل 12 يوما تقريبا.

وكانت المنيا تحتل المرتبة العليا من الجماعة الاسلامية التي اسسها السادات مع محمد عثمان اسماعيل محافظ اسيوط ،وإذا كان الرئيس السابق السادات قد شرعن لوجود الجماعة غير المشروع على هامش المجتمع المدنى، فإن عصر الرئيس السابق مبارك قد أدى لتمكين الجماعة سياسيا عن طريق عقد الصفقات المتبادلة بين النظام والجماعة مثل صفقة دخول 88 عضوا من جماعة الإخوان فى البرلمان المصرى 2005، التى اعترف بها قيادات جماعة الإخوان فى أكثر من حوار معلن، وعلى الصعيد الاقتصادى ووفق قضايا غسيل الأموال فقط، بلغت الأموال المغسولة مليارات، وفي المنيا فقط 30% من جمعيات الاخوان ومعاهد السلفيين، وان كان الاخوان قد استحوذوا على الوظائف الحيوية فان منابر ومعاهد السلفيين خلقت ثقافة تكفير الاقباط وفتاوى عدم جواز بناء الكنائس فى ديار الإسلام.

لهذا كلة كانت بيئة المنيا مرتعا للتشدد الاخواني والسلفي حتي ان رئيس مجلس نواب الاخوان د .محمد الكاتتني كان من نواب المنيا ومن اساتذة جامعتها ،وكل قيادات الجماعة الاسلامية والاخوان المسلمين بالمنيا كانوا من القيادات الطلابية بالجامعة ، بل واستطاعت اجهزة الامن مؤخرا من القبض علي خلية من داعش بجامعة المنيا ، بل تبلغ المؤسسات المدرسية والاجتماعية الخاصة بالمنيا التي كانت تابعة للاخوان والسلفيين حوالي 42% من المؤسسات كلها ، لهذا كلة كان التشدد المتأسلم بالمنيا يمثل تيار قوي في اكثر من 30% من القري ، ونسبة لابأس بها في الرتب الصغري بالشرطة ، ومالا يقل عن 30% من كوادر مؤسسات التنشئة ، 25% من العمل الاهلي ، ولايقل عن 40% من الوعاظ في المساجد الاهلية السلفية ، لهذا كلة يعد اطلاق الشرطي النار علي عماد المقدس وابنة ديفيد مؤشر خطير ، بعيدا عن احترامنا لشهداء الشرطة في مكافحة الارهاب ، وانتظارنا لحكم القضاء ، فأن المنيا كما قال نيافة الانبا مكاريوس للحكومة :" ان لم تذهبون للمنيا ستذهب المنيا اليكم " نعم ستذهب عبرفاشية مجرم مثل قاتل عماد وديفيد ، ستذهب عبر تدخلات خارجية لعالم ما بعد "خاشوقجي" ، ستذهب عبر اشياء كثيرة ، وستظل دماء عماد وديفيد مسئوليتنا جميعا .

اللهم اني قد بلغت اللهم فأشهد .