بقلم: د. عاطف نوار
إن نزع فتيل الأزمة المزمنة الجاثمة على صدر مصر بين مسلميها ومسيحييها يكمن في الوصول لفكر سوي حكيم، فأساس أي عمل هو فكر ينادى به، فالفكر الذي يحث على البغضة والأنانية ترى فعله عامرًا بالكراهية العلنية خاليًا من العدل والرحمة والإنسانية ملطخًا بدماء الأبرياء النقية، والفكر الذي ينادى بالمحبة وقبول الآخر ترى مُنفذه يجول يصنع خيرًا.
من هنا أحبائي كان لا بد من دراسة متأنية لسمات الفكر السوي المستنير لنحقق مواطنة حقيقية عادلة.. الحوار.
إن الحوار هو الوسيلة التي يعرض بها كل طرف رأيه ومعتقده، وهو السبيل لبلوغ أفضل النتائج، هو المصفاة التي تنقي النفوس من شوائب الغضب، والحوار المستنير له قواعده التي تضمن له النجاح وتكلل نتائجه بالتوفيق، فينبغى على الأطراف المتحاورة أن تحترم الرأي الآخر مصغية إليه في هدوء وعمق للوقوف على وجهة النظر الأخرى كاملة فيكون الرد عليها عميقًا هادئًا مؤثرًا.
وفي هذا أعتب على بعض الشيوخ الأفاضل الذين لم يكبحوا جماح غضبهم مطلقين وابل من اللعنات والإتهامات لمحاوريهم من المتنورين أمثال الدكتور سيد القمني والأستاذ صلاح عيسى والأستاذة نجلاء الإمام عندما عرضوا وجهة نظرهم في إلغاء المادة الثانية من الدستور والتي تنص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، وكانت حُجتهم القوية أن مصر بلد متعدد الطوائف والمذاهب التي تختلف شرائعها مع الشريعة الإسلامية، وغير مقبول أن يفرض الدستور الشريعة الإسلامية على غير المسلمين فالدين لله والوطن للجميع، فما كان من حضرات الشيوخ الأفاضل أن رفعوا أصواتهم في سلوك لا يتفق وكونهم رجالاً للدين مستخدمين سلاح التشويش والشوشرة باستخدام الكلام المرسل المفتقر للبرهان والألفاظ النابية والسباب والإدعاءات الكاذبة على محاوريهم متهمين إياهم بالكُفر وإهانة دين الله معلنين عجزهم كعُلماء للدين عن الحوار بالحُجة والبرهان متناسين أمر الإسلام "وجادلوهم بالتي هي أحسن"، وكانت النتيجة أن انتهى الحوار دون الوصول إلى نتيجة إيجابية، وهذا ما انتهى إليه غالبية الحوارات معهم، أدعو أصحاب الفضيلة أن ينتخبوا من وسطهم من هو قادر على الدخول إلى دائرة الحوار بهدوء وعمق، بحُجة قوية وبرهان مُفحم.
قاعدة أخرى للحوار العلمي البنّاء.. فقبل أن يجلس المتحاورون على مائدة الحوار يجب عليهم أن يدرسوا موضوع الحوار دراسة تفصيلية دقيقة متفهمين كل ما يُقال فيه من آراء، ثم يُعدون أنفسهم وعقولهم لحوار بناء واقعي ومناقاشات موضوعية خالية من التناقض والسطحية، فينتهوا إلى نتائج وتوصيات نافعة.
ولكن.. ما حدث كان غير ذلك.. فرأينا عندما يدخل حضرات الشيوخ الأفاضل إلى موائد الحوار كانوا على غير علم بجوانب النقاط موضع الحوار، فنرى أحدهم يقر بعدم قرائته مؤلفات القمني موضع الحوار وكان تعليله أنها "زبالة" وكان قدوة لأصحاب المداخلات في الحوار نفسه حيث أقر واحد منهم أنه لم يقرأ الكتاب الذي أكال له الإنتقاد بل وهاجم القمني كاتبه.
