ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

بعد تدمر، هل تتوجه العمليات العسكرية القادمة الى الرقة، دير الزور، أم ادلب؟

ميشيل حنا حاج | 2016-03-31 13:48:13

ميشيل حنا الحاج
قد يكون من غير المحتمل، كما يرجح البعض، أن  تلجأ سوريا وروسيا متضامنتين، للتوجه فورا نحو تحرير الرقة. فالمرجح أن يسبق الشروع في عملية كهذه، تحرير دير الزور وادلب، بانتظار التوجه نحو الرقة في معركة متزامنة مع معركة تحرير الموصل. ذلك أن الرقة هي مدينة كبرى، خلافا لتدمر، وهي عاصمة الدولة الاسلامية، ومن المرجح أن المخططين في تلك الدولة، قد اتخذوا الكثير من الاجراءات العسكرية والأمنية، لمواجهة هجوم يستهدفها. فلا بد اذن، نتيجة تحليل منطقي، أن تتزامن عملية تحريرها، مع عملية تحرير الموصل، لوجود احتمالات مرجحة، بأن تعجز الدولة الاسلامية عن خوض معارك كبرى في مدينتين كبيرتين تواجهان هجومين متزامنين  في آن واحد. وتقول وكالة انترفاكس في خبر ورد اليوم، أن روسيا والولايات المتحدة  تبحثان معا سبل التنسيق لتحرير الرقة، دون ايراد ذكر لتحرير الموصل معها في آن واحد.

ولكن طرح احتمال التوجه السوري الروسي على عجل الى الرقة، والذي تردد في الأخبار وعلى لسان بعض المحللين، لم يكن هو الطرح الوحيد غير الواقعي الذي تردد على لسان البعض. فقد جمح تفكير أولئك، الى حد القول بأن  تحرير مدينة تدمر الأثرية، والذي شكل ضربة مميزة للدولة الاسلامية، لم يكن نتيجة معركة عسكرية حقيقية. فتدمر، كما ادعى البعض، لم تحرر، بل سلمت تسليما من الدولة الاسلامية  للحكومة السورية، كما قامت الحكومة السورية قبل عدة شهور بتسليمها هدية للدولة الاسلامية.

وأنا لا أعلم أي عقل مريض يطرح تحليلا كهذا، وكأنه لم يسمع بمعركة استمرت ثلاثة أسابيع، واحتاجت الى مئات الاغارات على مواقع الدولة الاسلامية المتواجدة في تدمر، مما اضطر مقاتلو الدولة الاسلامية أخيرا للانسحاب من المدينة الى أريافها. أما القول بأن تدمر كانت أصلا قد سلمت بشكل رضائي من الحكومة السورية للدولة الاسلامية في عام 2015، فهو لا يقرأ ولا يتابع مجريات الأحداث في تلك المرحلة التاريخية من تطورات الحرب الأهلية في سوريا.  فسقوط تدمر بأيدي الدولة الاسلامية، قد جاء بعد فترة لم تكن طويلة على سقوط محافظة ادلب في أيدي جبهة النصرة، وسقوط جسر الشغور ومواقع أخرى استطاعت المعارضة المسلحة، المعتدلة منها والتكفيرية، من السيطرة عليها، وذلك في مرحلة تراجع الزخم السوري الرسمي، وضعف قدرتها العسكرية على الصمود في وجه تلك الهجمات المتلاحقة.

فمن يقولون بهذا وذاك، لم يلحظوا أن سقوط تدمر، قد جاء بعد سقوط محافظة ادلب تحت سمع ونظر التحالف الأميركي الساعي، كما تقول قياداته، لمحاربة الارهاب...لكن دون أن يحرك ساكنا للحيلولة دون سقوطهما (ادلب وتدمر) ، كما سعى في نهايات عام 2014 بكل قوته، دون سقوط كوباني (عين العرب) في أيدي الدولة الاسلامية، وقد نجحوا فعلا في الحيلولة دون سقوطها، مما يعني تواجد القدرة لديهم، لو شاءوا، للحيلولة دون سقوط تدمر في أيدي الدولة الاسلامية في عام 2015، وقبلها الحيلولة دون سقوط محافظة ادلب بأيدي جبهة النصرة.

