CET 00:00:00 - 16/05/2010

مساحة رأي

بقلم: منير بشاي
لا يختلف اثنان على أن القضية القبطية هي أساسًا قضية حقوق إنسان منتقصة، ولكن مثل الشجرة هناك الجزء الظاهر منها وهي الثمار والجزء الخفي وهى الجذور. وبالنسبة للقضية القبطية فالثمار هي الظلم الواقع عليهم، أما الجذور فهي المبادئ الدينية الإسلامية التي تؤيد هذا الظلم وتعطيه شرعيته.
أعلم أن الدخول في المسائل الدينية أمر له حساسيته، وكنت أتمنى أن أبعد عن هذه المنطقة. فاعتقادي أن مكونات إيمان الناس وكيف يعبدون ربهم شيء لا يخص أحدًا غيرهم، إلا إذا كان في ذلك ما يؤثر سلبًا على حياة الآخرين. ولذلك فإنني أقترب من هذه الموضوع بحرص شديد، وهدفي ليس التجريح ولكن مجرد التوضيح. غرضي هو محاولة اكتشاف الجذور الخفية للمشاكل التي يعانى منها قطاع من المصريين وهم أقباط مصر، بقصد تشخيص المشكلة ووضع حلول عملية لها.

الخطير أن الأمر لا يقتصر على مجرد تطبيق مبادئ شريعة إسلامية على مواطنين غير مسلمين لا يؤمنون بها، ولكنه يتعداه إلى فرض مبادئ هي في الواقع تقنن إساءة معاملة غير المسلمين وتبرر الظلم ضدهم. يحدث هذا خاصة على خلفية تغيير نصوص الدستور نفسه بحيث أصبح  ينص على أن مبادئ هذه الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع.
فما هي بعض مبادئ الشريعة الإسلامية وما هو تأثيرها على التمييز ضد المواطنين الأقباط؟
بالنسبة للحرية الدينية تجد أن الشريعة الإسلامية تبيح وتشجع من يترك دينه من غير المسلمين ليعتنق الإسلام ولكن لا تسمح بالعكس. بمعنى أن الفرصة مكفولة تمامًا لمن يريد أن يسلم ومقفولة كلية على من يريد أن يتنصر. فمن يريد اعتناق الإسلام تقدم له التسهيلات والإغراءات، وفي المقابل من يريد أن يعتنق المسيحية لا يعترف بحقه في تغيير الأوراق الثبوتية بل وقد يقبض عليه ويزج به في السجون حيث يعذب. ناهيك عن الأخطار التي يتعرض لها من المجتمع والتي قد تصل إلى حد القتل من قِبل المتشددين إعمالاً للحديث الذي يقول "مَن بدل دينه فاقتلوه".

وفي مجال الحظر المفروض على غير المسلمين في الترقي إلى الوظائف العليا والقيادية يطبق على المسيحيين الحديث الذي ينص بأنه لا ولاية للكافر على المسلم. ونفس هذا الحديث له تداعيات على مجالات أخرى مثل تولى مناصب القضاء والزواج الطلاق وحضانة الأطفال.
في مجال الظلم القضائي لا يبيح الشرع إعدام المسلم الذي يقتل غير المسلم استنادًا للحديث "لا يقتل مسلم بكافر". بل وقد لا يجد غير المسلم من ينصفه بمحاكمة عادلة سواء من القضاة أو الشهود إعمالاً للحديث "أنصر أخاك ظالمًا أم مظلومًا".
وفي بناء الكنائس يشكل رأى مذاهب الفقه الإسلامية عقبات كبيرة. فهي تحرم بناء الكنائس الجديدة وخاصة في المدن الجديدة، وبعضها يحرم حتى ترميم الكنائس المتهدمة. ولكن بناء على فتوة سمح لولي الأمر (رئيس الجمهورية) أن يصرح بعدد من الكنائس بشرط موافقة رئيس الدولة نفسه وذلك إذا رأى أن المسيحيين في حاجة لها.
ونظرًا لإشراف الأمن على الملف القبطي فإن بعض هذه التصاريح التي وافق عليها رئيس الجمهورية، لا يتم تنفيذها إذا كان هناك اعتراض من المسلمين في المنطقة.

