الأقباط متحدون - صفحات من تاريخ الدم
  • ٠٥:٣٦
  • الخميس , ٧ مارس ٢٠١٩
English version

صفحات من تاريخ الدم

سامح جميل

مساحة رأي

٠٩: ٠٩ ص +02:00 EET

الخميس ٧ مارس ٢٠١٩

مقتل الخازندار
مقتل الخازندار

كتب: سامح جميل

فى صباح يوم 22 مارس 1948، خرج أحمد بك الخازندار، رئيس محكمة استئناف القاهرة، من منزله بحلوان، ليتوجه - كعادته كل صباح - إلى محطة المترو،فيستقله حتى نهاية الخط فى محطة باب اللوق، وينتقل منها إلى مكتبه الذى كان يقع فى المبنى الذى تشغله الآن محكمة جنوب القاهرة الابتدائية بميدان باب الخلق.. ولم يكن قد مضى على نقله من الإسكندرية، حيث كان يعمل، إلى القاهرة سوى شهور قليلة.
 
وما كاد الرجل يغادر باب منزله حتى تقدم منه حسن عبدالحافظ - أحد أعضاء الجهاز الخاص لجماعة الإخوان المسلمين - وأطلق عليه ثلاث رصاصات لم تصبه، مما اضطر زميله محمود زينهم - الذى كان مكلفاً بحماية ظهره - للتقدم لإتمام المهمة الشرعية المقدسة التى صدرت لهما الأوامر بتنفيذها، ولأنه كان مصارعاً مفتول العضل، فقد نجح فى إيقاع الضحية، وأفرغ فيه طلقات مسدسه، وانسحب الاثنان حيث كان مقرراً أن يعودا إلى المسكن الذى أمضيا فيه الليلة السابقة، ويقع فى ضاحية حلوان نفسها، وهو مسكن عبدالرحمن السندى،قائد التنظيم الخاص، ورقم واحد فيه بعد المرشد العام للجماعة ورئيس مجلس إدارته حسن البنا.
 
لكن مصادفة سيئة أربكت خطة الانسحاب، إذ كان صاحب محل العجلاتى القريب من بيت الخازندار يفتح دكانه حين وقعت جريمة الاغتيال، وسمع استغاثة زوجته، فانطلق بإحدى دراجاته إلى قسم شرطة حلوان، فى الوقت الذى وصلت إليه- بمصادفة أكثر سوءاً - سيارة ترحيلات لنقل بعض المحتجزين به إلى النيابات المختصة، فانطلقت على الفور، وهى تحمل القوة التى جاءت بها، للبحث عن الجانيين، فأجبرتهما على تغيير خط سير انسحابهما واضطرتهما إلى اللجوء إلى جبل المقطم، بدلاً من بيت السندى، وأصيب أحدهما برصاصة فى ساقه عرقلت حركتهما داخل الجبل،وانتهت المطاردة بالقبض عليهما.
 
وكان وراء قرار النظام الخاص لجماعة الإخوان المسلمين بقتل رئيس محكمة استئناف القاهرة، حكم قضائى أصدره بحق اثنين من أعضاء
 
التنظيم، هما حسين عبدالسميع وعبدالمنعم عبدالعال، كانا قد ضبطا متلبسين وهما يحملان قنابل ليلة 25 ديسمبر 1946 التى شهدت القاهرة خلالها موجة من التفجيرات العشوائية
 
فى بعض أحيائها، وحكم على الأول بالسجن خمس سنوات وعلى الثانى بالسجن ثلاث سنوات، وهو ما أثار غضب قيادة التنظيم، خشية أن تؤدى مثل هذه الأحكام
 
إلى تثبيط حماس أعضائه لتنفيذ ما يصدر لهم من تكليفات للقيام بعمليات مماثلة.. فقررت أن تبعث برسالة دموية إلى رجال القضاء، خلاصتها: إما أن تحكموا ببراءتنا.. 
 
أو نحكم بإعدامكم!وعلى غير ما توقع الإخوان المسلمون، أثارت العملية حالة من السخط بين رجال القضاء، واستغلتها الأحزاب المعارضة للإخوان للتشهير بهم، وأدت
 
فضلاً عن ذلك إلى أزمة عنيفة بين المرشد العام للجماعة، وبين قائد التنظيم الخاص، إذ كان المتفق عليه بينهما أن الرئيس الأعلى للنظام هو حسن البنا، وألا ينفذ السندى 
 
أى عملية، قبل استئذان المرشد والحصول على موافقة صريحة منه، واعتذر السندى بأنه سمع المرشد يقول عندما بلغه الحكم الذى أصدره الخازندار ضد أعضاء النظام: 
 
ده راجل يستحق القتل، فاعتبر ذلك أمراً بقتله، ولم ير ضرورة لإعادة عرض الأمر على المرشد، وكان من رأى البنا أن اغتيال الخازندار يثير القضاء على الإخوان، فضلاً عن أنه
 
غير جائز شرعياً، لأن من حق القاضى أن يخطئ، وجرى البحث عن حل شرعى للمشكلة، بأن تدفع الجماعة دية لأسرة القتيل، وفضلاً عن أن البحث انتهى إلى أنه حل غير عملى
 
، ويمكن أن يعتبر بمثابة اعتراف بمسؤولية الجماعة عن الجريمة، فقد اقتنعت الجماعة بأن الحكومة قد قامت بالواجب الشرعى نيابة عنها حين قررت لأسرة القتيل معاشا
ً استثنائياً وتعويضاً.وقبل أسبوع واحد من صدور الحكم بمعاقبة قاتلى الخازندار بالأشغال الشاقة المؤبدة، ضبطت الشرطة - فى 15 نوفمبر 1948 - سيارة جيب تحمل 
أوراقاً وأدلة، تكشف عن أن جماعة الإخوان المسلمين تدير جهازاً خاصاً لممارسة عمليات الإرهاب، تختار أعضاءه بعد توقيع الكشف الطبى عليهم، وتلحقهم بمجموعات يتدربون
 
فيها على إطلاق الرصاص وصنع وإلقاء المتفجرات وقسم للمخابرات يجمع المعلومات عن الأهداف المطلوب تفجيرها، ويتلقون دروساً فى تنفيذ مراوغة المحققين، وتشعب
 
التحقيق، وقبض على كل القادة التنفيذيين للنظام، وعلى رأسهم عبدالرحمن السندى، وكان رد الفعل المباشر على ضبط السيارة الجيب، هو قرار الحل الأول لجماعة الإخوان 
 
المسلمين، الذى أصدرته حكومة النقراشى فى 8 ديسمبر 1948، وردت عليه الجماعة باغتياله بعد عشرين يوماً من صدور القرار.وبعد أسبوعين آخرين، واصل الجهاز الخاص 
 
غزواته الجهادية المظفرة، فتوجه أحد أعضائه وهو «شفيق أنس» صباح يوم 12 يناير 1949، إلى مكتب النائب العام بمبنى محكمة الاستئناف بباب الخلق، وقدم نفسه 
 
للعاملين بالمكتب، باعتباره وكيلاً للنيابة بالأقاليم، جاء ليعرض على سيادة النائب العام بعض التحقيقات العاجلة، وبعد دقائق استأذن منهم للخروج لتناول الإفطار، وترك
 
طربوشه والحقيبة التى يحملها.ولولا أن أحد العاملين بالمكتب لاحظ أنه خرج مهرولاً، فَشَـكَّ فى محتويات الحقيبة، وقام بمعاونة زملائه، بإخراجها إلى الشارع، لتنفجر بعد دقائق ،وانفجرت فى مكتب النائب العام، وأحرقت أوراق قضية السيارة الجيب وغيرها من قضايا الإرهاب، وقتلت كل من كانوا بالمبنى من قضاة ووكلاء نيابة ومتقاضين!!