(301-391 م)

بقلم /ماجد كامل 
تحتفل الكنيسة القبطية الآرثوذكسية يوم 27 برمهات حسب التقويم القبطي الموافق 5 أبريل حسب التقويم الميلادي بعيد نياحة "وفاة" القديس مكاريوس الكبير ؛ وللقديس مكاريوس الكبير مكانة هامة في التاريخ القبطي ؛فهو مؤسس الرهبنة في برية شيهيت "وادي النطرون حاليا " والتي لعبت دورا هاما في تاريخ الرهبنة سواء في مصر أو العالم ؛أما عن السبب في تلقيب القديس مكاريوس بلقب الكبير ؛فهو تمييزا له عن قديسين آخرين عرفا بنفس الأسم ؛وهما القديس مكاريوس السكندري "أو الصغير "؛والقديس مكاريوس أسقف أدكو ؛ والثلاثة معا عرفا في التاريخ القبطي بلقب "الثلاثة مقارات القديسين "أما عن تاريخ وفاة القديس مكاريوس أسقف أدكو فهو 27 بابه حسب التقويم القبطي "الموافق 7نوفمبر حسب التقويم الميلادي تقريبا "وتاريخ وفاة القديس مكاريوس السكندري هو 6 بشنس حسب التقويم القبطي "الموافق 13 مايو حسب التقويم الميلادي تقريبا " .
 
أما عن قصة حياة القديس مكاريوس الكبير ؛ فلقد ولد في أحدي بلاد محافظة المنوفية عام 301م من أبوين مسيحين تقيين ؛ وكان الأب قسيسا تقيا يدعي إبراهيم ؛أما والدته فكانت أمرأة فاضلة تدعي سارة ؛وحدث ذات ليلة أن هجم اللصوص علي منزلهما وسلبا كل ممتلكاتهما ؛ وفي أحدي الليالي ظهر النبي إبراهيم الخليل في حلم لوالده يعزيه عما فقده من ممتلكات ؛ويبشره بأن إمرأته سوف تحبل وتلد أبنا بارا وصالحا ؛ وطلب منه أن يسميه "مقار " ومعناه " سعيد "أو "طوباوي " باللغة العربية ؛وبالفعل بعد فترة قصيرة حبلت سارة وولدت طفلا سمته "مقاريوس" وتربي تربية مسيحية حقيقية ؛ وعندما كبر رغب والده في تزويجه ؛ وعندما سمع مكاريوس بهذا الأمر رفض بشدة ؛فهو كان يرغب في حياة البتولية "عدم الزواج " ولكن أمام إلحاح والديه رضخ للأمر أخيرا ؛ولكنه نذر نفسه إلا يعاشرها معاشرة الأزواج ؛وأستمر في عمله في نقل النطرون من الجبل إلي البلدة ؛وفي ذات ليلة ؛وهو في جبل النطرون ؛أرهقه التعب فنام قليلا ؛فشاهد في منامه ملاك الرب آتيا إليه ؛وبشره أن الله سيعطيه هذا الجبل ليعمره ؛ وسوف يكون لك أبناء روحيين كثيرون ينقطعون لعبادة الله . ثم عاد إلي منزله بالمنوفية ليجد زوجته مريضة مرضا شديدا ؛ وما لبثت أن توفت بعدها وهي مازالت عذراء طاهرة . وظل بعدها يرعي والديه المسنين حتي ماتا في شيخوخة صالحة . فقرر مكاريوس نذر نفسه لحياة الرهبنة بعدها ؛ وبعدها ظهر له ملاك الرب يذكره بالرؤيا التي رآها في جبل النطرون ؛ فذهب إلي هناك وبني لنفسه مغارة في المكان الذي يوجد به دير البراموس حاليا ؛ وخلال هذه الفترة قام بزيارة القديس العظيم الانبا انطونيوس أب جميع الرهبان بديره بالبحر الأحمر مرتين ؛ المرة الأولي كانت خلال عام 343م ؛والمرة الثانية كانت خلال عام 352م .وقد شهد الانبا انطونيوس عن قداسته وطهارته فقال عنه " إن قوة عظيمة تخرج من هاتين اليدين " . 
 
