كتب – محرر الأقباط متحدون أ. م

تحت عنوان "القيامة والإفخارستيا" كتب الأنبا مكاريوس، أسقف عام المنيا وأبو قرقاص، مقالًا يقول فيه: طُرد الانسان الأول من الفردوس، بعد الاكل من شجرة معرفة الخير والشر: "واوصى الرب الاله ادم قائلا من جميع شجر الجنة تاكل اكلا واما شجرة معرفة الخير والشر فلا تاكل منها لانك يوم تاكل منها موتا تموت" (تك 2 : 16، 17) ولئلا يأكل من شجرة الحياه فيحيا بذلك في خطيته الي الابد، كان لزاما عليه أن يخرج الي الخارج ليتطهر أولا من سم الخطية قبل ان يسمح له بالاكل من شجرة الحياة. "وقال الرب الاله هوذا الانسان قد صار كواحد منا عارفا الخير والشر والان لعله يمد يده و ياخذ من شجرة الحياة ايضا وياكل ويحيا الى الابد فاخرجه الرب الاله من جنة عدن ليعمل الارض التي اخذ منها فطرد الانسان واقام شرقي جنة عدن الكروبيم و لهيب سيف متقلب لحراسة طريق شجرة الحياة" (تك 3: 22-24).
 
ومن ثم فكل من يدخل طالباً أن يتناول من طعام الحياة وهو ما يزال فيه سم الخطية، فانه ُيخرج بلطف الى الخارج حتى يقدم توبة ويتخلص من خطيته ومن ثم يتسنى له التناول، ونلاحظ ذلك حين يهمس الاب الكاهن في اذن احدهم، معتذرا له بلطف بأن ينتظره في صحن الكنيسة لقبول توبته واعترافه، قبل ان يسمح له من جديد بالتقدم للاسرار المقدسة.
 
لذلك سمي التناول شجرة الحياة التي لا يموت آكلوها "بي اشين انتي بي اونخ فاتي ميت اثمو" وقد أطلق القديس أغناطيوس الأنطاكي على الإفخارستيا "دواء الخلود". وفي لحن (بي اويك-خبز الحياة) الذي نقوله اثناء توزيع الاسرار المقدسة، نقول خبز الحياة الذي نزل لنا من السماء... وأنت أيضًا يا مريم حملت في بطنك المن العقلي الذي آتي لنا من الآب، ولدتيه بغير دنس وأعطانا جسده ودمه الكريم فحيينا إلى الأبد.
 
والعلامة ايرينيؤس يقول عن الذين لا يؤمنون بالقيامة، ان عليهم ان يتوقفوا عن ممارسة الافخارستيا او أن يؤمنوا بالقيامة، ويقول ان عقيدتنا نحن في قيامة الاموات تؤكد الافخارستيا، والافخارستيا تؤكد صحة عقيدتنا باننا نقدم لله مما له.
 
وفي القداس الإلهي نصلي "لانه في كل مرة تأكلون من هذا الخبز وتشربون من هذه الكاس تبشرون بموتي وتعترفون بقيامتي وتذكروني إلى أن أجيء" هكذا يؤكد القديس بولس الرسول "فانكم كلما اكلتم هذا الخبز وشربتم هذه الكاس تخبرون بموت الرب الى ان يجيء" (1كو 11 : 26) ومن ثم ارتبط التناول بالقيامة، فان التناول يهب حياة أبدية أو هو عربون الحياة الابدية، خبز الحياة ولان القيامة من الاموات هي العمود الفقري للكرازة والمسيحية فان التناول هو علامة وطعام تلك الحياة. لذلك جعلت الكنيسة الاسبوع الاول من الخماسين حديث عن التناول.
 
وعندما تحدث السيد المسيح عن الافخارستيا إستخدم تعبير "اقيمه في اليوم الاخير" ثلاث مرات "لان هذه مشيئة الذي ارسلني ان كل من يرى الابن و يؤمن به تكون له حياة ابدية وانا اقيمه في اليوم الاخير" و "لا يقدر احد ان يقبل الي ان لم يجتذبه الاب الذي ارسلني و انا اقيمه في اليوم الاخير" و "من ياكل جسدي ويشرب دمي فله حياة ابدية وانا اقيمه في اليوم الاخير" (يوحنا 6: ، 40 ، 44 ، 54).
 
كما ارتبط هذا السر بالقيامة عندما ظهر الرب القائم من الاموات وكان التلميذين متحيرين بسببه وعرفاه عند كسر الخبز انفتحت اعينهما وعرفاه، وبذلك اصبحت الافخارستيا هي انفتاح عين المسيحي على الحياة الابدية
 
وثمة ملاحظة هامة في الصلوات السرية في القداس الالهي وقبل التناول مباشرة، حيث يطلب الكاهن من الله أن يكتب أسمائنا في سفر الحياة، فيما يشبه قوائم المقبولين! وملاحظة أخرى تؤكد ارتباط الامرين معا في الوعي القبطي، اذ نرتل الترنيمة الشهيرة "قام حقا قام" أثناء توزيع الأسرار المقدسة، لارتباط الإفخارستيا بالقيامة.
 