فهذا التلكوء الأميركي في هاتين الحالتين، رغم وجود القدرة لتغيير مجرى الأحداث لدى الأميركيين، قد رجح تصميم الادارة الأميركية التي تقود التحالف الدولي ضد الارهاب، على اضعاف الدولة السورية الرسمية (حتى ولو قاد الأمر الى تعزيز موقف التكفيريين الارهابيين الذين تدعي مقاتلتهم) في لحظات كانت فيها الحكومة السورية قد باتت في أضعف حالتها. فهذا التطور الذي بلغ ذروته في سقوط تدمر بأيدي الدولة الاسلامية، هو الذي استدعى التدخل الروسي المباشر في المعركة السورية.

فتحرير تدمر اذن، لم يكن قط عملية تسليم واستلام، بل كان مفصلا في مجريات الأحداث، فرض وجوب التدخل الروسي الذي غير مجرياتها في اتجاه معاكس للنوايا الأميركية الساعية، لا لاسقاط الحكومة السورية فحسب، بل ويسعى أيضا، الى الغاء التواجد الروسي مستقبلا حتى في طرطوس، التي تواجدت السفن الروسية فيها منذ زمن بعيد.

فسقوط تدمر في عام 2015، وقبلها ادلب، كانا بمثابة بداية اعلان حرب أميركية  مباشرة وواضحة، لا  على الحكومة السورية بقيادة الرئيس الأسد فحسب، بل كانت بمثابة اعلان حرب غير معلنة رسمبا، على التواجد الروسي في سوريا، مما اضطر روسيا الاتحادية التي تطلعت منذ العهد القيصري، للوصول الى البحر الأبيض المتوسط، لتعزيز تواجدها في سوريا لحماية الحكومة  السورية الصديقة من السقوط، ولحماية مصالحها المتمثلة بالتواجد في طرطوس، والمهددة أيضا بتطوع أكثر من الفي روسي شيشاني للمقاتلة في صفوف المعارضة الجهادية التكفيرية، ويتوقع أن تشكل مستقبلا تهديدا آخر للأمن الروسي الداخلي.

اذن كان سقوط تدمر في أيدي التكفيريين الارهابيين في عام 2015، لم يكن قط عملية تسليم سوري رضائي للدولة الاسلامية. فهذا الافتراض من قبل البعض، هو افتراض سخيف ولا يستند الى المنطق وحقائق الأمور. ومثله الافتراض بأن التوجه القادم سوف يكون نحو الرقة، عاصمة الدولة الاسلامية.

فالرقة كونها عاصمة تلك الدولة، ومعززة عسكريا بشكل قد يكون متميزا، سيحتاج تحريرها الى جهد كبير، وقد لا تكون عملية تحريرها منفصلة، بل متصلة بعملية تحرير الموصل في آن واحد، وفي معركة  متزامنة تخوضها القوات الأميركية بمشاركة القوات العراقية، مع معركة متزامنة تخوضها في الرقة، الطائرات الروسية والقوات السورية، بمشاركة من المقاتلين الأكراد السوريين. 

فالمبادرة الى فتح جبهة الرقة دون فتح جبهة الموصل، انما يؤدي الى عملية تعزيز لقوات الدولة بمقاتلين من الموصل، هم في حالة من الارتياح والطمأنينة، طالما كان الوضع في الموصل آمنا، ولم يتعرض لهجوم متزامن مع الهجوم على الرقة. ومن هنا يبدو للمراقبين، أن ما اتفقت عليه روسيا واميركا في لقاء موسكو الأخير بين كيري - لافروف، وشارك فيه بوتين بنفسه، لم يكن فحسب مجرد الاتفاق على تأخير مناقشة موضوع  مستقبل الرئيس الأسد، بل كان أيضا على ضرورة التنسيق بين العملاقين، على وجوب وكيفية محاربة الدولة الاسلامية بشكل خاص، والارهاب بشكل عام.

