الحصار السياسي للأقباط في مصر

جرجس بشرى

بقلم: جرجس بشرى
كثيرًا ما نسمع تصريحات مخدٍّرة لكثير من المسئولين الحكوميين،  والقيادات البارزة بالحزب الوطني الحاكم، تطالب بوجوب المُشاركة السياسية لأقباط مصر في السياسة، ومنهم من يوجه النقد للأقباط لعزوفهم عن العمل السياسي.
 ومن الأمور المثيرة للدهشة، أن سمعنا تصريحًا للدكتور "فتحي سرور"- رئيس مجلس الشعب المصري لـــــ "قناة بي بي سي" أواخر شهر يوليو من العام الماضي 2009، قال فيه: "لا يوجد تمييز ضد الأقباط الذين يبتعدون عن السياسة، لأنهم يفضلون البيزنس عليها". والأغرب أنه قال في نفس حواره مع القناة: إنه طلب من وزير العدل ترشيح عدد من الأقباط في مجلس الشعب،  ولكنه لم يجد أسماء لترشيحها!!!

 ويبدو أن سيادته تناسى، بل تجاهل أن أقباط "مصر"- والبالغ عددهم ما يزيد عن خمسة عشر مليونًا- كثيراً ما تقوم الحكومة المصرية، وبمعنى أدق الحزب الوطني الحاكم، بإقصائهم من مجلسي الشعب والشورى، والمجالس النيابية من المنبع، وأن هناك أقباطًا يترشحون على قوائم الحزب الوطني ويتم الإطاحة بهم!، وعليه فإن توجيه اللوم والنقد للأقباط  لعدم مشاركتهم في السياسة  غير مبرر؛ لأن الحكومة المصرية هي التي دفعت بالأقباط إلى العزوف وعدم المشاركة، وبالتالي تهميشهم سياسيًا وعدم تمثيلهم في المجالس النيابية والتشريعية، ومراكز صناعة القرار، بما يتناسب وكتلتهم العددية.

 ومن الأمور العجيبة التي تعتبر  لغزًا من ألغاز الحزب الوطني، هو أن الحزب الوطني كثيرًا ما يطالب الأقباط بالمشاركة السياسية،  وفي ذات الوقت يضيّق عليهم الحصار للوصول إلى هذه المشاركة بشكل عملي، وأكبر دليل على ذلك هو أن الحزب الحاكم ما زال يأخذ بنظام القائمة الفردية في الإنتخابات البرلمانية،  وهو يدرك تمامًا أن هذا النظام يمنع وصول أي قبطي إلى مجلسي الشعب والشورى.

 كما أن الحزب في ذات الوقت يرفض وجود كوتة للأقباط في مجلس الشعب، أو الشورى، أو المناصب. وهو هنا يذكّرني بأحد أبيات الشعر التي تقول: ألقاه في اليم (البحر) مكتوفًا وقال له... إياك إياك أن تبتل بالماء!!!

 ولعل من المتناقضات العجيبة التي يسوقها الحزب الحكم في رفض كوتة للأقباط، هو إدعائه بأن الكوتة تكرّس الطائفية في المجتمع المصري، مع أن أكثر دول العالم تقدمًا أخذت بنظام الكوتة لتأخذ بيد الأقليات المهمشة، وتستفيد بكفائتها في خدمة البلاد، ومع أن الحزب الوطني نفسه أقرّ بوجود كوتة للمرأة في المجالس النيابية والتشريعية!!

والسؤال الذي يجب أن نطرحه هنا: كيف يشارك الأقباط في السياسة، ويُمثلون في المجالس النيابية والتشريعية، في ظل القيود الصارمة المفروضة عليهم حاليًا، والمتمثلة في عدم تبني الحزب الحاكم لفكرة نظام الكوتة للأقباط، وعدم سماح الحزب الوطني بالأخذ بنظام القوائم النسبية الذي يسمح بوجود أقباط على قوائمه، ويضمن تمثيلهم ونجاحهم أيضًا؟!

لقد آن الأوان لأن يتنبه الحزب الوطني الحاكم لوجود أقباط في مصر، وبنسبة كبيرة، وإنه من الواجب عليه أن يزيل القيود والحصار السياسي المفروض عليهم، والذي يمنع مشاركتهم في السياسة، وتمثيلهم في دوائر صناعة القرار، حتى يُثبت هذا الحزب للجميع- وللعالم- أنه حزب لكل المصريين.


فليس معقولاً أبدًا أن يوجد ثلاثة أعضاء أقباط "مسيحيين" فقط  بمجلس الشعب المصري من بين (444) عضوًا،  منهم  اثنين مُعينين بقرار من رئيس الجمهورية.
 وليس معقولاً أن يوجد وزيران فقط من الأقباط، ومحافظ واحد! في حين تخلو الجامعات المصرية جميعها من رئيس جامعة مسيحي، فتعداد الأقباط في "مصر" لا يتناسب أبدًا مع توليهم المناصب بهذه النسبة الضئيلة.