CET 00:00:00 - 23/05/2010

حوارات وتحقيقات

أجرى الحوار: هند مختار- خاص للأقباط متحدون.
تمتلك مصر نجومًا حقيقية في كل المجالات الفنية والإبداعية والعلمية، وللأسف دائمًا ما تُسلَط الأضواء على النجوم المزيفة، فهناك مَثل يقول: "إن الإناء كلما يكون فارغًا كلما ازداد صوته".
من مُنطلق البحث عن النجوم الحقيقية، وعن الشخصيات الممتلئة علمًا وفنًا وحياة وتجربة إنسانية، كان هذا الحوار مع مخرجة الأفلام التسجيلية المبدعة "عطيات الأبنودي"؛ فهي أول امرأة في مصر تقتحم مجال الأفلام التسجيلية، وفي الحوار مع عطيات الأبنودي يجب على الجميع الإنصات والاستماع بعقلٍ واعٍ وذهنٍ صافٍ.

**مَنْ أنتِ؟؟ المولد والنشأة والتعليم الأوَّلي، والملاحظات الأولى على الدنيا؟
أنا اسمي الأصلي هو "عطيات عوض محمود خليل"، من مواليد 26 نوفمبر 1939م، بقرية السنبلاوين محافظة الدقهلية، أول الوعي -الوعي بأني موجودة أساسًا- يرجع إلى وقت انتقالنا للعيش بالقاهرة؛ حيث أقمنا بـ"جنينة ناميش" بحي السيدة زينب، وكانت أُسرتي تتكوَّن من ثلاثة صبيان وأربع بنات -أنا أصغر البنات- وهؤلاء مَنْ رأيتهم غير الذين توفاهم الله.

في القاهرة التحقت بكُتَّاب "الشيخ محمد"، وكان عُمري وقتها ثلاث سنوات، أذكر أن الشيخ محمد كان يمر على أبناء الحي ويأتي بنا إلى الكُتَّاب، ومازال هذا المشهد محفورًا بذاكرتي..
كما أتذكر أيضًا حرب فلسطين سنة 1948م، كانت الغارات كثيرة على القاهرة فقرَرت أمي العودة إلى بلدنا -السنبلاوين- مرة أخرى، وهناك التحقت بالمدارس.

..بالمناسبة أمي كانت "وفدية" وسمت أختي الكبرى "صفية"، وأخي الأكبر "زغلول"؛ على أسماء زعماء ثورة 1919م، كان لديها وعي وكانت متعلمة وكانت تقرأ وتكتب، وتكتب اسمها باللغة الإنجليزية، وحينما كنت أدرس في الخارج كانت ترسل لي الخطابات وتكتب عنواني بالإنجليزية بيدها، علمًا بأنني الوحيدة بين إخوتي البنات التي أكملت تعليمها.
أما أمي فهي غالبًا من مواليد سنة 1909م بالمنصورة، وأبي كان من السنبلاوين، والتحقت أمي بالمدارس وتوُفيت سنة 1988م.

**هل الرغبة في استكمال التعليم ناتجة عن رغبة حقيقة بداخلك، أم أنها الظروف العائلية فقط؟
أمضينا في السنبلاوين فترة وفي المنصورة فترة أخرى، ومن الصغر وأنا أقفز في سنوات الدراسة، كان نظام الدراسة فيه الأوّلي ثم التعليم الإبتدائي أو المعلمين، ثم التحقت بالصف الثاني الإبتدائي مباشرة، وكنت صغيرة جدًا، بعد ذلك انتقلت للمرحلة للإعدادية، وكانت أول وآخر سنة لنظام الإعدادية، انتقلت بعدها للصف الأول الثانوي وكان آخر سنة لنظام التوجيهية -كان نظام التوجيهية خمس سنوات- وعندما كنت بالصف الأول الثانوي ذاكرت "منزلي" حتى آخذ نظام الثقافة، كان هناك ثقافة وبعدها التوجيهي، فقفزت سنة في الإبتدائي وأخرى في الثانوي.

التحقت بعد ذلك بكلية الحقوق جامعة القاهرة سنة 1956م، وكنت أصغر طالبة في جامعة القاهرة؛ فقد كان عمري وقتها 15 سنة و9 شهور، وقبل مجيئي للقاهرة كنت قد قرأت تقريبًا كل ما أُتيح لي من روايات: (توفيق الحكيم، ونجيب محفوظ، ويوسف السباعي، حتى أرسين لوبين وآجاثا كريستي وشارلوك هولمز)، كل ما وقع تحت يدي قرأته، وكان آخر كتاب قرأته قبل مجيئي للقاهرة هو (الصهيونية أعلى مراحل الاستعمار)، وكان تأليف الأستاذ "فتحي الرملي" -والد لينين الرملي-
 
**كيف كنتِ تحصلين على هذه الكتب؟ بمعنى هل كانت الأسرة تشتري لكِ الكتب أم أنكِ مَنْ كان يسعى وراءها؟

بدايًة.. نحن أُسرة من التجار، فجدي لأمي كان من أكبر تجار العطارة في المنصورة، كان يسافر إلى لبنان للمصيف، وأسرة أبي كانت تتاجر في الأقمشة، انتقلت أمي من المنصورة إلى السنبلاوين بعد زواجها، وأنا لم أعش الفترة الذهبية للأسرة أيام الغنى والثراء، وكالعادة تزوَّجت أمي في بيت العائلة، فلما مات جدي لأبي تفككت الأسرة.. وأبي كان رجلاً مُدللاً، حتى زواجه من أمي كان بناءاً على قرار من العائلتين، وبالتالي عاشت أمي مع جدتي ولم يتحمل هو أي مسئولية، كان يأخذ مصاغها ويبيعه ويأتي بدلاً منه بآخر (فالصو) حتى لا تعلم عائلتها بهذا، وأشياء أخرى من هذا القبيل.

