من منا لم يتناول كوبًا دافئا من السحلب في ليلة شتوية باردة، مستمتعا بطعمه الممزوج بالمكسرات والقرفة والجوز!

السحلب لا يمكن تصنيفه شرابًا أو مأكولًا؛ بل هو حالة وسط بين الحالتين، ويكثر تناوله في دول شبه الجزيرة العربية وتركيا ومصر خلال أيام البرد، ولكن ماهو أصله وتاريخه؟
 
نبات السحلب
يعتقد البعض أن السحلب مادة حيوانية، ولكنه ليس كذلك فهو يستخرج من زهرة الأوركيد أو كما تعرف باسم "نبات السحلب"، وهى واحدة من أجمل الزهور وأقدمها تاريخيًا، حيث يعود أول تأريخ لتلك الزهرة فى سنة 700 قبل الميلاد، على يد الصينيين الذين يقدسونها؛ حتى أطلق عليها الفيلسوف الصينى كونفوشيوس لقب "زهرة عطر الملوك".
 
وهذا العشب ينمو بارتفاع 60 سنتيمترا وله أوراق غالبا ما تكون ملطخة بلون أسود من الخارج وأبيض من الداخل، وللساق أزهار بنفسجية، وله جوزان من الدرنات الأرضية أحدهما أطول من الأخرى ولذلك كان يسمى السحلب بـ"خصي الثعلب"، وهو الجزء الذي يستخرج منه مسحوق السحلب، وتحتوي تلك الدرنات على مواد صمغية وهلامية، وعلى بروتين ومواد مرة ونشاء، وبتوزينات وسكروز والزلات كالسيوم ومعادن وزيت طيار.
 
ويزهر هذا النبات في شهري مايو ويونيو، وينمو بريا في إيران وافغانستان واليونان والمغرب وقبرص والأناضول، والسحلب الإيراني أفخر سحلب في الأسواق العالمية.
 
وقد عاصرت زهرة الأوركيد عصور وأزمان عديدة، وكان الصينيون أول من استخدموها لاستخراج الفانيليا لصنع "البوظة"، وفي القرن الـ17 أحضرها البحارة البريطانيون من جزر الباهاما، وكان يطلق على هذه الوجبة "السالوب"، وكان مسحوق السحلب يخلط مع الماء ويضاف له مشروب البرتقال أو ماء الورد، ويقدم مع الخبز والزبد، كوجبة باعثة للطاقة.
 
هل السحلب تركي الأصل؟ 
ذكرت صحيفة «حريت ديلي نيوز» التركية، في تقرير سابق لها أن أصل السحلب يعود لتركيا، حيث يقول منظرو القومية التركية إن القبائل التركية، مثل القرمان والقبجاق وسلاجقة الروم والقبيلة الذهبية المغولية، جلبوا معهم زهرة السلحب من آسيا الوسطى إلى الأناضول ثم إلى البلقان، وأطلق عليه اسم "بوظة". 
ومع توسع الدولة العثمانية انتشرت "البوظة" في كافة المناطق التي سيطروا عليها، إلا أن تناولها خلق اشكالية فقهية؛ إذ أرادت الإدارة العثمانية تشريع بيع السحلب في الأسواق، لكن في هذا التوقيت كان يحتوي على مواد مختمرة، فتتشكل نسبة من الكحول التي تمنح المستهلك طعماً ينتشي به، فكانت "التخريجة الفقهية" بأن يقتصر البيع على غير المسلمين، أما المسلمون فلهم الحرية في تناولها.
وفي القرن السابع عشر بلغ عدد محلات البوظا في اسطنبول 300، وبات المشروب الأساسي للجنود الإنكشاريين لاعتقادهم أنها تمنح القوة والطاقة اللازمة للجنود، وازدهر السحلب في أيام ووضعت قيودا عليه في أيام أخرى؛ حسب التوجهات الدينية للسلاطين واختلاف مزاجهم. 
وفي القرن التاسع عشر، دخل الألبان على خط صناعة السحلب، ولكن دون الكحول، وافتتح أول محل ألباني سنة 1876، الموجود الآن بجانب جامع السليمانية، وقاموا بصنع السحلب في أوان رخامية بدلا من الخشبية.
 
«بوظة بكداش»: 
وفي عام 1895 قرر الشاب الدمشقي وبائع عصير الليمون المُثلج محمد حمدي بكداش أن يغامر ويستخدم نبتة السحلب مع الحليب ويثلجهما لتخرج "البوظة" العربية، والفكرة أعجبت الإدارة العثمانية فدعمته ليفتتح بكداش أول محل له في سوق الحميدية ومن هناك انتشرت البوظة العربية لكل أنحاء العالم.
 
فكان يدقّ المكونات يدوياً لتمتزج جيداً بعضها ببعض أمام الزبائن، ويتم تزيينها بالفستق الحلبي الطازج، وعرفتها تركيا باسم "الإيما"، أو ما يُعرف اليوم بـ"الآيس كريم".
 
وفي عام 1923، حينما تم الانتهاء رسمياً من تهجير اليونانيين من تركيا أسوة بتهجير المسلمين من اليونان، انتقلت هذه الصناعة إلى الأتراك التي أصبح يضاف لها الحليب بدلا من البرتقال أو ماء الورد.
 
استخدمات السحلب
يستخدم السحلب في العالم العربي على نطاق واسع وبالأخص في مصر وتركيا وبعض مناطق المملكة وخاصة مكة وجدة فهو ذو قيمة غذائية عالية، ويعتقد كثير من الناس أنه منشط جنسي، ويستخدم عادة بعد تحليته بالسكر كغذاء ملطف قابض لإسهال الأطفال وضعاف المعدة وللمصابين بحالات الدسنتاريا، وفي بريطانيا يستخدم السحلب لمرض السل والناقهين. كما يوصف أيضا لحالات التسمم حيث أنه ملطف منشط للدورة الدموية ويستخدم السحلب على هيئة حقنة شرجية لحالات المغص المعوي والنزلات المعوية.
 
وبحسب موقع ayushology، من بين فوائد السحلب أيضا قدرته على إزالة التوتر والإجهاد العصبي، كذلك تحسين الهضم، حيث يحتوي السحلب على مادة تشبه المخاط قد تساعد على تهدئة الجهاز الهضمي، كما يساعد على تدفئة الجسم وعلاج أعراض البرد والسعال، لأن العشبة تحتوي على مواد مضادة للبكتريا والفيروسات المسببة لنزلات البرد والأنفلونزا في فصل الشتاء.