الأقباط متحدون - رؤية ورأى حول التعديلات الدستورية
  • ١٧:٠٤
  • الاثنين , ٤ مارس ٢٠١٩
English version

رؤية ورأى حول التعديلات الدستورية

د. مجدي شحاته

مساحة رأي

٣٠: ٠٩ ص +02:00 EET

الاثنين ٤ مارس ٢٠١٩

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
كتب : د . مجدى شحاته
لست من هواة ترقب الاحداث وتصيد المواقف للكتابة عنها والمزايدة أو المتاجرة بها . والكتابة عندى ليست مجرد طاقة مخزونة من الفكر تخرج فى صورة مجموعة من العبارات والكلمات ، لكنها رسالة سامية راقية ، لخدمة القارئ والمجتمع اولا واخيرا ، من خلال رؤية ورأى ، والتعبير عنهما فى هدوء مع احترام الرأى الاخر . أكتب كمواطن مصرى حر، لا ينتمى الى جماعة أو ائتلاف او حزب او تيار سياسى ، ولكن أكتب من منطلق انتمائى الوحيد لمصر وفيه كل فخرى واعتزازى .
 
الدستور هو القانون الاسمى فى الدولة ، والذى يشمل مجموعة من القواعد والمبادئ الاساسية ، التى تحدد شكل الدولة وحكومتها ، ونظام الحكم فيها وطبيعة السلطات واختصاصاتها ، والعلاقات فيما بينها وحدود كل سلطة ، كما يوضح الواجبات والحقوق الاساسية للأفراد والجماعات . ولما كان الدستور وثيقة من صنع البشر، وليس نصا مقدسا ، تصنعه الدول لتنظيم وتحقيق مصالحها . لذا فهى وثيقة قابلة للتعديل سواء بالاضافة او الحذف او التبديل لتواكب التغييروالتطوير الذى يمكن له ان يحدث فى المجتمع وفقا لمقتضيات الحاجة والظروف ومصالح الدولة خاصة من النواحى الامنية والاقتصادية . 
 
تقدم اكثر من خمس عدد نواب البرلمان المصرى ( 155 نائبا ) بطلب للموافقة على اجراء بعض التعديلات الدستورية وفقا للمادة226 من الدستور . وقد وافق مجلس النواب بأغلبية أعضائه على التعديلات بموافقة 485 نائبا ، واحالة التقرير الى اللجنة الدستورية والتشريعية فى البرلمان لدراستها ثم عرضها على البرلمان للتصويت النهائى . واذا تمت الموافقة بأغلبية الثلثين من أعضاء البرلمان ، يحدد موعدا لأستفتاء الشعب المصرى . ومن ثم اذا استخدم الشعب هذا الحق الدستورى لا توجد أى اشكالية فى ممارسة هذا الحق ، وكما وافق الشعب على اقرار هذا الدستور عام 2014 فمن حق الشعب أيضا ان يأخذ قراره وممارسة حقه الدستورى بأن يوافق على التعديل او يرفضه ، خاصة وان الدستور الحالى تم وضعه وصياغته وسط أجواء صعبة ومربكة للغاية . ومن المعروف فى كل دول العالم بانه مهما بلغت العناية والدقة فى صياغة وكتابة اى دستور ، فلابد من حدوث تعديلات لمسايرة أى تطورات ، أو ما يحدث من تغيرات سياسية او أمنية تفرضها ظروف خاصة تستلزم التغيير . كل الفقهاء الدستوريين فى اى دولة يدركون تماما ان صياغة اى دستور واقراره لا يعنى التنبؤ بما يمكن ان يستجد من تطورات ، فالتغير والتطور سنة الطبيعة والحياة ، كما ان اى دستور لا يتمتع بالكمال والدوام والاستمرارية ، ولو انه يبدو الامثل والأكمل وقت صدوره باعتباره أفضل ما أمكن التوصل اليه فى وقت صياغته .
 
 
التعديلات الدستورية تشمل حوالى خمسة عشر مادة ، بعضها يتعلق بمجلس النواب وعدد أعضائه ، استحداث غرفة ثانية للبرلمان ( مجلس الشيوخ ) ، استحداث منصب نائب أو أكثر لرئيس الجمهورية ، وتعديل نسبة تمثيل الشباب والاقباط والعمال والفلاحين فى مجلس النواب ، ودراسة انشاء مجلس أعلى للهيئات القضائية للنظر فى الشئون المشتركة للجهات والهيئات القضائية ، توسيع صلاحيات الجيش المصرى لحماية مدنية الدولة والحياة الديمقراطية وغيرها . وأهم التعديلات تتعلق بمدد الرئاسة وصلاحيات رئيس الجمهورية ، حيث يشير التعديل الى أن يجوز لرئيس الجمهورية الحالى عقب انتهاء مدته الحالية ، اعادة ترشحه مجددا على النحو الوارد فى المادة 140 المعدلة ، لفترتين جديدتين مع تغيير مدة الرئاسة الواحدة من 4 سنوات الى 6 سنوات .
 
والواقع ان مدة الرئاسة فى الدستور الحالى ( 4 سنوات ) ولفترتين اثنين فقط تعتبر قصيرة جدا ، خاصة فى ظل الظروف الامنية المربكة للغاية والاقتصادية الصعبة التى مرت بها مصر بعد ثورتين متتاليتين حيث دخلت البلاد الى منعطف من الفوضى والانفلات الامنى مع محاولات ومؤامرات من الداخل والخارج لتقويض الدولة و تقسيمها واستقطاع سيناء من الوطن واشعال حرب طائفية تأكل الاخضر واليابس . 
 
