CET 18:48:31 - 10/02/2010

بيانات وحملات

كان صوت أمي يلح عليَّ أن أفتح باب الحجرة لكي تنظفها كما أدعت ولكني رفضت بشدة، لا أريد أن أرى وجه أحد ثم أنني لا أريد أن أرتدي ملابس فوق قميص النوم الأحمر الذي كاد أن يلتصق بجلدي، فمنذ عدت من الدير وأنا أخشى الشماتة والألسن النارية للأقارب والعيون الشوكية للجيران لقد حاقت بي آثامي ولا أستطيع أن أبصر أكثر من شعر رأسي الجاف وقلبي قد تركني... كل شيء فيَّ تحول إلى أبجدية للفشل تتكون من مليون حرف دمامة من الألف إلى الياء وفقر من مليار إلى مليون تحت الصفر، شعري كنبات الحلفا الشيطاني وعيناي أضيق من حظي في الحياة.. شفاه عريضة بعرض المر في حلقي وأنف أفطس أكبر من حقدي على "مارى" زوجة ابن خالتي القس الوقور... جسد كليف النخيل لم تجد الطبيعة أي رمز أو غصن أو ورق أنثوي تعطيه لي...
ودق باب الحجرة من جديد مصحوبًا بصوت أختي الصغيرة "دينا" التي ولدت يوم توفى أبي:
- أونكل سامي لا... يوه... أبونا يوسف عندنا وعاوز يكلمك يا أميمة!!
لم أرَه يوم تزوج ولم أحضر سيامته ولا أريد أن أراه ولكني قمت وارتديت جلبابًا وفتحت الباب... سلمت عليه دون أن أقبل يده وأخذت أتأمل وجه بعد أن أضافت له اللحية والحلة السوداء الكثير.
- شكلك لذيذ في الملابس الكهنوتية مبروك النعمة.
وقال في تحد... أشكرك.
وكانت "دينا" قد أحضرت له كرسيًا فجلس عليه وجلست أنا على طرف السرير بجوار العديد من الكتب التي أخرجتها من شنطة السفر ولم أضعها في المكتبة ورأيت عينيه تتجه نحو كتابي "بستان الرهبان لآباء الكنيسة المصرية" و"حياة الصلاة لأبونا متى المسكين" ثم قال في شبه سخرية كنت أنتظرها
- كنت سوف تصبحين أمنا الراهبة
ولم أستطع أن أكتم غيظي:
- حال الدير لم يعجبني.
ولكنه كشف كذبتي:
- الرهبنة ليست هروبًا من المشاكل.
نكست رأسى وتمتمت:
- كنت أريد أن أهرب منك بأي وسيلة.
- لست آخر رجل في العالم
- ولماذا لم أكن أنا زوجتك يا ابن خالتي العزيز؟.
لم يرد فانطلقت نار بخل وكبريت من شوك.
- دعنى أجيب عنك يا أبي القس لقد تركتني لأني دميمة.
- فانتصب واقفًا... كلا
ولم أعطه فرصة – بل هذه هي الحقيقة ولا أظنك وأنت الآن كاهن سوف تجاري المثل الذي يردده كل الرجال ولا يقيمون له وزنًا "الجمال مش بالشكل".
إنكم ترسمون صور القديسات جميلات.. جميلات جدًا وكأنه شرط للقداسة وتعلمون الأطفال تلك الحكايات الغبية عن السندريلا الجميلة جدًا ليتحول جمال الشكل في أذهانهم إلى مقياس للخير والشر...
أنت نفسك سيطرت على أعماقك هذه الحكاية لذلك أصبحت في صراع داخلي.... أذكر أنني في كل مرة أحصد فيها جوائز مسابقات المطرانية الشهرية والصيفية تأتي وتقترب وتشجعني على القراءة والثقافة وكنت أدرك أنها ميزتي الكبرى التي أستطيع أن أباري بها أي فتاة جميلة ولذلك أضع مجموعة من الكتب في شنطة يدي بدلاً من البودرة والأحمر والماسكار ولكن عندما كانت تأتي "مارى" أراك وقد انتقلبت إليها حسًا وسمعًا وخشوعًا.
