يوسف القعيد
فى الحوار الطويل الذى أجريته مع الأستاذ محمد حسنين هيكل، ونُشِرَ ما سمح بنشره. فى كتابى: عبد الناصر والمثقفون والثقافة، تحدث عن حليم. توقف أمام من غنوا لتجربة عبد الناصر. ومن كانت لهم صلات شخصية به: أم كلثوم، عبد الوهاب، وحليم. كان فى الثالثة والعشرين من عمره عندما قامت الثورة. عمل مدرساً للموسيقى واعتمد مطربا فى الإذاعة قبل الثورة بسنة واحدة. عرفه الجمهور عام 1952 لينطلق ويصبح صوت يوليو.

سألت هيكل عن قرار عبد الناصر ألا يرد اسمه فى أى أغنية عنه. ومع هذا نجد: يا جمال، وناصر، وعبد الناصر فى معظم أغانى حليم.

قال لى: لا بد أن تلاحظ أن الغنوة التى كتبها كامل الشناوى لأم كلثوم.

والتى يقول فيها: وعندى الجمال وعندى جمال. كان عبد الناصر معترضاً عليها. لوجود اسمه فيها. ولكن بعد ذلك المسائل فلتت. لنكتشف أن أغانى السويس لم يكن فيها اسم جمال أو ناصر، مثل أغنية: والله زمان يا سلاحى.

قلت له: ولكن أغنية: قلنا حنبنى وادى إحنا بنينا السد العالى. يرد فيها اسم جمال صراحة.

قال لى هيكل: فعلا وقد وصلنا إلى عبارة كلمة أطلقها جمال. كان ذلك سنة 1960، عندما تم وضع حجر الأساس للسد العالى. والأغنية تم غناؤها. يجب ألا ننسى أنه بعد السويس وبعد السد العالى وبعد الوحدة مع سوريا. أصبحت المسألة طوفاناً. فى البدايات عندما كتب كامل الشناوى الأغنية التى غنتها أم كلثوم.

تحدث ناصر بنفسه مع أم كلثوم. قال لها: أنا ضد ذكر اسمى. فجرى تغيير المقطع وأصبحت الصيغة شبه مقبولة.

وحكى لى هيكل حكاية تقول الكثير عن حليم. الذى منحناه كل الحب الذى كان فى صدورنا. وما زلت أشعر بحنين لصوته وللزمن الذى غنى فيه. كان الرئيس عبد الناصر يعتبر حليم نتاج ثورة يوليو. وصوت الثورة ومطرب الثورة. مرة عمل عبد الحليم حافظ حاجة غريبة لم يعرف كيف يتصرف فيها. وقد واجهها بحيرة كاملة.

كان حليم قد بدأ يسافر للخارج. وأصبح نجما. وكان يسمع أن الرئيس يحب أربطة العنق. حليم فى مرة جاء لبيت عبد الناصر، وأنا – يقول الأستاذ هيكل – كنت موجودا. كان من عادته أن يصل إلى البيت ويجلس مع أولاد الرئيس الذين كانوا فى سن الصبا.

ويثير حالة من الفرح الإنسانى النادر فى كل مكان فى البيت. كان يُزيط ويُهرِّج مع الأولاد. وكان الرئيس يحبه جدا.

دخل حليم على الرئيس وفى يده شي ما. دستة من الكرافتات. وعبد الناصر قال له:

- شوف يا حليم، أنا حاخد واحدة فقط. بس ما تعملهاش تانى أبدا.

قال له حليم: - طيب سيادتك اختار.

قال له عبد الناصر:- أنا حاخد واحدة بالبخت دون اختيار. ويكمل هيكل: حليم كان يمكنه أن يرى عبد الناصر فى أى وقت. لكن لم تكن هناك أى حوارات حقيقية بينهما. على أن لحليم مكانا فى كتابات هيكل عن تلك المرحلة. وحسب ما أمدنى به الصديق خالد عبد الهادى، الذى يحمل فى صدره وفى وجدانه تاريخ هيكل.

