وهذه الأصوليات الثلاث هى على النحو الآتى: فلسطينية وشيعية لبنانية وسيخية.

مع بداية صعود العلمانية مع الرشدية اللاتينية فى القرن الثالث عشر وصعود الحداثة فى القرن السابع عشر وانفجار الثورة العلمية والتكنولوجية فى القرن العشرين قيل إن انفصال الدين عن السياسة أصبح بلا رجعة. ومع ذلك فإنه مع بزوغ ثلاث أصوليات مجاهدة- فلسطينية وشيعية لبنانية وسيخية- فى السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين أصبحت هذه الأصوليات تواجه تحدياً فى مواجهة ما قيل فى شأن ذلك الانفصال بين الدين والسياسة. والمفارقة هنا أن الذى تولى مواجهة هذا التحدى هم الريفيون الفقراء والحضريون المتخلفون بمساندة من مثقفين. وقد أسهمت فى تدعيم هذا التحدى مع تحديد العدو ثلاثة عوامل:

1- أزمة فى الهوية القومية.

2- فشل الاقتصاد السياسى المحلى.

3- الانشقاقات الطبقية.

والسؤال إذن:

ما الدور الإيجابى الذى أداه كل عامل من العوامل الثلاثة فى مواجهة ذلك التحدى؟
فى شأن الهوية القومية وأزمتها اتفقت الأصوليات الثلاث على أن العدو يكمن فى وجود ثقافة أجنبية طاغية، وهو الأمر الذى دفعها إلى أن تستدعى التراث للدفاع عن الهوية القومية والنقاء الثقافى وتدعو إلى الاستقلال السياسى، ولكن بمفاهيم دينية لإحداث مناعة عقائدية تقف ضد نسق القيم الغربية فى حالة الأصولية الفلسطينية والأصولية الشيعية اللبنانية، وضد الحكومة الهندية العلمانية الطاغية التى نشأت إثر استقلال الهند فى حالة الأصولية السيخية.

والجدير بالتنويه هنا أن ثمة تطورات سياسية جديدة أدت إلى بزوغ هذه الأصوليات الثلاث. فقد أدت الثورة الإسلامية فى إيران فى عام 1979 إلى مولد حزب الله الأصولى، وأسهمت الثورة الخضراء فى الهند التى كانت سبباً فى ازدياد سوء توزيع الثروة إلى مولد الأصولية السيخية، كما أسهمت الانتفاضة فى غزة عام 1987 إلى مولد حماس أو بالأدق الأصولية الإسلامية.

وقد تميزت هذه الأصوليات الثلاث بوجود قيادات كارزمية أى قيادات متميزة بقدرات خارقة أيديولوجية وتنظيمية فى التلاعب بالنصوص الدينية من أجل بث ما تريده من أفكار فى حوارييها. وقد اتضحت أهمية هذه القيادات الكارزمية فى حالة بندرا نوال، زعيم الأصولية السيخية، عندما استعان بالتراث الدينى السيخى الذى ينطوى على الفصل بين الدولة والدين على نحو ما كان فى القرنين الخامس عشر والسادس عشر بما فى ذلك الالتجاء إلى العنف عند الضرورة.

والسؤال إذن:

فى سياق العوامل الثلاثة مع ما لازمها من قيادات كارزمية كيف تحدد العدو الذى بدونه لن يكون ثمة جدوى من ذكر هذا السياق؟
العلمانية هى العدو وهى متمثلة فى التلفزيون والسينما والأدب والجمعيات الخيرية والأحزاب السياسية والمؤسسات الدينية التى تدمن المواءمة والتكيف والاستسلام لمتطلبات العلمانية. والنتيجة نسف التنبؤات الكامنة فى التراث. وإذا قيل إن العلمانية هى العدو فهذا يعنى أنها عدو الأصولية. وهذا المعنى هو الذى يميز الصراع فى القرن الحادى والعشرين. والقول بصراعات أخرى غير هذا الصراع من شأنه أن يحدث خداع بصر، ومن ثم يبقى الوضع القائم فى أزمة فيمتنع استدعاء وضع قادم لنسف الوضع القائم. وهذا الذى أقوله هنا يلزم أن يكون ديباجة الدستور القادم.
نقلا عن المصري اليوم