آه طبعًا فـ"ماري" ذات جمال خارق وهي التى لعبت كل أدوار القديسات في المسرحيات الموسمية التي يقدمها المسرح القبطي فشعرها نهر وعيناها خمر.... لا... لا... بل ينطبق عليها تمامًا وصف هيروديا في مسرحية "سالومي" التي قدمتها العام الماضي، شعر أصفر منسدل فوق الظهر كأنه ستارة من خيوط العسجد، عينان زرقاوان كأنهما ياقوتتان نادرتان. شفتان كالعقيق تقطران شهدًا خالصًا، وجه له شعاع البدر، رقبة أشف من رائق البلور، قامة معتدلة كأنها عمود من رخام.. ساقان رشيقتان كأنهما عاج مخروط...
يا إلهى ماذا أفعل هل أصف لك زوجتك التي تحسدك الإيبارشية كلها عليها؟
كان يضرب بالصليب الخشبي على ركبته وخشيت أن يكون في عالم آخر... ثم دخلت أمي بصينية الشاي، قدمتها وأسرعت ظنًا منها بأني أعترف له.
- أبونا يوسف
فنظر إليَّ وظن أن دوره جاء ليتكلم ولكني أكملت وكأني مخنوقة بيد من الكبت يرفعه البوح الحاد عن رقبتي. ما الذي جعلنى لا أصلح لكَ؟!، هي تحمل مؤهلاً عاليًا وأنا كذلك. ثقافتي الدينية أفضل منها بمراحل، أتذكر يوم نسيت دورها في مسرحية القديسة دميانة؟، وتذكر المرة التي نسبت قول يوحنا الحبيب فيها لبولس الرسول، ولكنك أردت امرأة تباهي بها الجميع تليق في الهيئة الاجتماعية بشكل زوجة الكاهن وقد يكون الراهب "أثناسيوس" هو الذي حسم الصراع فقد قال لوجدي قبل أن يتزوج: لابد أن تكون زوجتك جميلة تملأ عينك لكي لا تشتهي أخرى!
هل تعلم ماذا شعرت يوم أن اكتشفت رئيسة الدير سبب دخولي الرهبنة وأصرت أن أعود للعالم، لقد شعرت أنه ليس لي مكان على الأرض ولا في السماء، أردت أن أسكن في نجمة وأحترق معها لعل نارها تطبخنى من جديد أنثى جميلة ولم تكن أنت السبب الوحيد، أمي أيضًا بأمثالها البالية التي تحرق أذني ليل نهار "لا تقلقي ربنا بيحلى المصيبة في وش صاحبها"، "كل فولة مسوسة ولها كيال أعمى".
وقاطعنى في عنف
- داود النبي بيقول الجمال كعشب السطح، ثم أنى لم أعدك بشيء ولم أصرح بحبك أبدًا.
- ولكنك لمحت وأنا أحببتك.
- ليس ذنبي.
- وهل هي جريمتي أنا؟.
وقال بصوت حنون "أميمة" افهمي، لقد تحولت إلى "أب" وهذا يعني أن جميع البنات بمثابة بناتي، فاسمعى يا ابنتى!!!
- ابنتك!... ابنتك! وأخذت أضحك بعنف، هكذا بكل سهولة تحولت لابنتك كما تحولت أنت من سامي إلى القس الأب يوسف؟!.
هل أتمكن بهذه السهولة أن أنزعك من دمي؟ وكيف لي أن أخرجك منه حبة حبة؟، كيف لي أن أبتر الخلايا التي تسكنها وأحرق روحي بمشعل من فحم قديم؟!.
وقف مستعدًا للانصراف
- بالصلاة والصوم
- الشياطين فقط هي التي تخرج بالصوم والصلاة وليس "الحب"... تريد أن اعترف يا أبي أنت "خطيئتى" الكبرى جعلتنى أكره ملامحي.. سامحك الله.

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٨ صوت عدد التعليقات: ٠ تعليق

خيارات

فهرس القسم
اطبع الصفحة
ارسل لصديق
اضف للمفضلة

جديد الموقع