لولا عناية الله وخروج الملايين من المصريين الذين أعطوا تفويضا للرئيس عبد الفتاح السيسي بتصحيح المسار وانقاذ مصر من الانهيار والضياع . كان من المستحيل أن تستمر مصرالعريقة .. درة الشرق .. مهد الحضارة .. لتنزلق فى طريق يؤدى الى تفكيك الدولة ودمارها .
 
مصر التى قامت بدور عظيم فى مكافحة الارهاب وعودة الامن والاستقرار للشارع المصرى ، مما جعلها نموذجا يحتذى به فى هذا المجال عالميا .
 
ان أى مواطن مصرى حكيم ، مخلص لوطنه ، مقدرا للمسؤلية ، لابد انه يدرك تماما ، ان الوطن يعيش أجواء حرب فعلية ، ويدرك المخاطر التى تحيط
بمصر من الداخل والخارج ، لابد ان يساوره القلق على مستقبل الوطن ، وأن هناك من يترقب بفارغ الصبر العودة والانقضاض على الوطن من جديد .
 
نعم لقد اصبحت التعديلات الدستورية واجبا وطنيا وأمرا حتميا . هناك اسباب عملية ومنطقية تستوجب التعديل أهمها اعطاء الفرصة الكافية لاستكمال الحرب ضد الارهاب المتربص بالوطن اليوم قبل الغد ، للعودة بمصر الى عالم الفوضى والرعب من جديد .
 
ان مدة ثمان سنوات فى حياة الشعوب و بناء الدول فترة غير كافية تماما ، خاصة بعد ثورتين متعاقبتين و مواجة العديد من التحديات الضخمة لأقرار الامن والاستقرار السياسى واستكمال المشاريع القومية العملاقة الغير مسبوقة والتى يشهد بها العالم كله و التى تم انجازها فى سنوات قصيرة جدا ، لتحقق مصر طفرة اقتصادية غير مسبوقة ، بداية من مواجهه الارهاب وعودة الامن والاستقرار، وصولا الى تحقيق معدلات نمو عالية وخلق فرص عمل جديدة للشباب فى كافة المشاريع القومية الضخمة على طول البلاد وعرضها وتحقيق فائض كبير من الطاقة 
 
وهو ما يحتاجه أى مستثمر . لابد ان نعطى الفرصة لأستكمال المشوار التاريخى الذى عادت فيه مصر الى مكانتها المرموقة ، عربيا واقليميا وافريقيا ودوليا .
 
أعجبنى التشبيه التالى قرأته لأحد الكتاب الافاضل :ان الوضع الراهن يمكن ان نشبهه بدخول مريض غرفة العمليات لأجراء جراحة عاجلة ، وقررت ادارة المستشفى ان يترك الطبيب غرفة العمليات ، والمريض مازالت جراحة مفتوحة لأن مواعيد العمل قد انتهت !! التعديلات الدستورية ليست بدعة مستحدثة ، بل أمر متعارف عليه دوليا وشائع الحدوث فى دول العالم الديمقراطية وغيرها . ووفقا لشهادة التاريخ على أرض الواقع نجد الولايات المتحدة الامريكية القوى العظمى فى العالم ، عدلت دستورها 27 مرة فى بضعة سنوات قليلة . فرنسا دولة الحريات والديمقراطية ، وضعت وصاغت 15 دستورا منذ الثورة الفرنسية ، والدستورالاخير تم تعديله 16 مرة آخرها سنة 2008 بغرض اعطاء صلاحيات أكبر للرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزى وفقا لرأى الشعب ولصالح الدولة . الصين الى باتت من الدول العظمى فى العالم عدلت دستورها العام الماضى ، لرفع القيد الخاص بتحديد عدد ولايات الرئيس ونائيه ، بحيث يحق للرئيس ترشح نفسه لعدد مفتوح من الفترات الرئاسية بدلا من فترتين فقط مدة كل فترة خمس سنوات .
 
آخر دستور صدر فى المانيا كان عام 1949 وتم تعديله 36 مرة آخرها عام 2017 ايطاليا عدلت دستورها 21 مرة ، روسيا القوى العظمى فى العالم تم تعديل دستورها الصادر عام 1963 أكثر من 30 مرة ودستور 1977 عدل 6 مرات ودستور 1993 عدل 4 مرات آخرها عام 2014 .
 
بعد كل الاجراءات التى تمر بها التعديلات الدستورية خلال مجلس النواب ، واجراء حوار مجتمعى موسع لكل أطياف الشعب ، بعد ذلك يصبح الأمر برمته متروكا للأرادة الشعبية الحرة والتى سيعبر عنها الملايين أمام صناديق الاستفتاء ، ويكون للشعب المصرى الكلمة الاولى والاخيرة فى اقرار التعديلات او رفضها ، بعيدا عن أى ضغوط او المتاجرة والمزايدة بالمواقف ، ولابد ان ندرك تمام الادراك والوعى ، ان خصوصية مصر تتركز فى أمنها واستقرارها واستكمال مشاريعها القومية الغير مسبوقة ، طريق المستقبل والامل ، والتصدى لعمليات تزييف الارادة الوطنية والشعارات المضللة الخاطئة . 
 
حمل تطبيق الأقباط متحدون علي أندرويد