CET 00:00:00 - 21/01/2010

مساحة رأي

بقلم: صبري الباجا
تمهيد:
من الصعب بمكان الكتابة وسط حالة الحزن العام على أحداث نجع حمادي التي تمت يوم عيد الميلاد المجيد، وتوابعها التي ما زالت تتوالى محملة بأعاصير من الغضب والشكوك والريبة، فيما يكتب أو يقال.
وعلى الرغم من ارتفاع الأصوات الزاعقة من هنا وهناك، نجحت بعض الكتابات القليلة أن تتجاوز الحزن وتمد البصر لمستقبل الأيام، وقد توالدت عدد من الأسئلة التي طرحها الحدث تبحث عن إجابات ربما تسهم مع غيرها من الكتابات في الخروج من النفق المظلم.
والباحث في هذا المقام ليس بصدد تقديم إجابات لها، فهذا ما يخرج عن نطاق تمكنه، وأنما آمر الإجابة عنها متروك للمجتمع المصري بأسره وجهات التحقيق وشهود الحدث، ولجان تقصي الحقائق.
والباحث في عرضة للأسئلة المطروحة لا يذكي واحدا منها أو ينفيه حتى وإن بدا بعضها قاسيًا، أو اتسم بعدم المعقوليته.

الإسئلة المسكوت عنها:
يطرح الحادث الإجرامي الذي تم ليلة عيد الميلاد المجيد بمدينة "نجع حمادي" برصد وتعمد مقصودين سواء من ناحية المكان أو التوقيت، خاصة إذا ما اضيف له ما سبقه من حوادث اتخذت اسم الطائفية عنوانًا لها أحيانًا، وفي أحيان أخرى وضعت -من باب التخفيف أو قل التهوين- تحت عنوان الحوادث الفردية والتي تنوعت زمانًا ومكانًا وزادت بصورة ملحوظة في الفترة الأخيرة لتلطخ وجه مصر بلون دم الضحايا الأبرياء وتلبس العلاقات الإخوية مع شركاء الوطن وشاح من السواد العديد من الأسئلة المسكوت عنها!!!

السؤال الأول: هل ما تم هو ضمن مخطط خارجي يهدف إلى زعزعة الاستقرار والوصول بمصر إلى أحد النموذجين؟
ـ النموذج اليوغسلافي وما انتهت إليه دولة يوجسلافيا
ـ النموذج الصومالي وما وصلت اليه الصومال الآن
وكلاهما له تكلفته المدمرة حضاريًا وبشريًا، ناهيك عن ظروف الجغرافيا والتاريخ المختلفة لمصر عن الطبيعة الجغرافية والتاريخية لكلا النموذجين السابقين مما يضاعف من حجم الدمار والخراب في التطبيق، وبما لا يمكن تصور فداحة مداهما ناهيك عن احتملهما، وكان عددًا من المسئولين أرجع الحادث لجهات أجنبية، كما جاء في تصريحات رئيس مجلس الشعب ووزير مجلسي الشعب والشوري. وعددا من أعضاء مجلس الشعب ومحاولة تأكيد ذلك من خلال كتابات الصحف المحلية، عقب الحادث مباشرة وقبل القبض أو التحقيق مع الجناة، ودون تقديم أدلة إدانه لهذه الجهات الأجنبية أو تحديد لها!، والحجة المقدمة كتبرير لاتهام الجهات الأجنبية هو "أن مصر مستهدفة " وأن الحادث يأتي ضمن مخطط خارجي للتآمر على مصر!!!

السؤال الثاني: هل ضعفت الدولة المصرية وفقدت سيطرتها؟ فضلاً عن هيبتها، وباتت أجهزتها منهكة ومستضعفة للدرجة التي مكنت:
- (أصحاب السوابق والمسجلين خطر) من توسيع نطاق نشاطهم وبسط المزيد من نفوذهم وترويع الآمنين وقتلهم تمهيدًا لإحلال دولة العصابات على حساب أشلاء وبقايا الدولة المهاجرة أو المنصرفة جهودها لحماية النظام وأفراده فقط؟! وهو ما انعكس على سلوكيات الشارع المصري وأمنه بشكل عام ولا يمكن لأي ملاحظ أن يغفله.
- (المرضي النفسيين والمتخلفين عقليًا) التجوال بحرية في الشوارع بعد أن عجزت الدولة وإمكاناتها عن توفير أماكن إيواء لهم، تحت وضع أولويات الإيواء والاستضافة الجبرية أولاً لذوي الرأي المعارض وأصحاب الفكر؟! وترك هؤلاء المرضى أدوات سهلة تستخدم لتنفيذ عمليات إجرامية واستغلالهم للقتل أو الحرق كما شهدنا في حوادث حرق الكنائس في الاسكندرية وغيرها، وهو ما دفع بكاتب مرموق للقول في مقالة تحت عنوان "لماذا تخصص المختلون عقليًا والمسجلون خطر في قتل الأقباط؟" الحديث عن مجانين ومسجلين خطر مطلوقين في الشوارع لا هم لهم إلا الاعتداء علي المسيحيين في دور عبادتهم هو أمر غير مقبول لا عقلاً ولا خلقًا؟!.

