مفيد فوزي
-1-
الحق أقول إنى لست طرفاً فيما أرويه من حوادث ندالة، وربما كنت شاهداً، ذلك أنى لم أتعرض كثيراً لهذه الندالة لأنى لا أدخل مناطق «التوريط» التي تدفع الأندال لاستغلال الظروف وارتكاب فعل الندالة، ثم أنى أثق في الأشخاص «على مهل، وأرقب السلوك ولا أعطى ثقتى عميانى». وليس للندالة جنسية. فهى ذكر وأنثى ولا تهم الأعمار ولا تحدها جغرافياً ولا تاريخ فمن الممكن أن يقول المؤرخون عن بعض الأندال إنهم أبطال. وتلك قضية أخرى! والندالة هي الحماقة والانحدار الخلقى غير المتوقع فنحن نتوسم الخير عادة في الآخرين وإن قال أجدادنا «حرص ولا تخون» أي كن حريصاً دون أن تفترض الخيانة، وهذا بالطبع منتهى حسن النية. وعلمنا الأجداد عدم الإفراط في حسن النية. لماذا..؟ لأنها الصيد الثمين للندل! والندالة فعل نسبى فما تتصوره أنت ندالة قد يراه الآخرون شطارة ومهارة وفهلوة. وكما يقال إن النشال أذكى من فريسته، أيضاً فإن الندل أذكى من فريسته! الندالة كفعل تحتاج إلى تخطيط ناعم. سألت مرة فتاة على مسحة من الجمال، لماذا تلقبك صديقاتك بالندلة؟ قالت: الحياة عايزة قدر من الندالة والتعامل مع الرجال زرع في أعماقى الندالة. فأنا أستفيد دون أن يطولوا شيئاً! ولما قلت لها: الندالة انحطاط لأنها تفتقد الأخلاق. ردت: إن يقال عنى «ندلة» أهون من أن يقال «مبتذلة». ووجدتها فرصة لمحاولة فهم «نمط ندالة» فسألتها: هل لديك خطة للاستندال؟ قالت: هناك خطة لكل عمر وهى خطة يصوغها إحساسى والمهم أخرج منتصرة وبأقل الخسائر! قلت: ما حجم المغامرة؟ قالت: أفتقد مذاق الحنان وكلما قابلت رجلاً لديه حنان انجذبت له دون أن أدرى وهنا تتراجع الندالة، ثم أكتشف محاولات السيطرة والمقايضة مما يجعلنى أغادر حديقة الشوك التي تدمينى أحياناً وأدفع ضرائب انجذابى وقد تكون ضرائب باهظة من سمعتى وهنا تتحرك غدة الندالة وأهرب وقد حصلت على مكاسب. قلت لها: ألا تتعرضين لتأنيب الضمير؟ فقالت لى: لماذا تحدثنى بثقافة الأبيض والأسود؟!! ثم أكملت: ما تطلق عليه ندالة أسميه أنا نماسة! قلت: الندالة سفالة! قالت وهى تضحك: دون ممارسة هذه السفالة كان زمانى قاعدة في البيت وحدى أجتر عذاباتى على أرغول! قلت: هل تصنع الندالة «كيان» آخريات؟ ردت: لأكون صادقة: نعم بعض الندالات تصنع الكيان وهذه بنود دستور الوصول في مجتمعات قد لا تهمها الثقافة أو الكفاءة ويكفى أنها «نِغشة وتعشّم»..!!

-2-
* أن تولد في مصر، وتشرب من نيل مصر وتأكل من أرض مصر وتلتحف بسماء مصر ثم إذا خرجت من مصر، تشتم مصر وتحرض عليها فهذا نمط من الندالة السياسية دون أسماء. والفروسية أن تقول رأيك في مصر من داخل مصر حتى ولو خربشت أو تجاوزت فالنظام يسمح بهذا دون تطاول وإلا تعرضت لمحاسبة القانون، ولكن شتيمة مصر من خارج الحدود هي «عمالة وندالة».

* أن تؤتمن على أسرار ثم تذيعها على مواقع التواصل وبطريقة فجة وتنشرها بأسلوب وكالات الأنباء فهذه ندالة، لقد كان محمد حسنين هيكل مخزن أسرار ثورة يوليو وكان يعلم بخبر تأميم القناة وأسرته الفاضلة لا تعلم، ولهذا احتفظ هيكل بثقة عبدالناصر في الزمان الشمولى.

* هناك من تساعد رجلاً على الوقوف على قدميه والنجاح المادى والمعنوى وبدلاً من أن تجنى ثمار مواقفها، يكون أول من يرميها إذا ظهرت في الأفق سكرتيرة مدربة على معاملة المرؤوسين وهذه ندالة ذكورية!

