"خالد" مات من جُرعة ظلم زائدة

سحر غريب

بقلم: سحر غريب
يبدو أننا نعيش في مجتمع وصلت فيه البجاحة إلي أعلي معدلاتها العالمية، نقتل القتيل ونمشي في جنازته، ونوزّع قهوة سادة علي روحه بتناحة نُحسد عليها، ودماء مُثلّجة لا تنم عن وجودها داخل كائن حي. ونقول علي المجني عليه جاني، رعديد، آفاق، مُدمن مخدرات، فهو الذي جني علي نفسه وقتلها،  وقد نسوق علي الماشي بعضًا من الأدلة والبراهين المُفرطة الغباء، والتي يستطيع أي تلميذ في "تالتة إبتدائي" أن يكتشف مدي سذاجتها وكذبها بكل بساطة ويُسر، ونحن مستمرون في طريق الكذب، وفاكرين نفسنا عندنا مُخ وبنفهم أكثر من السامعين والشايفين. لقد شاركنا جميعًا بصمتنا أو بإرادتنا المسلوبة في قتل "خالد" وغيره كثيرين، ولا عزاء للإنسانية والآدمية.

و"خالد" هو القتيل الشاب الذي قتله المخبرون في أحد سايبرات مدينة "الأسكندرية"، ثم وضعوا في فمه قطعة حشيش، وألقوا بجثته في قارعة الطريق. والذي فضح جريمة المخبرين في حق "خالد" هو التشوه الذي يظهر علي وجهه، والذي حاول الأمن إرجاعه إلي قطعة الحشيش التي تم دسها في فمه؛ لإخراج المخبرين منها، كالعجل من بطن أمه، وليدًا بريئًا لا غُبار عليه وعلي اللي خلّفوه. علي ما يبدو إن أزمة الحشيش قد تسببت في تسرب كميات حشيش مضروبة، بدال ما تضرب المخ، فإنها تضرب الوجه، وتترك علامات وجروح غائرة.

وقد يكون "خالد" هو المحظوظ الوحيد الذي ظهرت حكايته علي الملأ الغفير، وليس مُستبعدًا علي الإطلاق أن يكون لـ"خالد" إخوة في الظلم والقهر والعنف، هم عبارة عن جثث مجهولة الهوية، أو جثث مُلفّقة التهم والجنايات، لم يتكلم عنها أحد ولم يدافع عن حقها مُدافع.

تقفز الآن داخل ذاكرتي، قصة صديقي "محمود"، وهو ابن ناس مش وش بهدلة، كان يعمل داخل سايبر أو إنترنت كافيه، والذي حكي لي تجربته الأليمة، وعقدته الدفينة من هجمات المخبرين وشرطة المُصنفات الفنية علي السايبرات، وشحن أصحابها والعاملين فيها إلي البوكس جماعة؛ ليتم عمل عدد من المحاضر يحصل بعدها السيد الضابط علي ترقية مؤكدة.

 وقد حكي لي صديقي أنه ترك العمل في السايبر بعد تعرضه للتعذيب، والشحن غير الآدمي للقسم الذي تعرض له هو ومن معه ومعهم أجهزة الكمبيوتر، وهي أداة الجريمة النكراء. وقرر بعدها صديقي أن يكون عاطل بشرف وكرامة، علي أن يدخل مجال قد تتعرض فيه كرامته للخدش أحيانًا، والذبح أحياناً أخري. ناهيك عن الألفاظ التي كان يستخدمها السادة الضباط المُحترمين، والتي لم ترد في قاموس مُحترم علي الأطلاق.

وعندما حاول أحد الشباب المتهمين، الدفاع عن حق من حقوقه،  تعرض لبهدلة وإهانة وضرب ألجمت الجميع، وجعلتهم يفضلون الصمت عن الكلام غير المُباح. وقد اعتبر صديقي أن البلد "لا بترحم ولا عاوزة تخلي رحمة ربنا تنزل"، وعرف أنه في نعمة،  وأن البطالة كنز لا يفني، والشاب العاطل خيرُ عند حكومته من الشاب العامل النافع.

 و"محمود" صديقي مازال حيًا لا يُرزق عايش عالة علي أهله، ورغم صمت "محمود" وأمثاله؛ الإ أن دماء خالد فضحتهم.  فاليوم لا صوت يعلو فوق صوت قطرات الدماء. 

وبعد حالة من الغشاوة البلهاء، تأكد لنا وبقوة أننا نعيش في بلد  سطعت عليها شمس القوي المُطلقة، التي لا يهمها كبير أو صغير أو حق بسيط من حقوق الإنسان التي نصت عليها جميع الشرئع السماوية والإنسانية، فقد أصبحت  بلدنا بلداً يحكمه قانون الغاب الذي يقتل فيه القوي الضعيف بلا وجود نازع من ضمير يردع الجاني أو رادع من قانون لمن لا ضمير له، بل إني أكاد أؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن سكان الغاب من الحيوانات تأنف بشدة من التشبه بما جنته أيدي السفهاء منا