فبعد أن تأكد اشتداد خطر الدولة الاسلامية على أوروبا، حليفة الولايات المتحدة والعضو البارز في حلف الأطلسي، ونتيجة الاحراج الكبير الذي سببه للأميركيين خلال الشهور الستة الماضية من التواجد الروسي في سوريا... ذاك التنافس بين الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية في مقاتلة الدولة الاسلامية، والذي تسبب باحراج كبير للولايات المتحدة نتيجة الجدية الواضحة لمكافحته بقوة من قبل روسيا، ومكافحته بنوع من الميوعة وعدم الجدية من قبل الولايات المتحدة (الا ما رافق سلوكها في العراق دون سوريا)... قد اضطر الأميركيين الآن لحسم موقفهم بضرورة الشروع بالمكافحة الجدية له، خوفا من أن تنفرد روسيا المصممة على مكافحته جديا، وخصوصا الخطر المتمثل بالدولة الاسلامية، بتحقيق ذلك  الانجاز منفردة، مما يعري الموقف الأميركي ويعزز كونها اما صانعة للدولة الاسلامية، أو صامتة على الأقل عن تواجدها طالما أنها تخدم مصالحها في مقاتلة الحكومة السورية، بشرط ألا يتمدد خطرها الى أوروبا وأنحاء أخرى من العالم.

فهذه المهمة الموكلة أميركيا للدولة الاسلامية، مرشحة للفشل وللانقضاء  نتيجة وضوح التصميم الروسي على اجتثاث وجود الارهاب متمثلا بشكل خاص في تلك الدولة (غيرالاسلامية) المتواجدة في تدمر والرقة ودير الزور، مما يعني أن نشاط تلك الدولة، في مسعى منها للحفاظ على صورتها وعلى تواجدها وبقائها، سوف يتوجه نحو تعزيز نشاطها في أوروبا وأفريقيا، اما بشكل مباشر، أو عبر أنصارها المؤمنين بمبادئها، والمعروفين بالذئاب المنفردة المعتنقة لفكر الدولة الاسلامية دون الانخراط رسميا في عضويتها. فالتصميم الروسي الواضح على مقاتلة الارهاب والدولة الاسلامية، وضع الولايات المتحدة على مفترق طرق فرض عليها (ربما على مضض منها) اتخاذ قرار المشاركة بمقاتلة الدولة الاسلامية المعروفة بشراسة مقاتليها، وخطورة المنتحرين منهم بشكل خاص، طمعا في الوصول الى الجنة الموعودة.

ولكن روسيا الاتحادية، كما يقدر البعض، ليست من الغباء لتدخل  بشكل متسرع، في معركة تحرير الرقة، التي هي مدينة كبرى، وعاصمة تلك الدولة، وتتوفر لها طرق امداد بالسلاح والمقاتلين من المناطق العراقية، وربما عبر الحدود التركية أيضا. ونتيجة هذه الأخطار، لن تكون معركتها القادمة في الرقة، (دون أن تتواكب معها معركة تحرير الموصل)، بل في دير الزور أو في ادلب، والأرجح أن تبدأ قريبا في عملية تحرير ادلب قبل دير الزور، خصوصا وأنها من المناطق التي لا يشملها وقف اطلاف النار المعلن، لتواجد جبهة النصرة فيها، وهي الجبهة التي  الموالية للقاعدة التي هي منظمة ارهابية بتعريف دولي.

