لأنه لا يكون قتل لعبيدك بل هو اختطاف !

الأب الدكتور أثناسيوس حنين
تجسدت العناية السماوية فى مثلث مسكونى سماوى وانسانى رائع لكى تذهب بى الى المحروسة لزيارة والدتى المريضة والتبرك بها ’ اجتمع القديس نيكتاريوس البيزنطى فى اليونان والذى أخدم ديره العامر فى أثينا وأمى الجسدية ’وقد ناهرت التسعين ربيعا ’ فى الصعيد مصر ’ وشفيع فكرنا اللاهوتى النارى ورائد نهضتنا اللاهوتية القديس مكاريوس القبطى الشيهيتى ورهبانه الأشداء فى النعمة والعلم’ لكى يحملونى الى مصر. عودتنى مصر بأن تستقبلنى بكافة عناصرها اذ خرجت من المطار أبحث عن سائق سيارة صديقى والذى سيحملنى الى الصعيد ولأنى لست كاهنا غنيا يحمل تليفونه المحمول الدولى اينما حل ’ لاحظت عاملة نظافة محجبة فى صالة الوصول حيرتى ’ وطلبت لى السائق بابتسامة جميلة ! على طريق الجيش كما يسمونه تدرك أن رئيس البلاد وحكومته ورجاله يعيدون تشكيل البنية التحتية للبلد والطرقات الجديدة هى سمة التجديد ’ قضيت بضعة أيام مع أم من الزمان الجميل وتيقنت بأن المصنع الذى شكل أولئك الأمهات القديسات قد أغلقه الزمان الردئ بالضبة والمفتاح!

تدبير سماوى عجيب خطفنى الى وادى النطرون وبشكل خاص الى دير القديس مقارة ’وخواطر كثيرة وذكريات فى البرية جالت بخاطرى ونحن نقترب من بوابة الدير ’ وطالما خرجت بى النعمة لكى ما تلاطفنى فى البرية ولكنى كنت معاندا للرؤية السماوية (ربنا يبارك فى العيال وما متهم ). حضور عسكرى ملحوظ امام الدير ’ ضابط شاب يقود ثلة من العسكر ويفحص الداخلين فحصا شاملا ’ أعفانى من الفحص بكرم كبير ! دير ابو مقار صرح حضارى كبير ومؤسسة انتاجية يسيل لها لعاب المؤسسات الحكومية ’ ومنبر لاهوتى يضارع أرقى جامعات العالم ’ ومصنع قديسين تشتهى الملائكة والبشر أن تطلع عليه . الرهبان ’ ومعظمهم شباب ’ لا يبدوا عليهم قلق من عايشواحادث "قتل " ابوهم الروحى بين القلاية والمذبح . لم يطب لى بركة معرفة الأب ابفانيوس شخصيا ’ أذ أتى هو طوعا حينما غادرت أنا قهرا! ولكنى ذقته وجها وعلما .لا يبكى الأباء على "قتيل" بل يمدحون من صار لهم سفيرا . وسط هذه الجو الألهى وصمت البرية ’ اقتحمنى فكر ’ صارحت به بعض الأباء ’ بأن هذه الأب لم "ينقتل" بل " أتختطف" ’ نعم اختطفته السماء بطرقها العجيبة ! لا يعنى هذا بأى حال الغاء القضاء والقصاص القانونى العادل ’ هذا شأن الدولة والقضية مائلة امام القضاء المصرى. شأنى أن أرى مظاهر هذا الاختطاف على وجوه الرهبان وفى أجواء الدير ومن خلال حوارات مودات مع أباء منهم أفاضل . لقد أفتدى "أختطاف " ابيفانيوس "المضئ سماويا ’ باليونانية ’ نقول لقد أفتدى رهبان الدير الشباب وجمعهم على قلب رجل واحد لا فارق بين من يرتدى الطاقية قديمة الأيام ومن يلتحف القلنسوة حديثة العهد ’

