أضرحة مستطيلة الشكل بُنيت بعناية فائقة، لها من الهيبة والوقار رصيد كبير، وكأن موتاها لا يزالون يعلنون عن أنفسهم ويعرضون جانباً من حياتهم العسكرية، التى نشأوا عليها، وانعكست تلقائياً على قبورهم، التى تصطف بشكل موازٍ طولاً وعرضاً، وكأن سكانها فى حالة تأهب لخوض إحدى المعارك التى اعتادوها قبل الرحيل، تحيط بها مساحات خضراء كبيرة، تزينها زهور بألوان زاهية، لها روائح عطرة ونسيم مميز، يشعر الزائر بأنه داخل منتزه ترفيهى، هذا هو المشهد المسيطر على مقابر الكومنولث، المنتشرة فى بعض أحياء ومحافظات مصر، وأبرزها الموجودة فى أرض الجولف، بمنطقة مصر الجديدة، وتضم هذه المقابر رفات الآلاف من الجنود، ضحايا الحربين العالميتين الأولى والثانية، من مختلف الجنسيات والديانات، ومقابر المسيحيين منهم منقوش عليها الصليب، أما اليهود فنقشت على مقابرهم نجمة داود، وبها ركن خاص للضحايا المسلمين، يقع فى آخر الجهة اليسرى تجاه القبلة، وهم من جنسيات متعددة «الهند، وسط أفريقيا، السودان»، ونقشت على قبورهم الآية «إنا لله وإنا إليه راجعون». رغم مرور 87 عاماً على افتتاحها، قليلون فقط من يعرفون مقابر الكومنولث، ولا يزالون يدهشون عندما يعلمون بوجود مثل هذه المقابر الموجودة فى عدة أماكن فى طريق العلمين بالساحل الشمالى، والإسكندرية، والإسماعيلية، وبورسعيد، والقنطرة، والتل الكبير، ومصر القديمة، وأسوان، تقوم السفارة البريطانية فى مصر بالإشراف على هذه المقابر، التى افتتحت أكتوبر 1941، أثناء اندلاع الحرب العالمية الثانية، وقبلها بدأ تأسيس بعض مقابر الكومنولث فى مصر، فى عام 1917، بعد قيام الحرب العالمية الأولى عام 1914.

 
تعتبر هذه المقابر هبة من المصريين، وتدل على التسامح واحترام أبناء الدول الأخرى، «بييجى أجانب كتير من جنسيات مختلفة يزوروا أهاليهم، اللى له جده هنا أو جد جده ويقعدوا شوية ومحدش بيحس بيهم لما بييجوا خالص بيدخلوا فى هدوء ويقروا عليهم ويدعوا لهم».. بحسب ممدوح عبدالفتاح، مسئول أمن مقابر الكومنولث بمصر، الذى لاحظ أن الزوار من المسيحيين يذهبون إلى صليب ضخم الحجم، يتوسط المقابر، ويؤدون الصلاة والدعاء أمامه، ثم يرحلون سريعاً دون أن يتسببوا فى أى إزعاج.
 
تضم مسيحيين ومسلمين ويهوداً.. و"عبدالفتاح": اهتمام كبير من السفارة البريطانية
 
لا تفتح هذه المقابر أبوابها أمام الأجانب فقط، وإنما للزوار المصريين أيضاً، خلال ساعات العمل بداية من 7 ونصف صباحاً، حتى الثانية والنصف ظهراً، «كتير بييجوا يدخلوا ويشوفوا، وده يعتبر أثر تاريخى إن المصريين يعرفوا تاريخ حروب زى الأولى والتانية العالمية باعتبارهما من أقسى الحروب اللى حصلت فى العالم كله» بحسب عبدالفتاح.
 
«أسماؤهم ستعيش إلى الأبد».. هذه الجملة مدونة على قطعة رخام كبيرة، بيضاء اللون، موضوعة فى مدخل المقابر تستقبل الزوار، وتقف فى واجهة الأضرحة، كأنها موضوعة لتحيتهم، وتضم هذه المقابر رفات 1830 من ضحايا الحرب العالمية الثانية، منهم 1092 بريطانياً، 11 كندياً، 35 أسترالياً، 138نيوزيلندياً، 226 جنوب أفريقى، 85 هندياً، 66 من شرق أفريقيا، 39 من غرب أفريقيا، 35 من أبناء أراضى المفوضية السامية، 1 من مالطا، 2 من تشيلى، 20 سودانياً، 20 فرنسياً، 30 بولندياً، 9 هولنديين، 7 بلجيكيين، 7 يونانيين، 2 من يوغوسلافيا، 1 من الصين، 1 من تشيكوسلوفاكيا، وإيطالى، وجندى مجهول، لم يتم التعرف على جنسيته.