والانسان مائت بطبيعته، والله حي بطبيعته، وعندما اتحد لاهوت المسيح بالناسوت وهو طبيعتنا البشرية، أعطى امكانية لعدم الموت، كان الحل هو ان يتحد الله بطبيعتنا لكي لا نموت، ولان الله وحده هو الذي له عدم الموت "الذي وحده له عدم الموت" (1تي 6 : 16) ومن خلال هذا الواحد المسيح نحيا الى الابد باشتراكنا في جسده ودمه الأقدسين. التناول يوحدنا بالمسيح (يثبت فئ وانا فيه) والمسيح القائم نقوم معه اذا اتحدنا بجسده ودمه ، والمسيح هو الحياة، "فقال لهم يسوع الحق الحق اقول لكم ان لم تاكلوا جسد ابن الانسان وتشربوا دمه فليس لكم حياة فيكم" (يو 6 : 53) بل كان مجمل حديث السيد المسيح بعد معجزة اشباع الجموع هو التناول والحياة الأبدية، كما أنه هو القيامة والحياة (يوحنا 11). وهكذا بالتناول ناخذ عربون الابدية وسر القيامة، ونصلي في القداس الالهي: "يعطى عنا خلاصا وغفرانا للخطايا وحياة أبدية لمن يتناول منه" ويقول الرب في حديثه عن الافخارستيا: "هذا هو الخبز الذي نزل من السماء ليس كما اكل اباؤكم المن وماتوا من ياكل هذا الخبز فانه يحيا الى الابد" (يو 6 : 58)
 
وكانت الافخارستيا في العصر المسيحي الأول تقام في فجر الاحد، في التوقيت ذاته الذي قام فيه المسيح من بين الأموات، وذلك بعد السهر في الصلاة والتسبيح طوال الليل، بل ولعلنا نلاحظ أن الكنيسة اختارت انجيل القيامة (يوحنا 20) ليقرأ في باكر الاحد علي مدار السنة. ونرتل في يوم الاحد "هذا هو اليوم الذي صنعه الرب فلنفرح ولنبتهج فيه"... وهو بالمناسبة انجيل قداس القيامة، وقداسات الاحد كلها وخلال الخمسين المقدسة.
 
وهكذا كانت تقام كتعييد للقيامة يوم الاحد، ليس كذكرى تاريخية وانما كاستحضار لجسد المسيح، ونقول في يوم الاحد "هذا هو اليوم (محدد) الذي صنعه الرب، فلنفرح ونبتهج فيه، إنه اليوم الذي تحررنا فيه من الموت، والأحد هو اليوم الذي قام فيه الرب من الاموات، ومن ثم تقام الافخارستيا كل احد مناسبة القيامة التي هي الحياة الجديدة، والاحد هو اليوم الرباني او يوم الرب تقام فيه الافخارستيا والتي هي العشاء الرباني، وفي القداس الالهي نقول لانه في كل مرة تأكلون من هذا الخبز وتشربون من هذه الكأس تبشرون بقيامتي، والتبشير بمعنى اعلان الحضور.
 
وفي معجزة إقامة افتيخوس والتي وضعتها الكنيسة في الاسبوع الثاني من الخمسين المقدسة، يقول القديس لوقا في سفر الأعمال: ""وفي اول الاسبوع اذ كان التلاميذ مجتمعين ليكسروا خبزا (توزيع جسد الرب بحسب النص القبطي) خاطبهم بولس وهو مزمع ان يمضي في الغد واطال الكلام الى نصف الليل" (اعمال 20: 7).
 
كان القديس بولس يعظ ولما سقط الشاب نزل واقامه، ثم واصل الكلام حتى الفجر حيث اقام الافخارستيا، وهنا نلاحظ ارتباط الافخارستيا بالقيامة من الاموات، وبتوقيت القيامة اي عند الفجر، القصة أيقونة افخاستيا وقيامة وليست مجرد معجزة، فالخطية موت والتناول يعطي الحياة، الخطية نزف ودم المسيح هو الدم الذي يحيي، وفي هذه الايقونة نرى نوم وموت لافتيخوس، ثم حياة وقيامة له من خلال الافخارستيا.
 
ومن هنا نفهم لماذا يحرص اهل المحتضر على أن يحضر الكاهن ويناوله، حتى يضمنون مستقبله الأبدي.
 
بل أن هناك تقليد مسيحي قديم يفيد بأن مجيء الرب سوف يكون في منتصف ليل الأحد، ربما بالاشارة لمثل العذارى الائي كن ينتظرن العريس والذي جاء في نصف الليل، مثلما يأتي من ناحية المشرق، فقد اشرق علينا في ميلاده وصعد من جهة المشرق وقال الملاك انه ياتي هكذا كما تنظرونه.