السؤال الثالث: هل هناك شبهة تعمد مقصود وراء "تلك الأحداث" لشغل انتباه الجماهير وصرف الناس عن الحشد المتنامي لفكرة التغيير التي بدأت تشهد زخمًا غير مسبوق في الأسابيع الأخيرة من العام المنصرم؟.
يستند المتبنون لفكرة دور بعض أجهزة الدولة وتورطها في الأحداث الأخيرة إلى:
أ) سوابق وتجارب تاريخية للنظام تم تنفيذها في الماضي.
ب) يرون في الحراك السياسي غير المسبوق الناجم عن فكرة أطلقها د. البرادعي حول إمكانية ترشيحة لمنصب الرئيس في 2011 وردود الفعل المتزايدة بالتأييد له، والتي أفقدت النظام توازنه وتكاد أن توئد فكرة (التوريث) للنجل الأصغر للسيد الرئيس، والتي باتت مهددة أيضًا لفكرة (التمديد) للرئيس مبارك نفسه لمرة سادسة، وكل من الفكرتين (التوريث أو التمديد) لهما من الأنصار والمشجعين بحكم المصالح والمناصب والمزايا والعطايا ما يدفعهم لعمل كل ما يمكن لإجهاض أي احتمال للتغيير، والحرص على إبقاء النظام الحالي، حتى وإن كانت الأفعال المؤدية لذلك فيها دمار ما تبقى من الوطن، وإشعاله بنيران الطائفية المدمرة!!
ج) التباطؤ المثير في إدارة الأزمة من جانب المسئولين والأداء الأمني علي وجه التحديد، رغم إبلاغه مسبقًا باحتمال وقوع أحداث تستدعي اليقظة أو ما كان يجب عليه اتخاذه من إجراءات الحيطة لمنع وقوعها تأسيسًا على وجود حالة إحتقان بالمحافظة وأحداث فرشوط القريبة منها ما زالت آثارها ماثلة في الأذهان، فضلاً عن كون منع وقوع الأزمة أهم المهام الموكلة لجهاز الأمن وتأتي في الأولويات قبل وقوع الأزمة والانشغال بإدارتها.
د) تورط بعض المتنفذين في الحزب الوطني من خلال علاقاتهم المريبة بذوي السوابق والخطرين علي الأمن كما جاء في شهادات البعض من رؤساء الكنائس، والذين أشير لأسمائهم وصورهم صراحة في جريدة الأهرام وبعض الصحف، وما لمح به السيد/ رئيس مجلس الشعب، ثم الموقف المتناقض الذي اتخذه أعضاء الحزب الوطني داخل المجلس ورئيس المجلس شخصيًا تجاه نائبة مسيحية حاولت كشف بعض الحقائق وواجهت استفزازًا من رئيس المجلس مما شجع من حامت حوله شبه التحريض للتطاول عليها ووصفها بـ (المجرمة) وفقًا لما نشرته جريدة المصري اليوم في 18 يناير 2010، كما يشير البعض لتورط الحرس القديم للحزب الوطني، باستغلال ما له من علاقات مع بعض محترفي الإجرام في المنطقة بتدبير الحادث كنوع من النكاية في المسيحيين لتأييد قداسة البابا لجمال مبارك ومدحه علانية، وهو ما أشارت له أيضًا بعض التقارير الدولية في تحليلها للحادث ورده لأسباب سياسية.
ز) الصمت المريب من مؤسسات قومية تسارع بالفتوي والتعليق وإصدار البيانات في أمور أقل شأنًا والتغطية الإعلامية والإخبارية المنقوصة في آداء كافة الصحف القومية والإعلام الرسمي للدولة.

