هاني صبري - المحامي
يجب مواجهة ظاهرة ارتفاع معدلات الطلاق في مجتمعنا أصبحت مصر الأولى عالمياً في ارتفاع معدلات الطلاق، ما يعني أننا لابد أن نتصدى للظاهرة من جذورها وليس فقط في نتائجها. 
 
في تقديري أن الأزمة تكمن في وجود طرف يسئ استخدام حقه تجاه الطرف الآخر، وقد يتعسف الرجل مع الزوجة ، مما وَلّدَ لدّى المشرع نوعاً من التوجه لصالح المرأة من أجل تحقيق العدالة، فأدى ذلك اللجوء إلى قواعد استثنائية، وكانت النتيجة هي حدوث تأثير عكسي وإساءة استخدام القانون ضد الرجل، في نفس الوقت الذي استغل الرجل فيه بعض الثغرات الموجودة في القانون لصالحه، وهكذا أصبحت القوانين الأسرية أحد أسباب ارتفاع نسب الطلاق بهذا الشكل المبالغ فيه، وذلك بالإضافة إلى الأوضاع الثقافية والاقتصادية والاجتماعية مع التقصير في التربية، وأخيراً انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، مما أنشأ هذا الصراع الذي يجعل كل طرف من الطرفين يبحث عن مصلحته الخاصة بعيداً عن الآخر، فيحدث الانفصال. 
 
قد يظن البعض أن الطلاق بمختلف أسبابه.. هو الحل لهذه الأزمة! بينما أعتقد شخصيا إن هذا غير صحيح، بل علي العكس من ذلك فهو يؤدي إلى تفاقم الظاهرة، وانهيار منظومة القيم بأكملها داخل المجتمع. وللأسف الشديد، نجد أن الطلاق غالبا ما يكون هو بداية المشكلة بين طرفي العلاقة وليس نهايتها، بينما من الممكن اللجوء لرفع أربعة عشر دعوي بينهما منها علي سبيل المثال (دعاوي النفقة بأنواعها والحضانة والرؤية وغيرها)، حيث لم يوفق المشرع في صياغة منظومة تشريعية ناجحة للأحوال الشخصية في مصر.
 
إن الأمر يتطلب التعديل العاجل لقوانين الأحوال الشخصية حتى لا يتم المزيد من إهدار حقوق كل من الطرفين، وهذا التعديل سيساهم في الحفاظ على تماسك الأسرة المصرية التي هي نواة هذا المجتمع؛ حيث يمثل ارتفاع نسب معدلات الطلاق بصورة مستمرة تهديدا لأمن وسلامة واستقرار المجتمع، لأنه وبحسب إحصاء محاكم الأسرة تستقبل المحاكم ٢٨ مليون مواطن في دعاوى الأحوال الشخصية سنويا، حيث تؤكد الإحصائيات أن هناك حالة طلاق واحدة تقع كل أقل من ثلاث دقائق بمصر
 
*ونحن نري أن بداية حل المشكلة، وأحد أهم الحلول يبدأ بأن يعرف كل من الزوجين دوره الحقيقي الذي خلقه الله عليه، وأن يفهم الاثنان سيكولوجية بعضهما البعض وأن يكون هناك لغة حوار وصداقة حقيقية بينهما، والبحث عن مساحات مشتركة للتفاهم وتقريب وجهات النظر بينهما بالحب والبعد عن الأنانية، لان الحياة الزوجية هي المباراة الوحيدة التي يكسب فيها الاثنان معاً أو يخسران معاً.
 
** وفي معرض حديثنا عن هذا الأمر.. أودّ التنويه إلى ما يعرف بـ "مافيا شهادات تغيير الملة والطائفة"..ممن يسهلون الأمر على كل شخص لكي يتحايل للحصول علي الطلاق بالنسبة للمسيحيين المصريين، أو استغلال معاناة الآخر للالتفاف علي القانون ومخالفة تعاليم الكتاب المقدس لتحقيق أغراضهم الشخصية ومصالحهم الضيقة، أو لأي مكاسب زائفة. بينما نحن نرفض مثل هذه الممارسات ونعتبرها باباً خلفياً للتحايل علي القانون الذي يقرر إنه إذا اختلف الزوجان في الطائفة أو الملة وأقام أحدهما دعوى بطلب إثبات طلاقه، فإن أحكام الشريعة الإسلامية تكون هي الواجبة التطبيق، ولا يجوز الرجوع لشريعة كل منهما أو بحث دينونتهما بالطلاق من عدمه، ذلك أن نص المادة ( ١٧ / ٣ ) من القانون رقم ( ١) لسنة ٢٠٠٠ وضع القيد بالنسبة للزوجين متحدي الملة والطائفة، فإذا اختلف أحدهما ملة أو طائفة تعين تطبيق القواعد العامة وهي الشريعة الإسلامية التي تبيح الطلاق حتى ولو كانت شريعة أحدهما أو كلاهما لا تجيزه. 
 
أدعو الجميع إليّ تحمل مسئوليته في هذا الشأن، مع ضرورة إصدار قرار من كافة الطوائف المسيحية بعدم اعتماد شهادات تغيير الملة أو الطائفة التي يكون الغرض منها هو الحصول على الطلاق، وإرسال القرار إلى محاكم الأسرة لإيقاف هذه الثغرة.. لحين تعديل قانون الأحوال الشخصية لغير المسلمين، واتخاذ كافة الإجراءات القانونية تجاه كل من يصدر تلك الشهادات المزورة، وهم معروفون بالأسماء، فإصدار البيانات و "دبلوماسية بيلاطس" التي تقومون من خلالها بغسل أيديكم لم ولن تعد تعفيكم من تحمل مسئولياتكم الرعوية والقانونية تجاه مخدوميكم.. فإياكم وصرخة المظلومين. 
 
يا سادة، يجب أن نضع الأسرة المصرية على رأس أولوياتنا، وأن تتضافر كافة الجهود لحمايتها والمحافظة عليها، فهناك حاجة ماسة لنظام تربوي اجتماعي وقانوني وتأهيلي لحياة زوجية سعيدة، وإنشاء مراكز تأهيل للشباب والفتيات المقبلين على الزواج؛ وذلك بعمل "كورسات" لتأهيلهم للزواج من أجل مواجهة حالات الانفصال. ومن أجل نظم حضارية وإنسانية تضع حلولاً لمشاكلهم وللتخفيف من معاناتهم، مع مراعاة مصلحة كل فرد في الأسرة.. وخاصة الأطفال. حافظوا علي بيوتكم.. والقرار قراركم، إما أن تنجحوا معاً أو -لا قدر الله- تفشلوا معاً، حيتئذ لا تلوموا غير أنفسكم .