عبد الكريم نبيل سليمان


16 أكتوبر 2005

صفحة كُتاب الأقباط متحدون

karam903@excite.com

هوية الفرد فى المجتمع الإنسان

عبد الكريم نبيل سليمان

عندما يعي الفرد أهمية ذاته ويعرف جيدا القيمة الحقيقية لها ، سيدرك على الفور أن الوسيلة المثلى للحفاظ على هويته الذاتية أن ينأى بنفسه عن الانخراط فى المجتمعات الشمولية التى تعمل على تشكيل الأفراد فى قوالبها المتطابقة طامسة معالمهم .. مذيبة لهوياتهم .. مجهزة على ما تبقى لديهم من صفات تميزهم عن غيرهم.
فالثقة الشديدة بالنفس تدفع الإنسان - حتما - إلى الانفصال عن العالم ، وبناء دولته المستقلة داخل كيانه الفردي والتى يسيطر العقل على مجريات أمورها ويتحكم فى كل صغيرة وكبيرة داخلها ، وبالتالي فهو الذى يشكل الهوية الفردية الحقيقية دون أن يكون للعوامل البيئية ( الاجتماعية ) أية آثار ملموسة.
والإنسان الذى يؤمن بذاته تفوق قدرته على التفكير وعلى الخلق والإبداع والابتكار قدرة الإنسان الذى يعتقد أنه ينتمى إلى مجتمع ما، حيث أن الإنسان الإجتماعى يعمل داخل منظومة قيمية تفرض على عقله خطوطا حمراء تحظر عليه تجاوزها و إلا عُد خارجا عن عقدها الإجتماعى، بينما الإنسان الفرد يؤمن بلا محدودية ذاته ويفكر ويعمل من خلال إيمانه هذا، فهو إله نفسه وبالتالي .. فهو لا يسأل - داخل عالمه النفسي المترامي الأطراف - عما يفعل، ومن البديهيات المسلم بها أنه كلما أتسع نطاق الحرية لدى الفرد كلما ازدادت قدرته الذهنية على الإبداع، والعكس صحيح، وبالتالي .. فإن تحرر الفرد - بشكل عام وعقله بصورة خاصة - من كافة القيود يجعل عقله هو المسيطر الوحيد على ذاته ومن ثم سيصل حتما إلى قدرة لا نهائية على الخلق والابتكار والإبداع.
فالفردية إذن تعمل على بناء الإنسان ذو الشخصية القوية التى لم تتداخل خيوطها مع البيئة (المجتمع) ومن ثم تعمل على إثراء التنوع الإنساني والفكري فى آن، وخلق أجواء من التبادل المعرفي والثقافي بين الكيانات الفردية بعضها البعض.
إن ضعف شخصية الفرد هو الذى يدفعه إلى الانخراط فى المجتمع لالتماس القوة المادية التى تعمل على إخفاء ضعف شخصيته، وفى ذات الوقت يعزى ضعف شخصية الفرد إلى الضغوط الاجتماعية التى تمارس عليه لإخفاء ذاته الحقيقية خلف أقنعة اجتماعية زائفة، وبالتالي .. فإن الإنسان ذو الهوية الفردية ( للا إجتماعى) هو الذى يتمكن من مقاومة ضغوط المجتمع وينجح فى عملية استقلاله الذاتي وبناء شخصيته القوية، ونجاح الإنسان فى مقاومة ضغوط المجتمع يرجع فى الغالب إلى ظروف التنشأة الاجتماعية القاسية التى مر بها فى مرحلة ما من حياته (الطفولة غالبا) والتى أكسبته فيما بعد مناعة قوية ضد المحاولات الاجتماعية لإخفاء هويته الذاتية.
إنه لمن الظلم البين أن يستغل المجتمع ضعف الإنسان كى يقلبه داخل الهوية السائدة، كما أنه من غير المقبول إطلاقا أن يتم التحدث باسم تجمعات بشرية باعتبارها تنتمى إلى هويات عرقية أو دينية أو طائفية أو جغرافية.. الخ، وذالك أن هذه الهويات لم يختارها الفرد بمحض إرادته وإنما تم فرضها من قبل قوى إستغلت منذ قديم الأزل نفوذها لدى الجماعة البشرية للحد من حرية الفرد وتقييدها داخل أطر تصب فى النهاية فى مصلحتها ، وحتى إن إدعى بعض الأفراد أنهم قد اختاروا هذه الهوية أو لك بمحض إرادتهم فإن إدعائهم هذا غير مقبول لأن خياراتهم فى هذا المجال محدودة - على أفضل الأحوال - إن لم تكن معدومة، أضف إلى ذالك أن اختيارهم لهذه الهويات يرجع إلى ضعف نفسى ناجم عن الضغوط الاجتماعية التى سبق ومورست عليهم (سواء بالترغيب أو الترهيب) لقبول هذه الهوية، وأوضح مثال يمكن من خلاله إثبات هذا الأمر عملية توريث الهوية بين الأجيال المتعاقبة دون أن يترك للوارثين حرية الاختيار والمفاضلة؛ أو حتى وضع الهوية الفردية كخيار آخر.
إن الشعارات الجوفاء التى يرددها أعداء الفردية من العنصريين تحت دعاوى العودة إلى التراث أو تعزيز الانتماء إلى الجذور أو التمسك بتعاليم الدين أو المحافظة على الروابط العائلية.. الخ؛ يجب أن تواجه بحزم وقوة حتى تحفظ للفرد حريته ويحافظ على قدسيته ويؤكد على وجوده كعضو فعال فى المجتمع الإنساني الكبير؛ وحتى نقطع الطريق على انتهازية أرباب المصالح العليا الذين يضعون نصب أعينهم إخفاء ذات الفرد الحقيقية بأقنعة اجتماعية مزيفة.
لقد كانت الجماعات البشرية - ولا تزال - تعاقب من يسعى إلى تفتيت وحدتها وتعده خارجا عن عقدها الإجتماعى، ولقد ثبت للبشرية على مر عصورها أن تعدد الهويات الاجتماعية هو الذى ساهم بشكل فعال فى خلق حالة من العداء والكراهية وساعد فى تأجيج جذوة الصراعات وإشعال نيران الحروب المدمرة بين أطراف المجتمع الإنساني، فمن باب أولى يجب على المجتمع الإنسانى أن يتصدى لكل من يحاول إثارة النعرات القومية أو الطائفية أو العرقية أو الدينية وكل ما من شأنه أن يؤثر على الهوية الفردية ويقوض من إستقرار المجتمع الإنسانى .

إن تشجيع الهوية الفردية يصب فى نهاية المطاف فى مصلحة المجتمع الإنسانى بأسره ذالك أنه يعمل على إثراء التنوع البشرى والفكري، الأمر الذى يساهم بفعالية فى خلق أجواء من التبادل المعرفى والثقافى والحياتى بين الكيانات الفردية داخل المجتمع الإنسانى اللامحدود فكريا والمحكوم بديمقراطية كياناته الفردية.

عبد الكريم نبيل سليمان

15 / 10 / 2005

الإسكندرية / مصر

 



E-Mail: info@copts-united.com

Copts United

لأقباط متحدون