وسمع عنه كثير من الرهبان فآتوا إليه طالبين الرهبنة تحت إشرافه ؛كما توافد عليه الجموع ؛ ليس فقط من مصر بل من فلسطين وبلاد الشام والنوبة والسودان وايطاليا واسبانيا ؛ وكان من أشهر ممن توافدوا عليه لزيارته وطلب بركته القديسين الروميين مكسيموس ودوماديوس أولاد الملك فالنتيان ؛ وعندها قرر مكاريوس أن يترك هذه المنطقة وتوجه إلي منطقة أخري هي المنطقة التي يوجد بها دير أبو مقار حاليا "وكان ذلك حوالي عام 360م تقريبا " . وفي عهد الأمبراطور فالنس ؛وكان أريوسي العقيدة ؛قرر نفي الرهبان الموجودين في وادي النطرون إلي جزيرة فيلة بأسوان وكان ذلك عام 375م ؛ وكانت هذه الجزيرة وثنية ؛ فقام القديس مكاريوس بتبشير الجزيرة كلها بالديانة المسيحية ؛ وبعدها بحوالي عام قرر الأمبراطور السماح لجميع الرهبان بالعودة إلي الأديرة التي طردوا منها ؛فعاد القديس مكاريوس إلي ديره بوادي النطرون ؛وواظب علي الصوم والصلاة بغير انقطاع حتي توفي في شيخوخة صالحة وكان ذلك حوالي عام 391م ؛أي أنه عاش حوالي 90 سنة تقريبا .وتاريخ وفاته هو27 برمهات 108 ش الموافق 5 أبريل 391م . 
 
ولقد أشتهرت منطقة وادي النطرون كلها بكثرة الأديرة ؛وعرفت في التاريخ بلقب "برية شيهيت " وكلمة شيهيت كلمة قبطية معناها "ميزان القلوب " وهي تورية روحية وبها كناية عن طبيعة المكان أنه يزن القلوب وينقيها ؛ ولقد زار المنطقة عدد كبير من الرحالة علي مر التاريخ نذكر منهم "يوحنا كاسيان" و "روفينوس " و"بلاديوس " و"القديس جيروم " "كل هؤلاء من القرن الرابع الميلادي " ؛والراهب الفرنسي فانسليب "القرن 16 الميلادي "والراهب الفرنسي كلود سيكار "القرن الثامن عشر " والعلامة ايفلين هوايت "القرن العشرين " والأمير عمر طوسون "القرن العشرين " . ولقد بلغ عدد الأديرة في وقت من الأوقات حوالي 300 ديرا منهم أديرة للحبش والأرمن والسريان ؛والمتبقي حاليا من كل هذا العدد الضخم من الأديرة هو "دير البراموس – دير الانبا أبو مقار – دير الانبا بيشوي – دير السريان " . ولقد ذكر هذه الحقيقة التاريخية الرحالة الفرنسي فانسليب (1635-1679) حيث قال في كتابه "تقرير الحالة الحاضرة 1671 " "في برية الشهداء القديسين التي تسميها العامة برية القديس مكاريوس ؛أربعة أديرة الواحد غير بعيد عن الآخر :الأول دير القديس مكاريوس ؛الثاني دير أبا بوشي ] بيشوي[ ؛الثالث دير السيدة العذراء في البراموس ؛دير السيدة العذراء السريان ؛ويقال إنه كان هناك في الأزمنة الماضية ثلاثمائة دير ؛بقت منها هذه الأربعة فقط "
 
أما عن دير أبو مقار نفسه ؛ فلقد اشتهر معظم رهبانه بالعلم الشديد ؛حتي أنه أعتبر هو الوريث الشرعي لمدرسة الاسكندرية اللاهوتية ؛ ولهذا السبب أيضا كان دير أبو مقار هو أكثر دير يخرج منه أكبر عدد من باباوات الكنيسة القبطية الارثوذكسية 
 
وحول هاتين النقطتين يقول نيافة الحبر الجليل الأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمي الراحل 
 
] نحو نهاية القرن الخامس عصف بالمدرسة اللاهوتية عواصف عاتية كانت من العنف حتي أنها قضت عليها.... وأدي هذا إلي تشتت تلامذتها وأساتذتها. أما القلة التي بقيت تسعي من أجل الدرس والبحث ؛فقد وجدت في دير القديس مكاريوس مأوي وميناء آمنا يتناسب والهدوء الذي كانوا ينشدونه للعمل . وهكذا صار هذا الدير هو الوريث الشرعي للمدرسة اللاهوتية بالإسكندرية إلي أجيال عدة . وهذا هو علي الأرجح السبب الذي من أجله كان اختيار معظم البابوات بعد ذلك يتم من رهبان الدير.
 