السؤال الرابع: وهو مرتبط بالسؤال السابق.. هل ما تم في نجع حمادي وفي أماكن أخرى في وقت سابق هو رسالة موجهة إلى عدة جهات منها:
- إلى المسيحيين: هذا ما سيحدث لكم إذا ما راهنتم على غير النظام الحالي، لأنه وحده هو الذي يمكنه حمايتكم.
- إلى الداخل بشكل عام: هذا هو الواقع الذي سييجد النظام معه مبررًا لتمديد قانون الطوارئ، وإعداد المسرح السياسي لتقبل قرارات قد تصل إلي تأجيل الانتخابات البرلمانية والرئاسية تحت شعار (لا صوت يعلو على صوت الوحدة الوطنية) وأن الأولوية الأن هي حماية الوحدة الوطنية، ومنع مقدمات حرب أهلية.
- إلى الخارج: خاصة من المطالبين النظام بإجراء إصلاحات سياسية ليرتكز علي أن الظروف الدخلية لا تسمح حاليًا بذلك، وأن أية تغيرات الآن قد لا تكون في صالح استقرار مصر وتداعيات ذلك على المنطقة؟!.

السؤال الخامس: هل من تواطؤ مسيحي وراء الأحداث:
وعلى الرغم من غرابة السؤال، لكنه كان واحدًا من الأسئلة المطروحة والمتداولة، والتي يرصدها الباحث من باب عدم تعمد الانتقائية لما يدور من أسئلة حول الحدث أو إقصاء وعرض لكل التساؤلات، ومنها هذا السؤال الذي تردد في بعض الأوساط والتي تدلل على إمكانية حدوث ذلك من خلال رصد بعض الظواهر التي يفندوها كما في:
* الترتيبات التي تلت الحادث مباشرة بدت كما لو كان مخطط لها من قبل، حيث اتخذ رد الفعل شكلاً منظمًا ومختلف عن ردود الفعل السابقة، وهو ما تمثل في دقة التنفيذ داخل مصر كما في مظاهرات نجع حمادي والترتيبات لنقلها للقاهرة لتبدأ من ساحة الكاتدرائية، والتي أوقفتها وحالت دون إتمامها نصيحة وحكمة قداسة البابا للمتجمهرين الذين حضروا من محافظة قنا وانضم لهم بعض من القاهرة، أو كما في التنظيم غير المسبوق لخروج مظاهرات تقدر بالآلاف في بعض المدن الأمريكية على وجه الخصوص.
* الحملة الإعلامية المنظمة التي مارسها ما يطلق الإعلام عليهم (أقباط المهجر) عقب الحادث مباشرة وفي مختلف الدول الغربية، ونجاحها في استصدار تصريحات للمسئولين فيها تجاوزت إدانة الحادث، وللحد التي وصفها المسئولين المصريين ووسائل الاعلام المصرية بالتدخل في الشئون الداخلية لمصر. يري أيضًا أصحاب ذلك الرأي أن الحدث استغل كفرصة لابتزاز الدولة وتصويرها بالعجز والضغط عليها للحصول منها علي بعض الحقوق المطالب بها من فترة وتقاعست الدولة عن تنفيذها.
* تصوير ما حدث على أنه من نتائج عدم وجود تمثيل نيابي للمسيحيين أو نصيب عادل في المناصب الرسمية ،والمطالبة بعدالة التوزيع لضمان عدم تكرار ذلك.
* الرغبة في استعراض قوة المسيحيين بالداخل من خلال حدث يبررذلك، حيث لم يسبق أن تم رصد رد فعل اتسم بالعنف الذي جاء عقب الحدث، وللتلويح به بغرض إثبات إمتلاك ما هو أكثر من مجرد الغضب الصامت والقدرة علي الفعل المؤثر، وهو ما أحدثته المظاهرات من تلفيات وخسائر نالت بعض المؤسسات الخدمية وبعض الممتلكات الخاصة بمواطنين.
* أن يد ما يطلق عليهم (أقباط المهجر) لم تكن بعيدة عن الحدث والتنسيق بين بعض آباء الكنائس وعناصر برلمانية بالداخل والمسيحيين بالخارج، ووصف البعض منهم بالتعيش على قصة إضطهاد المسيحيين في مصر، يحققوا منها بجانب الأموال إكتساب بطولات وزعامة في عيون المسيحيين بالداخل، وقد صدر بيان من منظمة (الاتحاد القبطي الأمريكي) يفضح المتاجرين بقضية المسيحيين في مصر، ويدعو المواطنين المصريين مسلمين ومسيحيين لعد الالتفات للدعاية المغرضة التي تبث لتفتيت الوطن، ويدعو الجميع للتعايش في سلام، وهو ما فسره أنصار فكرة وجود تخطيط مسبق للحدث من المسيحيين أنفسهم بالتعويل علي ما جاء به البيان المشار إليه من معلومات وإدانة للمحرضين على المظاهرات بـ "وشهد شاهد من أهلها".
* الأخطر -علي حد زعم أنصار هذا القول- أن هناك طائفة من رجال الأعمال المسيحيين تضخمت ثرواتهم وتشعبت مشروعاتهم بشكل يخشي عليه في ظل عدم الاستقرار السائد، وبالتالي فإن الأمان لهذه الثروات والمشروعات لن يتأتى إلا في ظل تواجد دولي بمصر، وساعد على نشر هذا الزعم ما دعا له بعض غلاة المسيحيين باستدعاء وجود أجنبي لحماية المسيحيين، وبلغ مداه كما في المطالبة العلنية للبعض بعودة الاحتلال لمصر لحماية المسيحيين، أو مطالبة المجتمع الدولي بتسليح المسيحيين داخل مصر!!.