على عكس ما تروج له السوشيال ميديا وبعض الأراخنة . أضف الى ذلك أن الدير قد أستعاد سلامه وهدوئه بعد انفتاح عشوائى كاد أن يطيح بتراث رهبانى قديم الأيام وعتيق الروحانية وناطق بالالهيات فى صمت البرية . قال لهم البابا تاؤضروس قولا سديدا "أنتم أولاد أبو مقار " وكأنه يعيدهم الى الأصول الأبائية المقارية النارية فى الروح النارى ليحررهم من عبادة الأشخاص مهما تعددت مواهبهم وتشعبت ! يرى علماء الاجتماع بأن عصر حكم الرجل الواحد ’ مهما تعددت مواهبه ’ قد ولى وأن البشرية اليوم دخلت عصر العمل الجماعى فى سيمفونية الحب والاحترام والابداع والنفس الواحدة وتعدد المواهب ’ شئ من هذا يلاحظه الزائر الباحث والساجد فى جامعة ابومقار ’ كل راهب ’ وهذا عن خبرة شخصية ’ يحمل فى داخله بذار نعمة المسيح اللوغوس ’ وروح ابومقار النارى ’ ونسك وعلم وصرامة متى المسكين ورهافة حس ونعومة وطراوة ابيفانيوس ! لهذا لا نرى جدوى من فرض سلطة كنسية عليهم من الخارج ’ بل يجب أن يخرج ابوهم الروحى من وسطهم ومن أحشائهم ! بركة أخرى من بركات أختطاف "الظاهر لاهوتيا ابيفانيوس " هو سقوط خرافة انتشرت فى مصر بين العامة والخاصة ’ وخلاصتها أن الأديرة القبطية عامرة ’ ليس بالركب الساجدة ’ بل بالمدافع الثائرة ! نعم قالوها أن وراء كل شجرة فى دير ابو مقار يوجد سلاح !!! كان "خطف-قتل- الاسقف "فرصة أمام الأمن المصرى لكى ما يبحث فى كل انحاء الدير ولم يجد سوى سيف الكلمة وخوذة الخلاص ودرع البر ! هذه هى أسلحة الرهبان والمسيحيين . شاركتهم ’ حسب الطاقة ’ تسابيحهم ’ كنت ادخل لاقف فى خور س الضيوف ’

وبينما يقوم الأباء بتسبحة مساء السبت ! اذا بأب راهب شيخ يقترب منى ويدعونى للتسبيح معهم بالقبطية واليونانية ’ واذ هو ابونا يحنس المقارى الذى حصل لتوه على شهادة فى اللاهوت من جامعة اثينا والذى يحمل اقباط اليونان ’ الذين أحبوه ’ معه فى البرية ويسلمهم لنعمة للرب بدموع غزيرة وحب نقى ! كان لنا جولات وجولات فى البرية وسط دموع التوبة والفرح والحزن المقدس على ما ألت اليه الخدمة فى كنائس الله المقدسة ! بركة أخرى من بركات "أختطاف " اسقف الدير هو انفتاح الكنائس فى مصر على الدير وبداية نهاية "حصار " لم يكن له معنى له سوى الحسد ! رأيت اساقفة اقباط يتجولون فى ربوع الدير العامر مع شعوب لهم . لم يعد يأتى الى الدير الا الجياع والعطاش الى البر والعلم والعمق . عايشت محاضرة للاب الليتورجولوجى اثناسيوس المقارى ’ اذا حضر الى الدير مجموة كبيرة من الخدام والخادمات وحاضرهم الاب اثناسيوس فى "قوانين الكنيسة القبطية بين الغث والثمين " محاضرة علمية ونقدية لا تسمعها سوى فى جامعات اوروبا ! دخلت المحاضرة مع راهب صديق ’ تقدمت ’ على وجل ’ لاخذ بركة الاب اثناسيوس فما كان منه الا ان خلصنى من خجلى و نزل مسرعا من كرسية وتقدم نحوى بالاحضان مثل الاب الحنون ! قادونى الى حيث يرقد الاب متى المسيكن والاسقف ابيفانيوس ’ قمت بصلاة التريصاجيون (الترحيم) باليونانية التى أحبوها ولاطفوا عنادها فى البرية وكتبوا بها لاهوتا وما أجمل . تبقى غصة فى الحلق اننا لا نقدر أن نشترك فى الكأس الواحدة وفى الليتورجيا الواحدة وفى الخبزة الواحدة ’ ’ ولكننا نسير نحوها بصدق وعزم وحب ’ وللعلم لو انوجدت علاقات بهذا الصدق والعمق والتواضع لصارت الوحدة بين الكنسيتين القبطية والرومية قاب قوسين أو أدنى .
دكتوراة فى التاريخ –كلية الاداب والعلوم الانسانية –جامعة ليموج –فرنسا