بقلم : د. مجدى شحاته
الدستور هو القانون الاعلى فى أى دولة فى العالم ، والقانون بطبيعته قابل للتعديل فى أى وقت حيث انه يضع القواعد الاساسية للدولة وفقا لأوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية وقت صدوره ، تلك الاوضاع تتطور وتتغير من وقت لآخر، وهنا يستدعى  الامر اجراء تعديلات دستورية كثيرا ما تحدث فى كل دول العالم ، فهو ليس نصا مقدسا ، لكنه صياغة من صنع البشر خاضعة للتعديل والتغيير .
 
فرنسا وضعت 15 دستورا منذ قيام الثورة الفرنسية وعدلت فيها 16 مرة بغرض اعطاء صلاحيات اكثر لرئيس الجمهورية ، المانيا عدلت دستورها 16 مرة ، وايطاليا 21 مرة وروسيا 51 مرة . وقد وافق مجلس النواب المصرى على مبدأ تعديل الدستور بأغلبية 485 نائبا من أصل 596 نائبا ذلك التعديل الذى تقدم به 155 من أعضاء المجلس . ان التعديلات الدستورية استحقاق تفرضه طبيعة الامور بمصر طبقا للظروف التى تمر بها البلاد ، فهو ملك الشعب يراعى احتياجات وظروف كل مرحلة تمر بها الدولة .
 
وقد تم وضع الدستور الحالى فى فترة مربكة للغاية ويشمل على مواد عديدة يشملها العوار تحتاج الى التعديل والذى كان أحد المطالب الاساسية لثورة 30 يونيو. لقد عقد مجلس النواب على مدار اسبوعين جلسات من الحوار المجتمعى حول التعديلات الدستورية بحضور مختلف القوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدنى واستمعوا للمعارضين والذى لم يتجاوز عددهم عن 16 عضوا من بين 596 نائبا . و دار الحواربكل سعة صدر فى أجواء اتسمت بالشفافية والديمقراطية والحرية . ومن أهم تلك التعديلات أن يسمح الدستور بترشح الرئيس الحالى الى فترتين جديدتين مدة كل واحدة 6 سنوات . لقد أصبحت التعديلات الدستورية فى ظل الظروف الاستثنائية الحرجة التى يمر بها الوطن والدول المحيطة ، واجبا وطنيا وأمرا حتميا للمصريين حيث مرحلة فاصلة حاسمة لا يملكون فيها رفاهية الاختيار .
 
ولابد ان نعى تماما ان الاوضاع السياسية والامنية والاقتصادية والاجتماعية تختلف من دولة واخرى وما ينطبق على دولة ليس بالضرورة ينطبق على باقى الدول . لا أعتقد ان هناك انسان واحد فى مصر لا يساوره القلق على مستقبل الوطن بعد انتهاء مدة الرئاسة الثانية والحالية للرئيس عبد الفتاح السيسي . ان مدة ثمان سنوات ( مدة حكم الرئيس السيسي ) فى حياة شعب عظيم وبناء وطن جديد عانى من التجريف بشتى انواعه عقود طويلة و فى ظل ظروف حرب فعلية تعيشها مصر ضد الارهاب تعتبر فترة غير كافية تماما ، خاصة بعد ثورتين متتاليتين مع مواجهة تحديات لم تشهدها مصر من قبل . ان الوضع الراهن يمكن ان نمثله بدخول انسان مصاب وفى حالة حرجة الى غرفة العمليات لأجراء جراحة عاجلة لأنقاذ حياته من الموت ، وفجأة قررت ادارة المستشفى ان يغادر الطبيب الجراح غرفة العمليات والمريض مازالت جراحه مفتوحة بغرض ان مواعيد العمل قد انتهت ... هل هذا يعقل ؟؟!!
 
الجماعات الارهابية وحلفائها يخشون ويرفضون التعديلات الدستورية ، لأنها تقف حائلا ومانعا أمام السيناريو القديم الذي يدعو  لفتح  باب المصالحة  مع الدولة والعودة الى الوراء حيث نقطة الصفر ، يرفضون التعديلات لانها بمثابة ضوء أخضر للمضى قدما والاستمرار فى الحرب ضد الارهاب وتقسيم الوطن كما هو حاصل فى الدول المجاورة لمصر . 
 
 وكفانا ترديد شعارات جوفاء غير واعية بعيدة كل البعد عن والوقع الذى تعيشه دول المنطقة التى انكوت بنار ما أسموه بالربيع العربى ! تلك المصيبة التى اختلقتها وابدعتها وزيرة الخارجية الامريكية السابقة كونداليزا رايس وأسمتها ( الثورة الخلاقة ) التى تهدف الى اثارة الفوضى والفتن الطائفية وتدمير وحرق دول عربية بعينها من الداخل بأيدى ابنائها بغرض اقامة ( شرق أوسط جديد )  وتقسيم الدول الى دويلات صغيرة منزوعة الجيوش . ونجحت   ( الفوضى !! الخلاقة ) فى دول حول مصر تم تقسيمها وتدميرها. 
 
وجاءت بعد ذلك هيلارى كلينتون وزيرة الخارجية الامريكية السابقة لتستكمل مصيبة ( الربيع العربى ) فى مصر، لكنها فشلت فشلا كبيرا ، امام ارادة ووحدة الشعب المصرى العظيم الذى خرج منه أكثر من ثلاثون مليونا فى القاهرة وحدها يعلنوها ثورة شعبية وليس انقلابا عسكريا كما يدعون فالانقلاب العسكرى لا يعلن عنه مسبقا بعدة أيام مع المطالبة بانتخابات مبكرة !! وما هو الانقلاب العسكرى الذى يخرج فيه اكثر من ثلاثون مليون مواطنة ومواطن مدنى ؟؟ ... بعدها صرحت هيلارى كلينتون فى كتابها الشهير ( خيارات صعبة ) ان قيام ثورة 30 يونيو أفشلت المخطط الكامل لأسقاط مصر وأعلان أول ولاية مستقلة فى سيناء  يوم 5 يوليو2013 والاعتراف بها دوليا لتكون بداية تقسيم الدولة المصرية .
 
ان الشعب المصرى العظيم، له كل القدرة ان يقدم صورة عظيمة ومشرفة لمصر أمام العالم . الدعوة مفتوحة لكل المصريين لمن لهم حق التصويت ، فى مصر وخارجها ، والذهاب الى صناديق الاستفتاء وعدم التفريط فى حقهم الدستورى والمشاركة فى هذا الاستحقاق الوطنى المهم ، فالمواطن هو صاحب الحق الاول فى اقرار تلك التعديلات الدستورية من خلال الموافقة عليها وله نفس الحرية والحق  برفضها .