* هناك من تساعدها وتعلمها وتثقفها حتى يعترف بها المجتمع فتبحث عمن يقدم لها شقة وعربية ويلحقها بعمل تكسب منه ما لم تحلم به وهى- بهذا المنطق الاستغلالى- ندلة مائة في المائة بل «غدة ندالة».

* هناك من كان متواضعاً «تواضع العشب» على حد وصف غادة السمان للروائى السودانى الطيب صالح وكان محدود الدخل ومحدود الموهبة ثم ابتسمت له الحياة ذات منصب وصار له حسابات بنكية وخدم وحشم وسيارة فارهة وفيلا في الرحاب وارفة الظلال فانقلب كالوحش، الطمع سيده والنساء الجميلات غايته والوصول للأعلى مأربه، ذلك ينطبق عليه قول أحمد بهاء الدين «يكشف الرجل ثلاثة: المنصب والمال والمرأة». وبهذا المنطق، تطل الندالة من سلوكياته فيتنكر تماماً للأصدقاء القدامى وتتغير أخلاقه طبقاً لأوضاعه الجديدة وتسرى الندالة في عروقه، يحل التكبر والاستعلاء محل التواضع وتتغير مجتمعاته ويتكلم من أنفه فإذا ما راقبت سلوكياته، بصقت على الزمن كما كتب يوسف السباعى يوماً قصة بهذا المعنى ونفس الكلمات!

* حين تتصادق امرأتان (!) إحداهما متزوجة ثم تسرق صديقة العمر الزوج فيطلق زوجته وتحل الصديقة زوجة ويكون أول فرماناتها هو عدم دخول مطلقته البيت، فهذه ندالة على أصولها «من المصنع رأساً»!!

* حين يتزوج الابن فتاة من أسرة تملك مالاً وسلطة وترفض استقبال أهله «البلدى» في المنتجع ويرضخ الابن لقرار زوجته، ويذهب إليهم في حى الشرابية، فيسمموا بدنه لانصياعه، فالابن من أجل العز المفاجئ صار يضرب بندالته المثل، والزوجة المتسلطة عند تحليل دمها عثر على كثير من الأنانية والندالة.

* حين يضحك شاب وسيم الطلعة على بنات صغيرات ليس لهن تجارب ويخدعهن باسم الزواج ويقيم علاقات متعددة ويهرب قبل انتشار الفضيحة، فهو في الواقع الفضيحة ذاتها والندالة دائمة الجريان مع كرات الدم الحمراء!

-3-
لاشك أن الحياة ثنائيات، الليل والنهار، والأبيض والأسود والشتاء والصيف والسعادة والتعاسة وربما أضيف إلى هذه الثنائيات، الفروسية والندالة!

نعم إنه من الندالة أن «أشتم» من كان بالأمس كبيراً.. وهوى.

نعم إنه من الندالة أن «أتنكر» لأستاذ منحنى الفرص للنجاح.

نعم إنه من الندالة «الاستعلاء» على من علمنى حرفاً.

نعم إنه من الندالة أن «أعادى» أمى من أجل قيراطين أرض في ميراث.

نعم إنه من الندالة أن «أشتم» الزوجة بأقذع الأوصاف أمام الأولاد.

نعم إنه من الندالة أن «أنتصر» للزوجة ضد الأم عمال على بطال.

نعم إنه من الندالة أن أقسو على ابن زوجتى وهو «ليس من صلبى»، فمن يعطف عليه سواى؟!

نعم إنه من الندالة أن «أرمى» صديق العمر في السجن بسبب شيك دون رصيد وتراكم ظروف.

نعم، إنه من الندالة استغلال إنسان كفيف أو معوق والضحك عليه بسبب الإعاقة.

نعم إنه من الندالة أن يعتدى مصرى على إعلامى مصرى حين يزور الرئيس أمريكا وتطل أحقاد الإخوان الأشرار.

نعم إنه من الندالة تهديد تلميذ بإفساد مستقبله ما لم يأخذ درسا خصوصيا رغم تجريم الدروس الخصوصية.

نعم إنه من الندالة عرض قطع غيار تحت السلم وتعريض أصحاب هذه المركبات للموت.

نعم إنه من الندالة بيع بعض الصيدليات أدوية نفد تاريخها وزمن صلاحيتها لأميين لا يقرأون.

نعم إنه من الندالة بالبناء بأسمنت مغشوش دون رقابة، إنها عمارات الموت المحقق.

-4-
لعل أبلغ صور الندالة- فيما أتصور- هي عندما «تعلى العين على الحاجب».
نقلا عن المصرى اليوم