فلما توفى جدي قالت له جدتي -وكانت قاسية نوعا ما- (لا أريد أن يعيش أحدٌ معي)، حتى أنها منعت السقَّا من إحضار الماء، كانت كل الحلول عنده أن يبيع كل ما ورثه من أراضٍ ونصيبه في محلات الأقمشة، وتحمَّلت أمي المسئولية وباعت ما بقي لها من مصاغ واشترت قطعة أرض بنت عليها منزلاً عبارة عن غرفتين وصالة..

كان موقف أمي صعبًا، أم لديها سبعة أطفال وأب غير مسئول، ماذا تصنع وقد توفي أهلها الذين كانوا يتحملونها ويحتوونها حينما تغضب؟ تعلَّمت تفصيل الملابس –هذه حكايات أمي لي وحكايات الأم مسألة هامة جدًا في الصغر لأنها تعطي كل الأبعاد الإنسانية التي تتكوَّن في النفس بعد ذلك– فماذا كانت تفعل لتتعلم الحياكة؟ إحدى جاراتها كانت لديها "جلابية" جديدة كانت تستعيرها منها ليلاً وتأتي بورقة من جريدة، وتقوم بصنع (أورنيك عليها) ثم تحيكها بالنهار وتعيدها لها مرة أخرى، فتكون قد تعلمت كيفية صنع الجلابية، فعلَّمت نفسها حتى اشترت ماكينة خياطة "سنجر" بالتقسيط –ما زالت الماكينة عندي- وبدأتْ في خياطة الملابس من أجل تربيتنا، لقد عايشتُ تلك المرحلة، وأعتقد أن تلك المعايشة جعلتني أنظر للدنيا بشكل جاد، وأن الدنيا ليست بسيطة بلا مشاكل.

**هل كانت مهنة سيئة في ذلك الزمن؟
لا.. ولكن السمعة السيئة تأتي من أنه دائمًا ما كان يأتيها زبائن من الرجال إضافة إلى السيدات، خاصًة عُمد الفلاحين، كانوا يأتون لكي تخيط ملابس الأفراح لأولادهم، وأمي كانت جميلة ومطمعًا لهم، فكان هناك مَنْ يحرضها لتترك أبي ويتولاها بأبنائها، فمقدار احترامي لهذه السيدة جاء من أنها رفضت كل هذه العروض وانكبت لتربي أولادها.

وأنا لا أقول "ربَّت" بمعنى أنها أخرجت الطبيب والمهندس وغير ذلك، ولكن بمعنى أنها استطاعت أن تطعمهم وتزوِّج البنات، والصبيان لم يكملوا التعليم فمحمد زغلول أخي الأكبر دخل المدارس حتى الابتدائية، ولكنه لم يحصل على الشهادة وعمل بمهنة والده بائع أقمشة، ومحمود رفعت الذي يليه نفس الشيء لم يكمل تعليمه، ولم يكن هذا برغبتهما، ولكن هما اللذان رفضا أن يكملا في المدارس.

أعتقد أنه إحساس رائع منهما بأنهما يجب أن يعملان ليُسَاهما في المنزل، وكما قلت: الفتيات كن يجلسن في المنزل حتى زواجهن، ولم يفلت غيري ويكمل تعليمه لأني لم أكلفهم شيئًا، كنت "شاطرة" وناجحة ولم يكن لي مطالب، وتعودت من صغري ألا يكون لي مطالب شخصية، وأذكر جيدًا أن حلمي وحلم أمي طبعًا هو دخول الجامعة، ولم يأت هذا الحلم من فراغ، ولكن كان عندي وقتها 12 سنة حينما تولى الرئيس جمال عبد الناصر الحكم، وكنت في المدرسة الثانوية بنات بالسنبلاوين، فالأحلام تفتَّحت للناس، فكنت نتاج هذا العصر؛ فالتعليم والجامعة أصبحا شيئًا مطروحًا على أذهان الناس، فلا فرق بين البنت والولد، وأمي كانت تقرأ وتكتب وتسمع في الراديو أن هناك حياة أخرى أظرف وأجمل، وأن الناس تتعلم مجانًا، فطرحت مسألة دخولي الجامعة..

كان حلمي أن أكون صحفية أو محامية؛ فقد كان دائمًا هناك حلم أخر غير أن أكون فتاة تذهب إلى معهد المنصورة تدرس سنتين ثم تكون مدرسة، لم أكن أريد هذا. أمي قالت ليس لدينا نقود لهذا، أخي الأكبر كان يعمل في القاهرة ومتزوج للمرة الثانية، ويعمل بائع أقمشة في "عمر أفندي" فقلت لها: إنني سوف أقيم عند أخي، فقالت: [طب مش عايزة جونلتين ولا بلوزتين ولا مصاريف؟] فقلت لها: [مش عايزة أكتر من جونلتين وبلوزتين وبلوفر] ووقت الشتاء نعمل "جمعية" ونقبض 20 جنيهًا، فاشتريت الملابس ودفعت المصروفات التي كانت 15 جنيهًا في السنة، وكان يمكن أن أقدم شهادة فقر وأطلب إعفائي من المصروفات، أومساعدتي ومنحي كتب من اتحاد الطلبة، أو أي شيء لا أستطيع تحمُّل تكاليفه.

**لم تقولي أيضًا كيف كنتِ تسعين لكل هذه القراءات والتي كانت لديك قبل الجامعة؟
لا أعلم منزلنا لم يكن تدخله الجريدة.

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٦ صوت عدد التعليقات: ١ تعليق