نبيل محمود والى


  18  يونيو 2005

صفحة كُتاب الأقباط متحدون

walinabil@yahoo.com

ديمقراطية الأطر المحددة

 بقلم نبيل محمود والى

 

النسخة الأمريكية من فيلم الأب الروحي في أجزائه الأربعة يشاهد المتفرج الحياة الكاملة وبأدق التفاصيل لعصابات المافيا الأمريكية وعلى رأسها عصابة أل باتشينو حيث تتراضى جميع العائلات الإجرامية وتقبل قيادة ورئاسة باتشينو الأب لهم تحت مظلة توزيع السلطات وتقسيم التجارة ودوائر النفوذ ومناطق النشاط عبر الولايات المتحدة الأمريكية .. وكل تلك النشاطات يجب أن تتم وراء ماكياج سياسي رائع ومبتكر ومتجدد ومتطور دائما ولأن الأف بي أي تلعب دورا رئيسيا في الفيلم فلابد من شرائها وضمان مشاركتها القسمة وهنا يظهر دور المحامين سواء من الكتاب أو الصحفيين أو رؤساء الأحزاب وكلهم يعملون لمصلحة الأب الروحي ثم يتوسطون مع الأف بي أي ، والمشكلة الحقيقية لدى عائلة الأب الروحي في الفيلم وشركائهم ومحاميهم ووسطائهم عند الأف بي أي أنهم مطالبون دوما بما يشبه التحركات الحقيقية والفعلية لإثبات أنهم أبطال الفيلم أمام الأمريكان وهو ما يفسر الارتباك العصبي وعمليات شد الوجه وسيلكون الصدر ولا يقفون عند حد الكذب والخداع بل يضيفون اليها السفه والادعاء وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن المصلحون .

 

وعندما يشعر الأب الروحي لعصابات المافيا بالعجز والشيخوخة والمرض يختار أحد أنجاله يدربه ويعلمه لانتقال السلطة والقيادة وتوريثها إليه برضا وتوافق بين رؤوس  مراكز القوى في العصابات الأمريكية المشاركة إبتداءا في التحالف وفى لحظة تاريخية محددة يقوم الأب الروحي بالتنازل وتوريث ابنه زمام الأمور ويبدأ كل رجالات المافيا والأف بي أي في تقبيل يد أل باتشينو الابن وتدشينه وتلميعه أبا روحيا جديدا وقبل رحيل الأب الروحي المؤسس عن الحياة بقليل يبدأ الابن وبمباركة الأب في تصفية كل الرموز المسنة في العصابة ويعين بدلا منها أخرى جديدة بدم جديد يتوافق مع مرحلتة التاريخية في قيادة وزعامة المافيا الأمريكية .

 

أما النسخة العربية من فيلم الأب الروحي الأمريكى فلا تختلف كثيرا عن النسخة الأمريكية حيث ديمقراطية الأطر المحددة هي السائدة في عالمنا العربىفلا فرق بين دولة خليجية وراثية أو نظام رئاسي جمهوري بالوراثة فالابن يخلف أباه كرئيس للدولة لأن السلالات متشابهه في مكونات النظامين الخليجي الملكي والرئاسي الوراثى ولا فرق بينهما فالنظام يقوم على شخصية عليا ضامنة للاستقرار قد تكون ملكا أو رئيسا أو أميرا أو حاكما وهى شخصية تحصل على السلطة عن غير طريق ديمقراطي إما بالوراثة أو التعين أو إرادة إلهية وبجانب قمة الهرم الحاكمة يوجد جهازان رئيسيان الأول حكومي تنفيذي والثاني برلماني أو استشاري أو معين أو خليط من الاثنين وقد يقوم الأخير بعمل رقابي ما على الأول ولكن قمة الهرم لاتمس ويجب أن تكون فوق القوانين والرقابة لأنها قدس الأقداس .

 

وقد حدث ذلك في سوريا ومرشح للحدوث في مصر واليمن وليبيا وكان مرشحا من قبل للحدوث فى العراق لولا صحوة الأف بي أي فالدول العربية ذات الأنظمة الجمهورية دخلت مرحلة أكثر استقرارا ونظاما إثر فترة من الانقلابات العسكرية وهيأت نفسها وشعوبها يأسا واستسلاما لتفضيل تداول السلطة في صورته الو - راثية بتوافق ورضا بين مراكز القوى ورموز المؤسسة العسكرية والاقتصادية وجماعات النفوذ على تأمين مواقعها والحفاظ على ثرواتها والتمسك بنفوذها بل وانتقال النفوذ والفلوس إلى الأبناء كذلك مما يجعل الجميع متواطئا ومشاركا ومتورطا في توريث السلطة حيث التوريث الجماعي من الآباء إلى الأولاد تحت لافتة تقبل التوريث الجديد ...

 

هذا بعض مما كتبه صحفي سويسري في أحد أبحاثه يعمل مراسل جريدة NZZ السويسرية الناطقة باللغة الألمانية في الشرق الأوسط التي يعمل بها منذ أكثر من 10 سنوات يحلل فيها التشابه والتوافق بين الأب الروحي الأمريكي والعربي !!!

 

ومن ناحيتي فإنني لا أعتقد أن هناك أنواعا مختلفة من الديمقراطية بعد استخدام لفظ الديمقراطية بشكل يثير السخرية في عالمنا العربي من قبل البعض للترويج للمفهوم القائل بأن الديمقراطية يمكن أن تتواجد على أشكال مختلفة فالديمقراطية تعنى أن بإمكان الشعوب أن تقول ما تكون هي مقتنعة به وأن تكون حرة في تعليم أطفالها بالطريقة التي تريدها وأن بإمكانها ممارسة عبادتها كما يطيب لها وأن المواطنين فيها محميون من المداهمات التعسفية الليلية للبوليس السري بفضل استقلالية القضاء كما تعنى أيضا أنه يسمح للناس بتشكيل منظمات سياسية تمثل المعارضة أمام الحكومة فتلك أسس الديمقراطية التي أعرفها وتعلمتها ودرستها وأعتقد أنني لست في حاجة إلى تعريف جديد للديمقراطية لأننا نعرفها جيدا حينما نراها في المشهد السياسي في إسرائيل الدولة الجارة القريبة قبل أن نذهب الى أمريكا وأوروبا التى يفصلنا عنهم بحور وقفار حيث الشعب هناك قادرا على اختيار زعمائه وقادرا على مساءلتهم أحياءا على قيد الحياة مش وهم في القبور وذلك ما لا يحدث عندنا في ديمقراطيتنا ذات الأطر المحددة .

 


E-Mail: info@copts-united.com

Copts United

لأقباط متحدون