عادل نعمان
الوصاية والرقابة والسيطرة على الدواب والبهائم أمر مقبول وجائز، وتقرره المصلحة، وتلزمه الأعراف والتقاليد وأحيانا القوانين، تشرب البهائم وقت وأوان الشرب المقرر، وتأكل وقت الأكل وبكمياته المحددة والمعلومة، وتنام وقت النوم المخصص لها في الحظائر، وعند التزاوج والتلقيح تساق الإناث إلى زرائب الذكور، وينتخب للإناث منهم الفحول الأشداء، أقوياء النسل والسلالة حسب الطلب، اللحم له بهيمة وفحل، وللألبان بهيمة وفحل آخر، هكذا كان يفعل العربى قديما في الجزيرة العربية مع نسائه، وتعرف «بالمباضعة»، وكان الرجل يرسل نساءه إلى فحل من فحول القبيلة من الرجال طبعًا، يضاجعهن ويجامعهن، ويعدن إلى القبيلة حوامل لا يقربهن حتى يضعن، وعادة يلجأ الرجل لعلاقة «المباضعة» عند الكبر والهرم، ويصبح نسله ضعيفًا وخائبًا، فلا يسعفه في الغزو والكر والفر وجمع الغنائم والأسلاب فيميل على غيره، وكان ماله في هذا وفيرًا، وأشرف الأموال، وللإنصاف هذا سلوك بيئى جاهلى. هذا الربط بين البهائم والنساء والفحول والرجال، سحب وجر علاقة الفراش والسرير بينهما إلى المفردات المستخدمة بين البهائم كالركوب، والاعتلاء، والوطء، والدهس، والامتطاء، والرفس، والحزأ، وأصبحوا جميعا في اثنتين «بهيمة وفحل» دون ثالث، ولا يشغله فيها سوى نصفها الأسفل، ومهمتها قاصرة على قضاء شهوة الفحول من الرجال والخلفة، ولا تجد أمة من الأمم قد ربطت بين الإنسان والبهائم كما ربطتها أمة العرب.

واللغة واستخداماتها تختلف من مجتمع لآخر، وهى تعبير صادق عن المجتمع ثقافيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا ولا يجوز ربطه بالمجتمعات واللغات الأخرى، إلا أن إخواننا المتأسلمين مازالوا على عهدهم بلغة وثقافة العرب الجاهليين، ولم يفلت منها تاريخنا الإسلامى، ومازالت النساء مربوطة بذات الحبل إلى ذات «الطوالة» دون فكاك، فهى فتنة وعورة، وناقصة عقل ودين، وكاللحم على الوضم «قطعة اللحم على خشبة الجزار»، وعانية «أسيرة» عند سيدها «زوجها»، وتقطع الصلاة كالكلب والحمار، وأكثر أهل النار، وأكثر خلق الله إخبارا بالفواحش، ومتى رأين البهائم تنزو الذكور منها على الإناث ملن إلى الباءة والمجامعة، وعقد نكاحها عقد رق، والمرأة والمملوك أمرهما واحد، وتعليمها حرام، وهى شؤم كالكلب والدار. يا سادة ليست نساؤنا كهذا النوع من النساء، وليست لغة البهائم هي لغة العصر، ولسنا على ثقافة ولغة الجاهليين نسير ونهتدى بها، بل لنا نساؤنا ولهم نساؤهم، ولنا لغتنا ولهم لغتهم، وعلاقة الفراش لم تعد ركوبا أو اعتلاء أو رفسًا أو دهسًا بل علاقة محبة ومودة ولطف ومبادلة، وليس التحرش الذي نراه وتعج به شوارعنا إلا تحريضًا من بعض المشايخ على النساء، واعتبروه عقوبة على سفورهن، وشجعوا الشباب وشرفوهم بهذا العمل الدنىء، وجعلوه من الرجولة والشهامة، وليس الاعتداء واغتصاب الصغيرات إلا ثقافة سلفية، حين رسخت في عقول الناس جواز نكاح الطفلة الصغيرة «فمن ينكح يغتصب».

وأخيرا في المسلسل الرمضانى السلفى لهذا العام، جاءنا نداء «استر بنتك علشان الناس تصوم»، هو امتداد للغة البهائم والدواب، فمن نحن إناثا وذكرانا حتى نخاطب مخاطبة الدواب؟، وكأننا كما قال «شيخ الإسلام» سنطلب المجامعة في الشوارع إذا رأت الرجال النساء كاشفات سافرات، ومن هذا الوحش الكاسر الذي لا يستطيع كبح جماحه ومشاعره وهيجانه وفرامله، أو يترفع عن الدنايا والصغائر والخطايا وأمور البعير والمواشى؟ ومن قال إن الصوم ترفعه وتحطه أغطية الرأس، وقد قالوا جاءنا في الصحيحين «عن عائشة كان النبى يقبل ويباشر وهو صائم وكان أملككم لإربه»، وعند أحمد ومسلم «كان يقبل في رمضان وهو صائم»؟ ولا فرق في نواقض الصيام إن كانت في حلال أو في حرام، فيفطر من دخل جوفه ماء زلال أو ماء سكر، إلا أن الوصاية على خلق الله قد وصلت إلى منتهاها، حتى أفسدوا حياتنا، وأصبح الخوف من تمام الشعيرة وصعوبة قبولها ومرورها هاجسا ينذر الجميع بالانسحاب منها وتركها، ولم يتركوا للناس متنفسًا ولا مخرجًا ولا عزيمة يؤتها الله لعباده إلا وجدوا السلفيين عندها بشرائعهم وأحكامهم يقيدون على الناس ما وسعه ربهم عليهم، ويغلقون في وجوه الناس أبوابا قد فتحها الله لهم، حتى أغلقوا منافذ الرحمة والفضل على عباده، وبات الناس وأصبحوا على فتاوى، أقرب إلى الخبل منها إلى العقل، فباعدت بين الناس ودينهم، والعباد وربهم، وعلم الله وعلمهم. الصوم إمساك عن الأكل والشراب، فهل نخفى الأكل عن الصائم حتى لا يفتن فيه ويفطر، من أراد الصوم خالصًا لله فلن يفسد صومه أكل شهى أو امرأة عارية، واسألوا المسلمين في بلاد الفرنجة: هل أصبح يستهويهم أو يشغلهم عرى النساء بعد أن ألفوه وتعودوا عليه؟ احترموا عقولنا ونساءنا.
نقلا عن المصرى اليوم