نبيل محمود والى


  16  يونيو 2005

صفحة كُتاب الأقباط متحدون

walinabil@yahoo.com

فن التحنيط السياسى المعاصر
 
 التحنيط هو فن المحافظة على الجسد بعد الموت وكلمة التحنيط هى كلمة عربية مشتقة من الحنوط  وهى مجموعة مواد تحفظ أعضاء البدن من التحلل أو التحول أو الفناء مثل ملح النطرون والراتنج وزيت الأرز وزيت التربنتينا والمر والدهون النباتية وشمع عسل النحل ومن كلمة الحنوط اشتق اسم الحانوطى الذى يقوم بإعداد الجسد قبل دفنه وبمرور الزمان صار يسمى بالمعروف حاليا فى مصر الحانوتى .
 
ولقد طورالفرعون المصرى القديم فن التحنيط وارتقى به على مدى التاريخ المصرى القديم لإيمانه الشديد بمفاهيم وتصورات وطقوس دينية تعتبر أن الموت الثانى هو فناء الجسد وتحلله وأن ذلك يحرمه من العبور الى الخلود والحياة الأبدية فى العالم الأخر ولخص ذلك المفهوم فى أحد النصوص المنقوشة يقول فيه ( إن الروح مستقرها السماء بينما الجسد للارض ) وأن الموت افتراق مؤقت للجسد والروح لزمن محدد حتى تحل الروح فى الجسد ثانية يوم الدفن لترشده فى رحلة العالم السفلى فى طريق للأبدية والخلود .
 
وكان التحنيط يتم فى ورش خاصة مصممة لتلك المهمة عرفت بالمكان الطاهر بالبر الغربى للنيل وانقسم الى ثلاثة درجات على أهل الميت أن يختاروا الدرجة التى تلائمهم حسب طبقتهم الإجتماعية وقدرتهم على دفع تكلفة نوع التحنيط الذى يطلبونه .
 
وبسقوط  المفاهيم الدينية المصرية القديمة وانتشار مفاهيم دينية أخرى تختلف فى جوهرها عن جوهر العقيدة القديمة اختفى واندثر تماما فن التحنيط ولم تعد هناك حاجة للمحافظة على البدن بعد الموت غير أن اختفاء فن التحنيط واندثاره لم يعن مطلقا اختفاء واندثار مفهومه وجوهره فالمصرى المعاصر يؤمن بعمق بالتحنيط كأرث مستحق عن جدوده وأسلافه ومن ناحية أخرى فإنه بعد تغير العقائد الدينية قد أستبدل فقط تحنيط الجسد بتحنيط الأحياء وإن أطلق البعض على تلك العملية مراكز القوى نسبة لطول فترة بقائها فى السلطة  .
 
فكلنا يشاهد ويسمع ويرى تحنيط الأحياء فى مراكز السلطة والنفوذ والمناصب القيادية فى الأبهاء الواسعة ذات المقاعد الوثيرة والقاعات المكيفة وهالات وهليمانات الأبهة والنفوذ ومن شدة إيمانهم بجوهر عقيدة التحنيط تجدهم استماتوا وهم أحياء فى الحرص على المناصب بالنواجز والمحافظة على روح الكرسى الذى تحنطوا عليه حتى أسودوا فى مراكزهم وفاحت روائحهم كما كانت الجثث تسود يعد تحنيطها وتفوح رائحتها .
 
فنرى اليوم من تحنط على الكرسى ثلاثة عقود ومن يظل عضوا فى البرلمان أربعة عقود ومن يرأس مؤسسات صحفية قومية كبرى لما يربو على ربع قرن ومن يتغير مكان تحنيطة من كرسى لأخر على مدى عشرات الأعوام تطل نفس الوجوه كل يوم عشرات المرات فى صور الصحف وشاشات التلفاز لأنهم وحدهم أهل الحل والعقد ومحتكروا الحقيقة المطلقة ومنزهون عن الهوى ولا يأتيهم الباطل من بين أيديهم ولا من خلفهم وفى الحقيقة حتى لانقلل من قدرتهم ولانغبنهم حقهم فإنهم بالفعل تفوقوا على أجدادهم وأسلافهم الأوائل من الفراعنة فى فن تحنيط المناصب العليا وطوروه حتى تفوقوا على أنفسهم وعلى الفراعنه اللى خلفوهم تماما كما تفوقوا على الغرب الحديث فى إبتكارهم الإستنساخ المادى والمعنوى بعقود طويلة كان الغرب فيها يعج فى بحور الظلمات .


E-Mail: info@copts-united.com

Copts United

لأقباط متحدون