القمص أثناسيوس فهمي جورج
في أعقاب الهجمات الشرسة والمسعورة التي يشنها أبناء المعصية ؛ التي ذبحوا فيها دماء بريئة ضمن جرائم متتالية ؛ و سلسلة ارهاب : التفجيرات والحرائق والأرعاب وقطع الطريق والقتل علي الهوية والمذابح ؛ وتفشي التعصب الاعمي والتعتيم الإعلامي والحكومي .

نجد أنه من اللازم على هيئات المجتمع المدني والكنيسة تكثيف تعاملها ودورها في عمل الدفاع القانوني والمعالجة الإعلامية والتعليمية وخدمات الإغاثة الفورية. فالكل يدرك أن قدرًا من التباطؤ والاذعان هما السبب والنتيجة ؛ فيما يحدث لكم هائل من احداث الخراب المجتمعي بطول البلاد كلها ؛ فالعداوة والجهل الممعن وفداحة الخسائر ، . لن تعالجها حلول جزئية او تحركات وقتية .. لكن لابد من وقفة حاسمة للكنيسة العامة ، حيال هذا الخراب الممعن الذي مرر نفوس الناس وارهق حياتهم بنزيف الفقدان والمظالم . لابد من السعي ناحية الحلول السياسية والامنية غير الديكورية ... و مواظبة العمل والصلاة معا بصراخ .. لتقوية وتثبيت النفوس وتشجيعها ، حتي لا يكون عملنا عاجزًا عن أن يصل بالمضطهَدين والمهجَّرين والمحروقين والمسلوبين ماديًا ومعنويًا إلى الغاية الأهم التي بها يكمن خلاصهم وخلاصنا. إن ما حدث ويحدث في هذه الحوادث البربرية فاق وشابه عصور اضطهاد تم التأريخ لها... وسادتنا وإخوتنا الذين ذبحوا وخُطفوا ونُهبوا وحُرقوا وسُحلوا وترملوا قدموا شهادة واعترافًا وشركة في كأس مسيحنا؛ ترقىَ إلى مستوى اضطهادات كنيسة العصر الرسولي الأول. لذلك مواكبتهم لتعليم الكنيسة الأولى وبرامجها التي أعدتها في زمن الاستشهاد، أمر حتمي ولازم.

كثيرون على مدي زمني كبير حاربوا حروب الرب واستشهدوا وقُطِّعوا واستُبيحت أعراضهم، بيد هؤلاء القتلة الإرهابين تحت شلال من دماء سُفكت في مدن وقري برُمّتها. فواجبنا من نحوهم وواجبهم علينا كأعضاء في جسد واحد يستدعي كل همه ، لأن الشهادة هي أولاً تجاه أنفسنا. أما إذا تغاضينا عنها نكون قد استعفينا عن تقديمها معهم، بالصورة التي دُعينا لتقديمها بها، شهادة حسنة بالأعمال والعطاء ومحبة الخير وتثبيت الأخوة حتى الفلس الأخير.

 

خدمتنا لإخوتنا المأزومين والمضطهدين وضحايا العنفاء، هي ليست وظيفة مؤسساتيه فقط، أو مجرد عمل خيرﻱ أو واجبًا إنسانيًا نقوم به، لكنه في منظورنا المسيحي هو وجودنا وشركتنا وشأننا جميعًا بلا استثناء؛ نقدمه بكل غيرة ولياقة وترتيب وعلم وفاعلية... فهل أحسسنا واستشعرنا كم المخاوف والمخاطر وحبس الأنفاس والمذلة والتحقير التي عاشها إخوتنا ويعيشونها وسط ذئاب مفترسة؟ عَلّنا نعي أن إخوتنا في وسطنا قد دفعوا ثمنًا باهظًا نظير إيمانهم المسيحي، وصل إلى تبديد ممتلكاتهم وهدم كنائسهم ونبش قبورهم. وهم اليوم ليسوا عبئًا أو رقمًا أو وسيلة لإثبات الوجود والمتاجرة؛ لكنهم مستوجبين كل عناية روحية وتعليمية ومادية؛ من أجل شخوصهم وكرامتهم وهمهم في متابعه مسيرة حياتهم...

 

إنهم أسياد لنا لأن الله شاء وجعلهم نماذج وأمثلة لاستمرار الإيمان على خطىَ الذين سبقونا... فلن يكون مبنى الكنيسة الحجرﻱ الذﻱ نبنيه مهما كان فخمًا من معالم رضى الله؛ بل هيكل الله الحي ( ٢ كو ٦ : ١٦ ) شعبه البار الحافظ الأمانة المشرد والمطرود من أجل اسمه، نبكي معهم بإسم المسيح وكما للمسيح... نجوع ونشاركهم كأن لا شيء لنا ونحن نملك كل شيء، نملك بوليصة التأمين الأبدية التي تحفظ لنا نصيب حياتنا فوق؛ حيث الغنى الذﻱ لا يفسد ولا يفنى.

 

وإخوتنا الذين اجتازوا الكرب وذاقوا معاني العدم والطرد؛ فقد أعد لهم الرب مدينه ليست في المنيا ولا في صعيد مصر؛ لكن فوق في المدينة التي لها الأساسات ، ولن يبخَسهم حظهم ، كما لم يبخس حظ لعازر المسكين البلايا.. كونهم فضلوا عار المسيح فعُذبوا ولم يجدوا أين يسندوا رؤوسهم، وقد افزعتهم النيران والمتفجرات ورماد الحطام؛ لكن الله سينظر لمعاناتهم كسِرِّ جحد للعالم وسيعوضهم بإسمه ولقبه وملكوته.

إن كل محتاج هو مذبحنا؛ متي خدمناه وأطعمناه خبز الأرض، ننال الخبز السماوﻱ ودواء الخلاص الأبدﻱ؛ فلا تصبح تعاليمنا مجرد شعارات بل نقدم عطاءًا فائضًا ملبدًا؛ فيعوض لنا الله كل شيء ويزاد؛ وننال نعمه فوق نعمه يصبغها علينا ربنا ورب كل أحد؛ ليقلع بها كل زرع لم يزرعه الآب السماوﻱ، ويمنحنا روح قدسه حتي تمتلئ المخازن السماوية من القديسين.