ولقد بلغ عدد الآباء البطاركة الذين تخرجوا من دير أبو مقار 29 راهبا ؛والدير الذي يليه مباشرة هو دير القديس العظيم الأنبا انطونيوس وبلغ العدد 9 رهبان .
 
ولقد كتب العلامة المقريزي في موسوعته الشهيرة "الخطط" عن دير أبو مقار فقال عنه "وهو دير جليل عندهم .وبخارجه أديرة كثيرة خربت ؛ ويذكر أنه كان فيه من الرهبان ألف وحمسمائة ؛ولا تزال مقيمة به ؛وليس به الآن – وقت كتابة المقريزي للموسوعة – إلا قليل منهم " 
 
أما الراهب الفرنسي اليسوعي كلود سيكار ؛فقد زار المنطقة لأول مرة عام 1713 م مع مدينتي رشيد والإسكندرية . ثم عاود الزيارة للمرة الثانية في العام التالي مباشرة "إي عام 1714 " فزار وادي النطرون مع محافظة المنوفية . وقال عن دير القديس أبو مقار أن به كنيستين الأولي كنيسة صغيرة للقديس مكاريوس والثانية أكبر قليلا وتنسب للقديس يوحنا وهي تحتوي علي خمسة قباب وعلي 20 عامود من المرمر وخمسة هياكل . .... وخارج دير القديس مكاريوس ب200 خطوة خارج الباب أطلال كثيرة لأبنية مختلفة . وكتب عنه الجنرال أندريوسي وهو من علماء الحملة الفرنسية حينما زار الدير عام 1799م فقال " كانت حالة الرهبان يرثي لها وعددهم عشرون راهبا .وكانت المباني كلها متداعية " وذكر عنه عالم الآثار الانجليزي السير ويلكسنون حين زاره عام 1844 "عدد رهبان الدير خمسة عشر راهبا معظمهم مرضي .وقد أسترعي انتباهي آثار الدير المجيدة والنقوش ؛سواء في الكنائس أو القلالي " .
 
كما كتب عنه القمص الراحل عبد المسيح المسعودي البراموسي (1848- 1935 ) في موسوعته الشهيرة "تحفة السائلين في ذكر أديرة الرهبان المصريين " فقد كتب عنه فصلا موسعا أستغرق حوالي 6 صفحات .
 
ومن أهم الآثار الموجودة بالدير حاليا الكنيسة الأثرية التي علي أسم القديس أنبا مقار ؛ والكنيسة التي علي أسم الشهداء التسعة والأربعين شيوخ شيهات ؛ وكنيسة الشهيد أباسخيرون ؛وأخير الحصن وقد بناه الملك زينون عام 482م 
 
والشيء الجدير بالذكر أن التاريخ والآثار ذكر أديرة وكنائس أخري "غير ديره الشهير بوادي النطرون " نذكر منها كنيسة علي أسم أبو مقار في مصر القديمة بالفسطاط ؛ وكذلك كنيسة أبو مقار بدير الخندق " الكاتدرائية الحالية بأرض الانبا رويس بالعباسية حاليا " كانت موجودة حتي القرن الثاني عشر وأوائل الثالث عشر ؛وقد أعطاها الأقباط للأرمن في عهد بطريركية البابا كيرلس الثاني البطريرك السابع والستون من بطاركة الكنيسة القبطية . كذلك ذكر المقريزي كنيسة علي أسم أبو مقار بدير يقع فوق تل عال جنوب أبو تيج ببضع مئات من الأمتار .كذلك كنيسة أخري علي أسم أبو مقار توجد فوق كنيسة السيدة العذراء الأثرية بجبل الطير بسمالوط ؛ويرجع تاريخها إلي عام 1889 .