جمال رشدي يكتب 
منذ البداية وانأ علي يقين أن اخيتوفل سيقاوم بكل شراسة تجليس الأنبا مكاريوس اسقفاً علي كرسي ايباراشية المنيا وابوقرقاص، وقد ألمحت بذلك إلي الأنبا مكاريوس والذي كان رده أن هناك ثقة كبيرة في قداسة البابا، بأن لا يمكن أن يستجيب لأي أراء أو ضغوط من هذا القبيل بجانب ما وجدته من تجرد روحاني يجعله في تسليم كامل لإرادة الله
 
في البداية لابد أن نوضح للسادة القراء من هو اخيتوفل ،اسم عبري معناه " أخو الجهل " وهو القائد الفعلي لحركة تمرد أبشالوم ضد داود أبيه ، ويوصف بأنه كان " مشيراً للملك " في وقت كان فيه داود في الأربعين من العمر. 
 
فهو احد سكان جيلوه الواقعة في تلال يهوذا. وهو أبو أليعام، احد جبابرة داود، ويُحتمل انه جد بثشبع. كان اخيتوفل مشير داود الشخصي، واعتُبرت مشورته الفطينة كأنها كلام مباشر من السماء، لكن هذا الرجل الذي كان ذات مرة رفيقاً حميماً لداود، تحول الى شخص غادر وخائن، إذ انضم الى أبشالوم بن داود عند انقلابه على أبيه الملك، وبصفته احد الذين قادوا هذا التمرد، أشار على أبشالوم أن يغتصب سراري داود أبيه، ثم طلب منه إذنا إن يحشد جيشاً مؤلفاً من ٠٠٠,١٢ رجل ويذهب على الفور لمطاردة داود وقتله، مستغلاً حالة الضعف والفوضى التي كان داود فيها. ولكن حين أحبطت السماء هذا المخطط الذي نم عن اجتراء، واتُّبعت مشورة حوشاي، أدرك اخيتوفل كما يتضح إن تمرد أبشالوم سيبوء بالفشل. فانتحر ودُفن مع آبائه،. هذه هي حادثة الانتحار الوحيدة المذكورة في الأسفار العبرانية ما عدا ما كان يحدث أثناء الحرب، ويبدو أن يذكّر بعمل الخيانة هذا الذي قام به اخيتوفل..
 
ومن هذا الوقت اصبح اخيتوفل رمز للمشورة الشريرة التي تقوم على المكر والخيانة والغدر، هنا ما يواجهه الأنبا مكاريوس منذ سنوات طويلة وازدادت الوتيرة منذ انتقال ورحيل الأنبا أرسانيوس مطران المنيا، فتلك الايباراشية لها ظروف خاصة حيث يمثل المسيحيين حوالي 35 إلي 40 % من سكانها بجانب ترامي أطراف قراها ونجوعها ومعظمها بدون كنائس، مع توطين جميع أمراض المجتمع المصري داخل تلك البقعة، من جهل وفقر وتطرف ومرض مما جعلها جاهزة للاشتعال في كثير من الأحداث والمواقف، وخصوصاً التي تتطلب تأدية الشعائر والطقوس الدينية في احد البنيات نظراً لعدم وجود كنائس.
 
هنا المواجهة التي تحدث دائما بين الأنبا مكاريوس الرجل الذي يمثل ثقافة التنوير والإنسانية والوطنية، وبين موروث تلك الأمراض ومن هنا اكتسب الرجل شعبيته الجارفة، التي جعلته حجر عثرة أمام مشورة اخيتوفل التي مثلها بعض من هم قريبين من قداسة البابا أو من الجهات الأمنية، فالبعض يتسلق إلي سلالم الوجود في محفل الأمن، طمعاً في تذكية قادمة للترشح أو التعيين في المجالس النيابية أو علي الأقل للتواجد في دائرة ضوء الأهمية لدي الآخرين، فمن هو غير الأنبا مكاريوس القيمة والقامة والأشهر صيتاً في الكنيسة المصرية ربما عبر مراحلها التاريخية، يكون الحلقة التي يرتكن إليها هؤلاء لدي الأمن ليحوزوا علي صك الرضا الزائف. 
 
ولا ننسي أيضاً جماعة اخيتوفل الذين يتراقصون علي سلالم الكاتدرائية أمام البابا ورجال الكنيسة، لنفس غرض تراقص الآخرين أمام رجال الأمن، وهو موضوع الأنبا مكاريوس وسلامة الوطن تلك مشورتهم الشريرة، التي تعارض مشورة السماء، وهي أن الرجل مصباح نور في برية كاحله الظلام وصوت وطن صارخ في أذان التطرف.
 
نعم هؤلاء هم حلقة الوصل بين موقف البابا والأمن من تجليس الأنبا مكاريوس اسقفاً للمنيا، ليس للأمن أي ضغوط علي قداسة البابا واجزم أن قامة واسم قداسته لن يسمحوا بذلك، لكن هناك اخيتوفل وجماعته يتراقصون علي حبال الشر بين الأمن وقداسة البابا.
 
وأخيرا انتفض رجال الدين والنخبة العلمانية في محافظة المنيا لتذكية الأنبا مكاريوس عند البابا وقطع الطريق علي اخيتوفل من الاقتراب من تقسيم الايباراشية بين اثنين احدهم تمثل المنيا والاخري تمثل أبو قرقاص، سيجلس الأنبا مكاريوس أسقفا علي المنيا وابوقرقاص، وستموت جماعة اخيتوفل انتحاراً كما انتحر جدهم السابق الذي أراد خيانة الملك داوود، وسينتصر البابا بحكمته علي مشورتهم، وسيفرح الشعب القبطي بخبر قريب وهو الأنبا مكاريوس أسقفاً علي ايباراشية المنيا وأبو قرقاص.