الأقباط متحدون - ماذا بين المؤمن وغير المؤمن؟
  • ٠٥:٤٣
  • الثلاثاء , ٢٢ يناير ٢٠١٩
English version

ماذا بين المؤمن وغير المؤمن؟

مقالات مختارة | د. مراد وهبة

٣٢: ١٠ ص +02:00 EET

الثلاثاء ٢٢ يناير ٢٠١٩

د. مراد وهبة
د. مراد وهبة

رؤيتى لـ«القرن الحادى والعشرين»(264)..
على غرار كتاب ابن رشد المعنون فصل المقال وتقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال, يمكن تأليف كتاب آخر عنوانه فصل المقال وتقرير ما بين المؤمن وغير المؤمن من الاتصال.

وإذا كانت الغاية من تأليف الكتاب الأول الرد على الرأى الشائع الذى ينكر الاتصال بين الدين والفلسفة على نحو ما كان يرى أبو حامد الغزالى فى القرن الحادى عشر فإن الغاية من تأليف ذلك الكتاب الآخر الرد على الرأى الشائع فى هذا الزمان الذى ينكر الاتصال بين المؤمن وغير المؤمن على نحو ما ترى الأصوليات أيا كانت سمتها الدينية لأن هذه الأصوليات متفرغة للتنقيب عن غير المؤمن من أجل قتله بعد اتهامه بالكفر.

وبالرغم مما يبدو من فارق بين الكتابين فإن ثمة مفهوما مشتركا بينهما وهو تناول مفهوم الانفصال بين طرفين.

الانفصال بين الدين و الفلسفة فى الكتاب الأول والانفصال بين المؤمن وغير المؤمن فى الكتاب الثاني. وفى هذا السياق أظن أنه يمكن القول إن ابن رشد هو القادر من بين الفقهاء والفلاسفة المسلمين على تأليف ذلك الكتاب الآخر.

وسبب هذه القدرة مردود إلى عبارة وردت فى كتابه المعنون فصل المقال وهى أنه لا يُقطع بكفر من خرق الاجماع فى التأويل. والمعنى أن المؤول لا يمكن اتهامه بأنه غير مؤمن. وفى هذا السياق يمكن القول أيضا إن القس البروتستانتى الألمانى ديتريش بونهوفر هو وحده القادر من بين اللاهوتيين أيا كانت سمتهم الدينية على تأليف ذلك الكتاب الآخر.

وسبب هذه القدرة مردود إلى أنه هو الذى ارتأى أن ثمة قسمة حادة بين الايمان المسيحى التقليدى والثقافة العلمانية التى تشكلت فى عصر الحداثة، وأنه من أجل إزالة هذه القسمة فإن الايمان بالدين يلزم منه التكيف مع هذا النمط العلمانى والدخول معه فى علاقة عضوية إذا أريد لهذا الايمان أن يكون له معني. وكان بونهوفر يعنى بالحداثة أن الانسان أصبح فى الصدارة لأنه هو صانع الحداثة.

ومن هنا صك بونهوفر مصطلح مسيحية بلا دين. والمعنى أن على المسيحى الاعتماد على نفسه فى إزالة التناقضات التى يواجهها ايمانه وذلك بألا يتجاوز الأفق الطبيعى ويبتعد عما هو فوق الطبيعة.

وإذا لم يكن فى إمكانه تحقيق ذلك فلا أقل من أن يفهم لفظ ما هو فوق الطبيعة على أنه مجاز وليس على أنه معبر عن مكان وهو المعنى الحرفى لذلك اللفظ الذى هو مرهون باللغة التقليدية التى هى ليست صالحة إلا للجماهير عندما تواجه الأحزان فيقال لها إن الله هو المعزي، كما أنها ليست صالحة إلا للسلطة السياسية عندما تريد التحكم فى الجماهير.

أما الآن فلم تعد الجماهير كذلك وذلك بسبب الثورة العلمية والتكنولوجية التى هى فى أساسها ثورة جماهيرية. وقد تبنى ما يسمى اللاهوت الرايكالى رؤية بونهوفر. والسؤال اذن: ما هى حكاية هذا اللاهوت؟ إنه نشأ لدى لاهوتييْن أمريكيين وهما توماس التيزر ووليم هاملتون، إذ أصدرا فى عام 1961 كتابا تحت عنوان اللاهوت الراديكالي.

ثم انعقد مؤتمر قومى فى خريف عام 1966 تحت ذلك العنوان، وبعد ذلك شاع ذلك العنوان فى هولندا وفرنسا وألمانيا وانجلترا واسبانيا. والرأى عند التيزر أن المفهوم التقليدى عن الله من حيث إنه منفصل عن الكون المخلوق هو مفهوم مؤقت، وأنه مجرد اسقاط للاغتراب الذى يعانيه الانسان. وقد آن الأوان لتجاوز ذلك الاغتراب.

أما المفهوم الجديد عن الله، عنده، فمشتق من الديانات الشرقية، من النرفانا وتاو وأتمان وبراهمان، وكلها تعبيرات عما هو عالمى وعما هو ضد المفارق، أى ضد المجاوز للطبيعة.

ولهذا يرى اليتيزر أن غياب المفارق، فى الفكر الدينى الشرقي، ليس عيباً فى أساليب هذا الفكر، إنما العيب هو غياب العالمية عن الفكر المسيحي.

وهذا هو السبب الذى من أجله عجز الغرب عن فهم الوعى الأولى المتجانس الذى يكمن فى مفهوم النرفانا. أما هاملتون فإنه يوصى بقبول العالم العلمانى على أنه خير من الوجهة العقلية والأخلاقية ومن ثم فإنه يدعو إلى اصلاح الفكر وتطهيره من الصيغ المسيحية التقليدية.

والاصلاح ممكن مع نضج الانسان، إذ عندئذ لن يطلب شيئاً من الله يمكن للعالم أن يحققه.

وفى مقاله الافتتاحى تحت عنوان المرشد إلى الفكر اللاهوتى فى الفضاء السيبرى ورد لفظ سيبرى وهو اختزال للفظ سيبرنطيقا الذى يطلق على علم يؤلف بين العلوم البيولوجية والعلوم الرياضية لإزالة التناقض القائم بينهما باعتبار أن الأولى موضوعها المواد الحية والثانية موضوعها المواد غير الحية.

ومن هنا نشأ مصطلح الفضاء السيبرى حيث موت الزمان والمكان وحيث خروج المؤسسات الدينية من المجال العام، وبالتالى أصبح الايمان بالله أو عدم الايمان به مسألة شخصية وخالية من إدانة المؤمن لغير المؤمن.

وغير المؤمن هو الناقد لمفهوم الله لدى المؤمن، أى هو المحرك لتطوير مفهوم الله.
نقلا عن الأهرام

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع