مئوية مدارس الأحد - ورقة دراسية للمؤتمر العلمي / ١٦ نوفمبر ٢٠١٨ - بحضور قداسة البابا تواضروس الثاني في المركز الثقافي القبطي بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية
 
ان المؤتمر العلمي لمئوية مدارس الأحد لهو عيد وعرس يحتفي فيه بحصاد الأزهار والأثمار والأقمار .. مؤتمر وفاء للرواد والأعمال التي زينت رحلة الكنيسة امنا أم الاولاد الفرحة ..الشكر واجب لقداسة البابا تواضروس الثاني لرئاسته وحضوره هذا المحفل البهيج ؛ وايضا الشكر لأبينا الأنبا دانيال رئيس لجنة الاحتفال وسكرتير المجمع المقدس وكذلك لأعضاء اللجنة الاحتفالية .
 
بقلم القمص أثناسيوس فهمي جورج
تأتي فرادةُ مدارس الأحد المحتفي بعيدها ، كونها هي مدرسة الكنيسة؛ لذا نهجها جعلها هي المدرسة الأولى - والأولية - لتنشئة الغروس الجدد . لأجل ذلك صارت مهمتها وعملها أن تحتضن كل النشئ في مراحلهم السنية المختلفة ، " كلهم" وليس بعضهم وليس أغلبهم . مهمتها تربية "كل" أولاد الكنيسة في كل مكان . تتعهد الغروس منذ الولادة الجنينية من رحم معمودية الكنيسة ( جُرن الثالوث ) ليجعلوا من غير المنظور سرائرياً منظوراً ؛ وهي عملية مستدامة تستغرق العمر كله. ++ وفق العملية التربوية الكنسية ( نقل المعرفة : التعليم والتسليم الكنسي ___ التفاعل " الحياة " : التلمذة والعشرة والليتورجيا والشركة ) .
عمل مدارس الاحد هو تربية الروح والعقل -- غرس / سعي وتشكيل/ وتدريب / وتذوق بيقين الإدراك والعشرة .
وهنا لا بُد أن نؤكد على أنها مدرسة الكنيسة وكنيسة المدرسة ؛ فكما أنها ثمرة الكنيسة نقول أيضا ؛ انها كما تقيمها الكنيسة هي كذلك تقيم الكنيسة . ( الكنيسة هي التي تقيم التربية الكنسية / والتربية الكنسية تقيم الكنيسة ) . فالكنيسة هي الوسط التربوي هي الأم المربية . لذلك أكدت مدارس الأحد علي أنها ظاهرة اكليسيولوجيا بمعني انها ليست (((نظريات مدرسية )))) فهناك فرق بين المدرس والخادم ( باسون وبايوت ) انها خدمة ترقية الحواس ليتورجيا و نضوج وتسليم وقدوة learning by doing وفق خبرة مربية .
 
+ مبدأ التعميم في مدارس الاحد وضرورة تحقيقه وحتميته (أي أنها ليست اختياراً ؛ لكنه إلزاماً لحياتها . فهي ليست لجماعة مختارة لكنها للجميع ) ؛ هذا الامر لا يخلو من صعوبات واحتياجات تبقى ماثلة في الواقع أمام عمل الكنيسة التربوي والمركزي كمّاً وكيفاً؛ وهي الرؤية الاستشرافية والآمال التي تدفعنا للتطلع إلى مستقبل أفضل بعد هذه المئوية .
 
اليوم لدينا محصِّلة كنوز لخبرات متراكمة شكلت واقعنا بل وحياة الأقباط وكنيستهم في القرن الواحد والعشرين. التربية الكنسية لم تبدأ بنا؛ لكننا اغتنينا برؤيتها وقيمها ومناهجها وبرامجها ومطبوعاتها وأنشطتها بكل تفريعاتها؛ والتي تسلمناها بل وتشربناها في تنشئتنا نحن؛ وما عاينّاه في روادها المخلصين لمسيحنا وكنيستنا ؛ وفي وفائهم لليتورجياتها وعقيدتها وتاريخها وآبائها ورعايتها ونسكها وروحها وأخلاقياتها المعاشة؛ ولولاها ولولاهم ما كنا نحن هنا الآن ؛ ولا أكون مزايداً إذا قلتُ ما كان بقاؤنا هكذا؛ ولا كان ذلك كذلك . فنحن نقتفي آثار الأقدمين وشعلة تضئ شعلة وشمعة تضئ شموع .
 
