بقلم القمص أثناسيوس فهمي جورج
عاش أنبا أثناسيوس فقيراً جداً لا يملك شيئاً، وكل مَن اِطَّلع على حياته يجد نذور الكفاف والعفة وفقر الاختيار وحفظ عهود الرهبنة وقوانينها. فكان راهباً ناسكًا غير معجب بنفسه؛ ملازماً للكلمة الصادقة التي بحسب التعليم. وأُنموذجًا للأسقف الكنسي "صورة الآب السماوي"، إنجيلياً روحانياً ولاهوتياً منهجياً وراعياً واقعياً، وأبًا قائداً؛ صنع مدرسة من القادة، شغلوا مواقع ريادية في العمل الكنسي المعاصر. مؤسساً لخدمة متكاملة؛ بناها على معرفه التقوى وبرهان الروح والقوة. لذا تتلمذتْ له أجيال من المكرسين والخدام والرعاة في كل أنحاء الكرازة المرقسية.
 
أحب الليتورجيا وقدم أعظم مثلٍ لليتورجيا ما بعد الليتورجيا في أعمال الدياكونيا والتوزيع والافتقاد والتنمية والرهبنة العاملة، محوِّلاً إيبارشيته إلى خلية نحل وورشة عمل دائمة ودائبة في الكيان الإلهي الكنسي الحي بالشركة في خدمة كيان البشر كسامري صالح . 
 
وبالرغم من ذلك؛ كان حضوره هادئاً رزيناً، لكنه أيضاً فاعل ومرهوب من دون ضجيج أو بهرجة، مرتقياً بتلاميذه؛ جاعلاً منهم شركاء معه في العمل والتدبير والرسالة على مستوى حضاري لاهوتي راقي وواقعي .
 
إنه بحق رجل المؤسسات الكنسية المبنية على أساس لاهوتي وعلى نور الإنجيل في واقعية آبائية؛ تعبُر إلى الذين في الشتات لتُعِينهم.. فكان له دوره الكبير والريادي في الأعمال الموسوعية والتنموية؛ والعمل المسكوني والدياكوني والاجتماعي المعاصر . عاش غريباً في هذا العالم، معطياً المثل لكل الرعاة بحياته وقدوة سيرته ونسكه الصحيح، فلم يجمع ويبنِ كأداة للتعبير عن كيانه وشخصه، لأنه اختبر أن كيانه ووجوده آتٍ ومتطلع إلى كمال حياة الدهر الآتي، لذلك لم يعتمد مَفَاخر الإنجازات لتكون جوهر عمله الرعوي؛ لأنه كان يستمد وجوده الكياني من شركته الإفخارستية ومن إلتصاقه بأعضاء المسيح المطروحة والمعذبة؛ ومن تقواه ومخافته وخدمة محبته الكونية universal .
 
كان أيضاً فيلسوفاً في ترابط الإنسانية والكنيسة في صورتها الجامعة والخادمة.. لذا صار رائداً في خدمة التفسير والتكريس والتدريب والتكوين وتربية النشئ ورعاية المغتربين والمهاجرين وجامعي القمامة "الزبَّالين "غير مبتغٍ أيَّة وجاهة أو صدارة.. فقد قال لي ذات مرة "أن نصيب من يخرج للحرب كنصيب الجالس عند الأمتعة"، وقال أيضاً "إن العبرة ليست في عدد الوزنات لكن فيمن تاجر بها وربح" فالكل من أجل رب واحد؛ له وحده أن يزيد.
 
عاش أنبا أثناسيوس ثابتاً على الدوام في الحق الحاضر، كرجل الإنجيل والكنيسة والتفسير والمبادئ المُعاشة بصمت عامل وعمل صامت.. مرتفعاً فوق الأحداث والمصاعب. وقد أرسل الله هيبته أمامه وعمل بسيرته التي تتكلم حتى اليوم تذكاراً وتمجيداً لعمل الثالوث القدوس الممجد الآن وكل أوان.