وفي إمكان الإرهابيين أن يجدوا نصوصًا في القرآن والحديث تبيح لهم ممارسة العنف ضد أخوتهم في الوطن. فيمكن عن طريق فتوى بسيطة اعتبار المسيحيين مشركين وبالتالي يباح دمهم إعمالاً للآية القرآنية "اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم" (التوبة ٥) وأيضًا "قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم" (التوبة ۱٣).
أما مبدأ المواطنة والمعاملة الكريمة العادلة لجميع المواطنين بالتساوي بغض النظر عن انتمائهم الديني فهو من أكبر ضحايا تطبيق الشريعة التي تأمر المسلم: إذا لقيتم المشركين في الطريق فاضطروهم إلى أضيقه (رواه الألبانى في صحيح الجامع) أما القرآن فيمكن اتخاذ بعض نصوصه لتبرير عدم مخالطة غير المسلمين أو عدم الثقة فيهم أو تحريم مصادقتهم "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء" (التوبة ۲٣).
ما سبق كانت بعض النصوص التي يمكن للبعض من المسلمين أن يستخدموها لتبرير التمييز ضد غير المسلمين والذي قد يؤدى إلى اضطهادهم بل وحتى إلى إهدار دمائهم.

وأنا لا أحاول هنا التعميم ولا أدعى أن هذه تمثل مشاعر جميع المسلمين أو حتى معظمهم تجاه غير المسلمين في مصر. وأعلم أن هناك نصوصًا أخرى يمكن أن يستند إليها من يريد إتباع أسلوب المودة والسماحة. ولكن الأمر يختلف طبقًا لتوجهات المدارس الفقهية المختلفة وأساليبها ومنهجها في التفسير. والنتيجة وجود نوعيات متباينة من المسلمين في الوطن الواحد: فهناك من يكره غير المسلمين ويريد التخلص منهم وهناك من يضطر للتعايش معهم على مضض وأيضًا هناك من يقبلهم كمواطنين أصلاء متساويين معه، لهم ما له وعليهم ما عليه.
المؤكد أن الجرعة الدينية المتزمتة تزداد في مصر يومًا بعد يوم، وتزداد معها مشاعر الكراهية، والسبب أنه لا يوجد تدخل لتغيير مسارها. والتغيير ليس أمرًا سهلاً بل يحتاج إلى عقود لتحقيقه وذلك إذا تم البدء في التنفيذ.

العلاج يتطلب إعادة برمجة المواطن المصري على تقبل الآخر المخالف في العقيدة بدءًا بمناهج التعليم وتطهير الإعلام من البرامج التي تحض على الكراهية وتعديل الخطاب الديني المتشدد الذي يبث من فوق منابر المساجد. والقوة الوحيدة القادرة على تحقيق هذا هي الدولة.
ولكن الدولة لا تجد حافزًا يدفعها إلى مجرد المحاولة، لأنها لا تجد لها مصلحة في التصادم مع التوجهات الدينية المتزمتة للجماهير وتخاطر بإغضابها إرضاء للأقلية القبطية المسالمة. على العكس فإن قناعة الدولة هي مجاراة التيار الديني المتعصب والتظاهر أنها أكثر منهم حرصًا على الإسلام وبطشًا على غير المسلمين.
لقد أنتظر الأقباط طويلاً أن تقوم الدولة بحمايتهم ومعاملتهم بالمساواة من تلقاء ذاتها، وفي اعتقادي أن انتظارهم سيطول إلى ما لا نهاية.  وقد جرّب الأقباط التمني والتوسل والطلب دون مجيب، ولم يتبقى أمامهم الآن غير ممارسة الضغوط المتاحة لهم بكل أنواعها وفي كل مكان. فالحقوق لا تستجدي ولكنها تغتصب.

Mounir.bishay@sbcglobal.net 

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٨ صوت عدد التعليقات: ٤ تعليق