مدارس احد الأقباط التربوية التنويرية بُنيت على التربية الكتابية - الابائية - الليتورجية -النسكية - اللاهوتية ؛ فانصبَّت المجهودات في التعليم وفي التربية على ما اتخذ وصار فيما بعد نظريات تربوية علمية متخصصة ... لأن المسيح المعلم وأُمومة كنيسته سباقة وسابقة للنظريات المتخصصة .فنحن على الطريق ونأخذ بأسباب العلم فيما أثمرته المنجزات البشرية من تحديثات؛ لكن أيضاً بعين التفاؤل أقول إن لدينا مخزون خبرات معاشة حياتية غنية جداً ، رصدناها من واقعنا وهي تغذي التنظير كما أن النظرية تقوي الواقع وتُثريه . فالعمل التربوي القبطي الخدمي التطوعي الذي لأجيال قرن من الزمن لهو ثري جداً؛ وبنك بنوك أغنى الخليقة بأبناء هذه المدرسة الكونية . (( طوباك يامدارس الأحد/ الرب عن يميني والطفل يساري )).. انه نشيد ردده تلاميذ القديس حبيب جرجس عندما خدموا النشئ كأشابين مساعدة . ويكفي أن نفتخر بأن العلامة كلمنضس السكندري من القرن الثاني ومن قبله بنتينوس تكلموا علي التربية والمربي وعن الأخلاقيات والفلسفة ودورها في معالجة الواقع والثقافات السائدة . لان الفيلسوف الحقيقي هو ابن عصره ..ومدارس الأحد في رحلة تطورها التربوي سارت كما في السماء كذلك علي الارض ( الجغرافيا ) اما في التاريخ فسارت كما كان هكذا يكون ....( هنا والآن ) في اصالة المعاصرة. فالتربية الكنسية( تربية كلية تشمل الإنسان كل الإنسان فهي لا تنحصر في فصل ومعلم :شاملة + الأخلاقيات morality +الأسرة family+ المجتمع specialisation ). """ الوسط الكنسي هو الرسالة لان النمط المدرسي فشل وحده أن يصنع مسيحيين مثمرين لبلوغ قياس قامة روحانية ملئ المسيح المربي والمنمي الأول.
 
+ التحديات اليوم تمثل ما طال أمدُهُ من بعض الطرق التقليدية الجامدة في مواجهة ما تعمقت جذوره من اقتناص طائفي وشكوك إيمانية وإلحادية وصعوبات آنية استجدت نتيجة الإعلام الحديث ووسائل الاتصال او وسائل الانفصال والانحدار بأنواعها والتردي الاخلاقي والمادي والاستهلاكي وعلامات الأزمنة ، غير أن معظم هذه التحديات يرتبط بعلاقة التفاعل المرتبطة بالآتي:-
 
١- تكوين وإعداد الخادم ألتقي العارف و المتكامل
 
٢- المناهج الموضوعة ومواءمتها بعيدا عن اللغة الخشبية التقليدية .
 
٣- العملية التعليمية وتحديثها ؛ بعيداً عن التلقين والسذاجات التي لا تتماشى مع ذهنيات الحداثة . بالماضي نختزنه خبرات ؛ والحاضر نرصده احتياجات ؛ والمستقبل نستشرفه طموحات مرجوه .
 
٤- الأنشطة النوعية وتهديفها؛ حتى لانستكمل العجز الروحي بمجهودات ترفيهية اجتماعية لا تصبّ في الهدف المركزي الذي بُنيت وتأسست عليه مدرستنا . ( مدرسة الحد ) ؛ ويكون تجديدها كالقديم في جدته وارثوذكسيته .
 
وهنا لا بد لنا من وقفة للدراسة والتقييم نحو ما هو قائم ليزرع الأمل في خدمة مستقبل أفضل، إذ أنها خطوة تمكِّننا من أن نبني عليها ونتقدم بها إلى الأمام، ونجدد أيامنا كالقديم . تجديدنا في أن لا تشييء التربية الكنسية؛ فهي ليست شيئاً؛ لكنها تسليم حياة ( غرس / تكوين / شركة إيمان حي / أخُوَّة / نضج ...) لذلك التربية الكنسية القبطية..لابد لابد أن تتحقق مرحليا وتراكميا process (١) أنماء المعني والدلالات fully meaning (2((الاختبار تعالي وانظر come and see 3) الاستجابة synergies 4االيقين والإدراك religion of adults ..
 
لا شك أن المئوية الأولى زاخرة بالتاريخ الرصين وبخبرات ثمينة أثرت الجَنْبات الكنسية بالطاقات الروحية والقامات والأعمال والأشخاص التي أغنت حقول الكرازة والتعليم والرعاية والحضور القبطى، لذا هي أساسنا ورصيدنا الذي به نُبدع باستشراف مستقبل متجدد لأجيال ما بعد المئوية؛ فنبلغ ما بدأ يوماً حُلماً بعيداً ، تحقيقاً لرُؤىً طموحة مستطاعة في المسيح يسوع .
 
بدء هذه الرؤى التربوية ينطلق من تحديد الواقع وتشخيص أُطُره التحليلية ، لتكون منهجيات التقييم هادفة إلى معالجة للبنود التي تُحدث النقلة المرجوة والمناسبة لمواكبة الاحتياجات المعاصرة في خدمة التربية الكنسية للقرن الحادي والعشرين، هادفين "الجودة والإتقان المدروس والمترابط الخيارات" في تحقيق تقدم نوعي وكمّي وفق رؤية كلية (استراتيجية)، تبحث في تكوين الخادم المناسب وتمكينه فيما يوكَل إليه، ثم وضع المناهج اللائقة حسبما استجد من تعليقات وتحديات وتساؤلات، وعقليات الأجيال (هنا والآن)، ثم تحديد العملية التعليمية لتكون زاهية وغير رتيبة ولا تلقينية، بعيدة عن الطريقة التي لم تعد بعد متفاعلة مع جو الحداثة والطفرات المحيطة بنا ، في إيقاعها المتسارع. ثم تهديف الأنشطة وضبط إيقاعها ليصب مردودها في البناء الكنسي اللاهوتي والليتورجي الذي لا يتوقف عند الأبعاد الترفيهية والاجتماعية .
 