مبدأ آخر من مبادئ التحاور.. هو الرغبة فى الإلتفاف حول مائدة الحوار، فبدون هذه الرغبة كيف سيُقام الحوار وكيف نتفق على نتائج وتوصيات، إن ما حدث كان شيء غير مُصدق، هروب مبين يندى له الجبين.. حيث انبرى أحد الشيوخ الكرام معلنًا بعزم وإقدام رغبته في مناظرة جناب الأب القمص زكريا بطرس الهُمام ولو استدعى الأمر أن يخترق عقر داره فإلى الأمام، وانتظرنا هذا الحوار وطال انتظارنا، وعندما طولب بتحديد الموعد المرتقب رأيناه يضع العراقيل ببراعة فائقة مستخدمًا كل أساليب التمويه والخداع مستعينًا بتلفيق الكلام في إبداع متلفظًا بما لا يليق بشيخ وقدوة له أتباع.. شيخ آخر يلوم سيدة مسلمة تدعوه لمحاورة القمص زكريا وينهاها عن مشاهدة قناة الحياة بل ويقلب الخطأ على رأسها لأنها هي التي أذنت لأصبعها أن يطلب هذه القناة.. وآخر يثور على نجلاء الإمام حين أرادت أن تتسائل عن الآية الخامسة في سورة التوبة مانعًا إياها من طرح تساؤلها.. وآخر يترك حلقة الحوار مع بسمة وهبة في قناة إقرأ.. والطامة الكبرى حين أعلن المتشددون هروبهم الكبير من الحوار الراقي وبرهانهم الفقير في الإقناع السامي فسلكوا مسلك العصابات وقُُطّاع الطرق فاستدرجوا المتنصرة نجلاء الإمام إلى قتاة المحور تحت مسمى إجراء حوار معها مفخخين لها كمين وضيع حيث التفوا حولها كوحوش حول فريستهم مكيلبن لها السباب والإهانات واللكمات.
وهنا وقفة مع المُجامل صاحب المصالح الدكاترة نبيل لوقا بباوي متسائلاً أين ذهبت مرؤتك وشهامتك؟ أين ولائك لكنيستك وأولادها؟ أمستريح ضميرك لما فعلته مع نجلاء أم لم يحن وقت استيقاظه أثناء ذلك الكمين المُشين؟ دكتور بباوى لقد خدعك تقديرك وتخطيطك بأن هذا الموقف المُخزي وغيره من المواقف من بيعتك وأولادها سيكون سُلمًا للفوز بالثقة والمناصب، لأنك في نظر المسلمين خائن لا أمان لك وفي نظر المسيحيين يهوذا لا رجاء منك، لقد وضعت سُمعتك الكريمة في قالب "اللي مالوش خير في أهله ملوش خير في بقية الناس"... إن العزيمة الجادة أساس لإقامة الحوار.
ونصل أحبائي إلى قمة النجاح في الحوار عندما يطرق المتحاورون باب الحقيقة في جُرأة فيعطون الحق لصاحبه ويلومون المُخطئ على خطئه.
هذه قواعد الحوار البناء الرامي إلى بلوغ النتائج الإيجابية والتي بتفيعلها تبرز خريطة المواطنة فى ألمع صورها..
أحبائى أقباط المهجر.. إنطلاقًا من حرصنا على سُمعة وطننا وحبنا الشديد لأخواننا وأهلنا بها، وطاعة لراعينا الأمين البابا شنودة ذو القدر الثمين، أدعوكم جميعًا لإقامة الحوار الراقي البنّاء مع السيد الرئيس مبارك للوصول معه إلى ما فيه الخير لمصر وأبناء مصر، فكلمة الحق لها قوتها والفكر المستنير له أثره.
د.عاطف نوار
bolapavly@yahoo.com |
|
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|