تصادف وجودى فى فرنسا، الأسبوع الماضى، مع قرار الرئيس الجزائرى بالاستقالة من منصبه رئيسًا للجمهورية، وهو القرار الذى نال اهتمام وسائل الإعلام الفرنسية وقطاع واسع من السياسيين وأساتذة العلوم السياسية والكُتاب.

 
واللافت أن صحيفة لوموند الفرنسية الشهيرة عنونت لعدة أيام أخبار الجزائر فى صفحتها الأولى ليس لأنها تدعم الحراك الجزائرى أو تثق فى نتائجه، إنما نظرت إليه مثل أغلب الصحف الفرنسية من زاوية تأثيره على فرنسا نظرًا لأن الجزائريين والفرنسيين من أصل جزائرى يصل عددهم فى فرنسا إلى ما يقرب من 3 ملايين شخص.
 
وقد أفردت الصحيفة ملفًا كاملًا عن «بوتفليقة» وفترة حكمه وتاريخه فى أكثر من 4 صفحات كاملة، ثم عادت ووضعت مانشيت صفحتها الأولى، أمس الأول، وقالت: «الجيش يُقْصِى شِلّة بوتفليقة»، ولم تقل الشعب ولا الحراك الشعبى.
 
يقينًا، جانب كبير من النقاش الذى يدور فى الأوساط الغربية لا يحمل تفاؤلًا كبيرًا بنتائج أى تحرك شعبى فى العالم العربى بعد النتائج الوخيمة التى عرفها كثير من البلاد العربية فى أعقاب الموجة الأولى من الانتفاضات العربية، وربما التجربتان السورية والليبية ظلتا حاضرتين فى أذهان الكثيرين لأن تداعيات الأولى غيّرت شكل الحياة السياسية فى أوروبا وكانت سببًا رئيسيًا وراء صعود اليمين القومى المتطرف كرد فعل على تدفق مئات الآلاف من اللاجئين السوريين إلى ألمانيا وباقى الدول الأوروبية.
 
واللافت أن كل الأوروبيين الذين قابلتهم أكدوا تراجع اهتمام أوروبا والعالم بأى انتفاضة شعبية تجرى فى العالم العربى مقارنة بالاهتمام والزخم الهائل الذى نالته الثورتان التونسية والمصرية. صحيح أن فرنسا اهتمت بشكل حذر بما يجرى فى الجزائر لأسباب تتعلق بالجوار والتاريخ والحجم الكبير للجالية الجزائرية فى فرنسا.
 
وقد قال لى وزير خارجية أوروبى سابق بطريقة تشبه تعبيرنا المصرى: «بينى وبينك كده»، لقد فقد قطاع واسع من الرأى العام الأوروبى والغربى الثقة فى المجتمعات العربية وليس فقط النظم العربية، فالرأى العام العالمى- الذى أيّد الثورات باعتبارها سمحت للعالم العربى بأن يكون جزءًا من قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان- اكتشف أن معظمها فشل فى إجراء أى تحول ديمقراطى، بل إن بعضها دخل فى أتون الحرب الأهلية وعرف إرهابًا وعنفًا لم يعرفه العالم منذ الحرب العالمية الثانية «سوريا»، فأصبح هناك حذر وعدم ثقة فى أى حراك شعبى سلمى خوفًا من أن يتحول إلى فوضى كاملة، وتكرار سيناريو الهجرة والإرهاب الذى تعانى منه أوروبا.
 
فى كل الأحوال، الاتجاه الغالب فى فرنسا لا يرى أن الجزائر مقبلة على فوضى أو حكم إسلامى متطرف، إنما يدور حول خيارين، وهما إما النجاح فى بناء دولة قانون مدنية وانتقال ديمقراطى أو ستنقسم النخبة السياسية والحزبية فيتدخل الجيش ويحكم البلاد.
نقلا عن المصرى اليوم