فإن هيكل كتب فى كتابه: عبد الناصر والعالم: ذات مساء وبينما الكل فى انتظار الغزو – فى يونيو 1956 - بعد انتخاب عبد الناصر رئيساً لمصر – كنت مع الرئيس فى مقر مجلس قيادة الثورة. فوجدت عبد الناصر يرزع الشرفة ذهابا وإيابا بمزاج معتكر. بعد سماعه أغنية: إحنا الشعب، كلمات: صلاح جاهين وألحان: كمال الطويل. والتى يغنى عبدالحليم فى بدايتها: إحنا الشعب، اخترناك من قلب الشعب.

يا فاتح باب الحرية يا ريس يا كبير القلب. .يا حلاوة الشعب وهو بيهتف باسم حبيبه.

مبروك على الشعب خلاص السعد حيبقى نصيبه...وإحنا اخترناك حنمشى وراك.

يا فاتح باب الحرية يا رئيس يا كبير القلب.

ويصف هيكل كيف تعاملت الناس مع الأغنية:

- ألهبت الأغنية خيال الجماهير. وغنوا والفرحة الغامرة وحرارة التفاؤل تملأ قلوبهم مع حليم. وأخذ كل إنسان يرددها وينشدها مؤمناً بالمستقبل الواعد الذى سوف يتحقق على يدى عبد الناصر. كان حليم قد أصبح أوسع المطربين شهرة.

وتوقف عبد الناصر أمام المقطع الذى يغنى فيه: - ياللى بتسهر لجل ما تظهر شمس هنانا...إحنا جنودك سيبنا فى إيدك مصر أمانة.

توقف عبد الناصر عند: سيبنا فى إيدك مصر أمانة. وقال لى أحسست بشعور غريب وأنا أسمع التعبير: سيبنا فى إيدك مصر أمانة. إن مصر فعلاً فى ظرف خطر وهى فعلاً مرهونة على حسن تصرفنا وعلى شجاعتنا فى المواجهة. لهذا لا بد أن نبذل كل ما فى وسعنا لحمايتها وإنقاذها.

كان حليم – يكمل خالد عبد الهادى - شديد الحب والاحترام لهيكل، ويثق به، كان يذهب لمكتبه في آخر ساعة، وقت أن كان هيكل، رئيساً لتحريرها، ليجري حوارا صحفيا مع الصحفي جليل البنداري، حيث كان يتخوف حليم، من قسوة أسلوب البنداري في طرحه للأسئلة وعندما أقام نادي الأهرام بشارع شامبليون بوسط البلد احتفالا للأستاذ هيكل بمناسبة مرور 25 سنة على عمله في الصحافة.

ودعا علي حمدي الجمّال الفنان عبدالحليم حافظ، وكذلك الصحفي جليل البنداري، وكان الصحفي الوحيد من خارج أسرة الأهرام. وقام عثمان العنتبلي بتقليد جميع زملائه من أول رئيس التحرير حتى أصغر وأحدث محرر أو محررة النياشين! كان أحمد بهجت يختبر معلومات رئيسه في الصحافة. وكمال الملاخ رقص عشرة بلدي!. وغنى حليم بالأحضان ورددها معه جميع محرري الأهرام! ثم غنوا أغنية وحياة قلبي وأفراحه وقام حليم بدور الكورس!.

في شهادته عن شكل الإعلام في عصر عبد الناصر قال هيكل: إنه كان قائما على تحريك الجماهير، بسبب وجود سياسة شعبية قائمة على قوة الجماهير، وتأثيرها الجماهيرى خارج مصر وخارج سلطة عبد الناصر، مما جعل للأغاني قوة حقيقية. باعتبارها أداة تواصل بين الناس والرئيس. هل نقرأ الفاتحة على أرواحهم: عبد الناصر وهيكل وعبد الحليم؟.
نقلا عن الأهرام