ومن هنا، قد تحصل المفاجأة الكبرى لقطع الطريق على مهاجمتها عسكريا من روسيا وسوريا معا، وذلك باعلان أمير الجبهة "أبو محمد الجولاني"، قرارا استراتيجيا مفاجئا بفك ارتباطه بتنظيم القاعدة، وهو الأمر الذي طالما ناشدته الولايات المتحدة أن يفعله، كما ناشده ذلك وبحرارة، أنس العبدة - رئيس الائتلاف السوري الوطني المعارض، عبر لقاء له على قناة بي بي سي، واصفا خطوة كهذه، بأنها مفصلية وهامة بالنسبة لموقف المعارضة السورية المسلحة.

فاعلان انفكاكه عن تنظينم القاعدة، سوف يفسد على سوريا وعلى روسيا، احتمالات الشروع بتحرير محافظة ادلب الواقعة تحت سيطرة فعلية من جبهة النصرة (رغم مشاركتها في تلك السيطرة، فصائل أحرار الشام  وبعض الكتائب المنتمية لحركة الاخوان المسلمين مشكلة مع جبهة النصرة جيش الفتح)، باعتباره قرارا ينقل جبهة النصرة من خانة الارهاب الى خانة المعارضة المسلحة التي يشملها قرار وقف اطلاق النار. فهو لذلك لا يقطع الطريق فحسب على مهاجمة جبهة النصرة عسكريا طالما ظل اتفاق وقف اطلاق النار قائما، بل يمهد الطريق لتلك الجبهة، للمشاركة أيضا في مفاوضات جنيف ضمن وفد المعارضة السورية المسلحة. وهذا يعني عمليا أن تنظيم القاعدة الارهابي، سيصبح متواجدا في جنيف نتيجة اعلان كهذا، والذي قد يكون في نهاية المطاف، اعلانا تكتيكيا لن يؤدي الى انفصال حقيقي لجبهة النصرة عن القاعدة.

فخطوة مفاجئة كهذه، أرجح احتمال وقوعها، قد يفرض على سوريا وروسيا، وضع دير الزور على قائمة الأولويات السورية الروسية بالنسية لعملياتها العسكرية القادمة. ولكن ذلك يظل على قائمة الاحتمالات. فكل شيء ممكن. ولكن الترجيح الأكبر، خلافا لما يتوقعه الكثيرون،  هو ألا تكون الرقة هي المستهدفة قريبا. فتحريرها ينتطر استكمال الولايات المتحدة والعراق، استعداداتهما لتحرير الموصل، لتنفيذ معركة تحرير متزامنة مع عملية تحرير الرقة. فبدون تنسيق كهذا، سوف يتعذر على روسيا لوحدها تحرير الرقة في زمن قصير نسبيا. كما سيتعذر على أميركا والعراق، قيامهما منفردين بتحريرر الموصل التي هي المدينة الثانية ذات الأهمية الخاصة للدولة الاسلامية التي تواجدت فيها منذ حزيران 2014 ، ومن المرجح أنها قد أعدتها لمواجهة معركة كبرى، ففخخت مواقع كثيرة فيها،(كما فعلت في مدينة الرمادي) لتجعل عملية تحريرها بيسر وسهولة، أمرا مستعصيا. والأمر ذاته بالنسبة للرقة التي تواجدت الدولة الاسلامية فيها قبل تواجدها في الموصل بفترة طويلة.

ميشيل حنا الحاج
مستشار في المركز الأوروبي العربي لمكافحة الارهاب – برلين
عضو في مركز الحوار العربي الأميركي – واشنطن
كاتب في صفحات الحوار المتمدن – ص. مواضيع وأبحاث سياسية
عضو في رابطة الكتاب الأردنيين – الصفحة الرسمية
عضو في رابطة الصداقة والأخوة اللبنانية المغربية
عضو في مجموعة مشاهير مصر
عضو في صوت اللاجئين الفلسطينيين
عضو في مجموعات أخرى: عراقية، سورية، لبنانية وأردنية

 

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com