السؤال السادس: هل ما يحدث هو انعكاس لواقع اجتماعي معبر عن أزمة متصاعدة بين المسلمين والمسيحيين؟
مال الكثيرون في تحليلاتهم إلى أن العلاقات بين المسلمين والمسيحيين ليست علي ما يرام، وأرجعوا ذلك إلى المناخ العام السائد وحالة الاحتقان السياسي والفساد الإداري والإعلام وما يبث فيه كمواد تحريضية، وعدم مواطنة التعليم، إضافة لما تبثه الفضائيات ويتخذ شكل التنابذ أو السخرية وتعرض كل طرف لدين الآخر، بما يثير نعرات طائفية وتحفز بين الأطراف، ويجعلهم في حالة توتر ينتظر الفرصة للانطلاق في مهاجمة الآخر، كما أرجعت غالبية من الكتاب والمثقفين أسباب الاحتقان إلى الخطاب الإعلامي المتشدد لرجال الوعظ بالمسجد والكنيسة وحمل خطباء المساجد، ودعاة القنوات الفضائية الإسلامية النصيب الأكبر من الأزمات التي أدت إلى حالة الاحتقان السائدة حاليًا.
وفي ذات السياق ذاته يرصدون تصاعد حدة الأزمات مع مرور الأيام وللدرجة التي باتت تهدد الوطن بأكملة، وفشل فكرة ترك ملف الوحدة الوطنية في يد الجهاز الأمني، وعدم جدوي أسلوب المصالحات والتقبيل بين مشايخ المسلمين وقساوسة المسيحيين وإنما الأمر يحتاج لمعالجة جذرية للمشكلات المتراكمة عبر سنوات ماضية، ويتفق غالبية المسلمين والمسيحيين على عدم سلامة العلاقات بين قطبي الأمة، وعلى أهمية مناقشة كل مسببات الأزمة بشفافية ووضوح، والعمل على وضع أساس لدولة المواطنة التي ستنهي حالة الاحتقان ويتمتع الجميع بالأمن والسلام، خاصة بعد أن باتت الحالة على حد تعبير أحد المثقفين "حالة تفكك مجتمعي حقيقي" والإحساس بالخطر والتوجس من الآخر يكاد يكون هو المشهد الرئيسي في بر مصر خاصة بعد أحداث نجع حمادي الدامية.

السؤال السابع: من الرابح ومن الخاسر؟!
لم يحدث إجماع بين كافة الأطراف كالإجماع على خطورة الوضع الراهن والذي سيؤدي إلى حالة (احتراب اجتماعي)، بعد أن أصبح التوجس من الآخر على الجانبين أمر ظاهر للعيان تلحظة من الكتابات النظرية أو السلوك الفعلي، ضاعفت منه الحوادث الأخيرة، كما أن الإحساس بالخطر أصبح هو المسيطر على الجميع، ولن تنفيه تصريحات من نوع: "ما يُثار حول وجود توتر في العلاقات بين المسلمين والمسيحيين لا أساس له من الصحة وهدفه خلق بلبلة في الشارع المصري".
ويتفق الجميع أن الكل خاسر، وسيكون الثمن فادحًا بالنسبة للجميع ولن ينجو أحد من الحريق إذا ما اشتعل.

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٢ صوت عدد التعليقات: ٣ تعليق