هدفنا التربوي لا غاية له إلا "خلاص وربح النفوس"، في عمل يسعى إلى "كَنْسَنةَ العالم" لا إلى "عَلْمَنَة الكنيسة"، وانطلاقاً من ذلك يتم إعادة النظر الشامل في المؤسسة التربوية التعليمية الكنسية، بما يجعلها مؤسسة لائقة بمجد الماضي الممتد، من حيث إدارتها وقيادتها وصيانتها، وهيكلتها وأدوات توصيلها ونجاحها، ليستمر تهديفها في زمن تقنيات عالية ومبهرة، فلا يمكن أن نتقدم إلا بإعادة تجديد أركانها حسب المتغيرات الحادثة، حتى تقدم منتجاً حياً طازجاً يشبع الجيل، أي تكون "بنت عصرها" كما كانت في عهود بدايتها منذ التأسيس على يد القديس الأرشيذياكون حبيب جرجس، وصَحْبِهِ وتلاميذه؛ وما تم من إثراء وتطوير أغنى عطاءها .
 
حقيقة إن مدارس الأحد هى رئة وعقل الكنيسة وأساس بنيتها التحتية والتي عليها ينطوي دور الأشابين والأسرة وبناء الأطفال والفتيان والشباب والكبار، ثم الاكليركيين والمكرسين والدارسين والرهبان والكهنة؛ بلوغاً بالاساقفة والمطارنة الأحبار، لذلك تحديثها وتقنينها ومَأْسَسَتها تربوياً يأتي بثمار ثلاثين وستون ومائة، لكنه لن يتم بالأهواء والمبادرات أو كيفما اقتضى، لكن وفقاً لرؤىً تجعلها خلية أقراص النحل المتكاثر . وعلينا أن لاتنسي ابدا ريادة وعظمة ومبادرة البابا كيرلس الرابع ابو الإصلاح ودراسة البابا يوساب الثاني اللاهوتية وريادة البابا كيرلس الخامس والقديس حبيب جرجس وأخذهم باسباب العلم ومنهجياته المتخصصة . تلك المسيرة التي استكملها البابا المعلم انبا شنودة الثالث والعلامة أنبا اغريغوريوس والشهيدأنبا صموئيل والمؤرخ انبا يؤانس وأنبابيمن و القمص بيشوي كامل ود. سليمان نسيم أعمدة وعلماء مدارس الاحد في هذا القرن .
 
هذه الرؤى تنشطها وتحفظها من الترهُّل بعد تقوية الأركان الضعيفة وبعد سد الفجوات بين ما هو واقع وما هو مرتجىَ ومأمول، هنا لا نقصد الخطط غير المفعَّلة التي تجعلنا مجرد بنك كلام لا يحرك ساكناً للواقع بمستجداته وتحركاته المستمرة والسريعة الإيقاع بل اتخاذ حزمة من التدابير اللازمة حقاً؛ والتي نجسُّها ونرصدها؛ فتصبح مدارس التربية الكنسية مناسبة للحاضر في القرن الواحد والعشرين ..ثرية وصانعة للشخصية القبطية الكنسية والوطنية المتفردة الوعي بهويتها وحضورها وشهادتها ، هذه الحزمة نحلم بها ليبدأ عملاً ينطلق من هذه المئوية الاحتفالية؛ لتكون في ثوب جديد لائق بمتطلبات الجيل؛ سواء في الداخل أو المهجر وفق خبرة إحصائية احترافية لمكونات المؤسسة التعليمية وتحديد منهجياتها وبياناتها ومؤشرات أدائها الكمّي والكيفي.. وفقا لرؤىً وفلسفة تربوية تتشبه بالعربة الرومانية المعروفة (كوادريجا) quadriga التي لها عجلتان وتسير بأربعة خيول : التعليم (المعرفة)؛ الروحانية (الخبرة العملية)؛ أخلاق الإنسان الجديد (السلوك) ؛ الوجدان (تكوين الهوية القبطية)؛ لأن مدرستنا أرثوذكسية = مستقيمة العقيدة؛ وأرثوبراكسياορθοπραξία = مستقيمة الحياة ... فالإيمان الحقيقي يُثمر حياة صادقة بالقول والعمل . وهو استمرار حياة كنيستنا وحيويتها من الآباء للابناء وللاحفاد وللائتين من بعدنا .فلم تزل كلمة مدارس أحد كنيستنا تنمو تثبت وتعتز الي مجيئه الآتي والممجد .