CET 09:17:04 - 27/05/2010

مقالات مختارة

بقلم: لمى محمد

(لن آخذ ديني عن رجل لا يعمل إلا بفمه) .
كارل ساندبرغ

مع أني أمضيت كامل المساء أغسل أدراج المطبخ، و أرش مبيدا للحشرات الزاحفة، و كلّي أمل بصباح لا صراصير فيه، لكن الأرق كان صديق ليلة أنهيتها بقراءة غير سعيدة لترهات جديدة يطلقها من يقال عنهم: علماء دين، و الأصح تسميتهم (أصحاب أفواه )...

و في حلمي.. كان لخروج قافلة الصراصير من منزلي وقعا خاصا، فلم أكن من طردها لكنها خرجت تحمل لافتات كثيرة كتب عليها أنها ستبحث عن مكان آخر لتأكل فيه .. وعن بيت تتمتع فيه بفتاوى أكثر منطقيّة.

كما غنت الصراصير بأعلى صوتها : أنا مش كافر ..بس الجوع كافر..
و نادت بتوحيد الجهود نحو مجتمع يحلل( إرضاع الصراصير) من باب الشفقة و الحرام ..فحملت لافتة كتب عليها:
(لا نحتاج للمص،و لا نسعى للجنس، نرجوكم فقط زودونا بالحليب و الطعام..)

استيقظت مبتسمة، ربما تفسر حلمي بعدد من الضحايا فوق(بودرة) المبيد الحشري، دخلت المطبخ، لتعلن قبيلة الصراصير انتصارها..(ولا قتيل).

-ربما أحتاج مصيدة فئران..قلت في نفسي.

في الصباحات العربيّة تستقبلك الشائعات و الأحداث و الأقاويل قبل أن تدرك تماما أنك استيقظت في يوم جديد.

لم يكن ذلك النهار بمميّز، صباح صيفي اعتيادي من صباحات دمشق التي أعشقها، سماء صافية، و نسمة باردة اعتادت على المرور صباحا قبل أن يحتل مكانها حر شديد.
و لعلّ الحدث الأبرز ليومي ذاك كان حوارا استرقت السمع إليه، و بكامل الإصرار و الترصد، و دونته في دفتري الأسود محتفظة بتعليلات كثيرة تكفل لي الإجابة على سؤال ملحّ:

(لماذا هاجرت الصراصير؟!)

**********

-في أي جامع صليّت الجمعة؟
- في الجامع الجديد المجاور لبيتنا..(شي فخامة، مكلّف ملايين )
- هل مازلت تسكن في نفس البيت (العتيق) ، و بالأجرة؟
-و هل يوجد مكان أوفر ..(رح ضل ) ساكن فيه حتى أموت.
- عمّا تحدثت خطبة الجمعة؟
-عن الفسق و الفجور في (أحياء دمشق القديمة).. قال الخطيب كيف يمكن لمنطقة عريقة بديانتها مثل الشام القديمة أن تتحول إلى مكان للعشاق و المطاعم و حفلات أعياد الميلاد ..كيف لمكان تقطنه المحجبات الوقورات أن يكون مرتعا للسافرات..
-سيدي (شو وقفت على الشام القديمة، الدنيا كلها صار بدها تغيير)..نزلنا عاليمين يا معلم.

نزل الحوار من السرفيس قبلما يكتمل ، و قبل أن أتخيّل تتمته أخرجت دفتري، لأحتفظ بالحديث (المذهل) لشابين في العشرينيات، تبدو عليهما كل علائم الفقر و الحاجة، و أنهيت الحوار بسؤال للراوية (أنا):
من المسؤول؟!
**********

إن خطبة الجمعة التي تحدث الشابان عنها، لم تكن سوى واحدة من الفتاوى التي تطلق بدون رقابة، و تقوم بخلق و اختلاق حقيقيين للكراهية، و رفض الآخر، محللّة ما تراه مناسبا لمصالحها، و مصالح من يسندها.

و إن ما خفي كان أعظم، على اعتبار أن( معظم )من يتشدقون بالدين، يهدرون دم "غاندي"، و "أنيشتاين" ..هذا طبعا إن عرفوهما!

ما اعتدت سبّ المقدسات، لأنّي أعلم تماما ماذا يعني المقدس بالنسبة لشخص ما، و ماذا يعني كل ذلك الأمان الذي يحيط بفكرة محددة،و كيف يصبح ملاذا في حالات الضعف و الخوف.. لكني استغرب دوما من تعميم ساذج لفكرة التقديس، مما يجعلها فكرة مضحكة، هشة، و قابلة للسخريّة.

إنّ الإيمان بمقدس ما، يجب أن يكون من العمق و القوة بأن لا يتزعزع بنقد أو تحليل، هذا من جهة، و من جهة أخرى، فإنّ التقديس و استخدام العقل لا يجب أن ينفصلا.

أي أنك عندما تتقبل الآخر باختلافه، لن نقترب من مقدسه ذو البعد الإنساني، لكنك و باستخدام بسيط للعقل لن نقبل بتقديس شخوص تطلق الفتاوى، و تحلّل و تحرّم معتبرة نفسها كآلهة!
**********

إن إخضاع ( المقدسات) لمنطق العقل هو الحل الوحيد الذي يضمن لها عدم التحول إلى أصنام و أوثان، و إن أي نظرية، فتوى، تشريع، أو حديث لا يقبله العقل هو مصدر محلل للنقد و السخريّة تحت سلطان العقل البشري.

و لذلك ففتوى إرضاع الصراصير ليست بمستهجنة البتة إذا ما قورنت بفتوى إرضاع الكبير، أو غيرها من الفتاوى التي تكفّر المختلف، و تلعن صاحب العقل.
**********

الجمر النائم، العقول المغسولة و التي تغسل يوميا هي الخطر المحدق الذي يجب علينا أن ننتبه إليه، قبل أن نفكر كيف سنستنهض الهمم لاستعادة( كرامتنا) و أرضنا.. وليست الفتاوى التي تطلق في خطب الجمعة سوى غيض من فيض ما يجب على الدول العربية مراقبته، بدلا عن مراقبة الأعمال الأدبيّة، و السياسيّة...

أي عقل يقبل الفتاوى الرافضة للآخر يجب عليه أن ينادي بإرضاع الصراصير قبل الكبير..تحت القاعدة (الزياديّة) المشهورة :

(أنا مش كافر ..بس الجوع كافر)..سواء كان هذا الجوع جنسي، أو عقلي، أو حتى (صرصاري)...

و إلى أن نلتقي مع فتوى جديدة..كل محبتي لكم و لكل مقدساتكم التي تحترم الإنسان.

نقلا عن الحوار المتمدن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت عدد التعليقات: ٠ تعليق

خيارات

فهرس القسم
اطبع الصفحة
ارسل لصديق
اضف للمفضلة

جديد الموقع