الأقباط متحدون - د. القس أندريه زكى يكتب: تحديات الميلاد والرجاء
  • ٠٧:٥٠
  • الاثنين , ٧ يناير ٢٠١٩
English version

د. القس أندريه زكى يكتب: تحديات الميلاد والرجاء

مقالات مختارة | د. القس أندريه زكى

٣٥: ١٢ م +02:00 EET

الاثنين ٧ يناير ٢٠١٩

د. القس أندريه زكى
د. القس أندريه زكى

وُلِد السيد المسيح منذ أكثر من ألفى عام مضت، وها نحن هذه الأيام نحتفل بذكرى ميلاده التى مازالت أصداؤه تتردد فى أرجاء عالمنا الآن، تبشِّر بالخير والسلام والمسرة لكل البشر. وتخبرنا الكلمةُ المقدسة فيما ورد فى الإنجيل بحسب البشير لوقا عن تفاصيل أنشودة الملائكة المبشِّرة، إذ تقول: «الْمَجْدُ للهِ فِى الأَعَالِى، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ».

ورغم أن بشارة السماء أعلنت الفرح والسلام إلا أن الواقع كان شديدَ البُعد عن هذه البشارة؛ دينيًّا إذ انقطع الوحى لأربعمائة عام، وسياسيًّا إذ كان الشعب يرزح تحت عبودية مستعمر، واقتصاديًّا حيث الفقر مستشرٍ بشدة، واجتماعيًّا كان المجتمع مفتَّتًا على أسس عرقية ليهود وسامريين وأمم، وكان اليهود منقسمين على أساس الانتماء الدينى بين كتبة وفريسيين وصدوقيين وغيرهم من الطوائف، بل وكانت هنا فئات كثيرة منبوذة ومُهمَّشة. على الصعيد الدينى كانت الصورة قاتمة؛ فالنبوة انقطعت لقرون، لم ترسل السماء أى رسائل أو أنبياء لليهود لذا كان التدين الظاهرى والشكلى هو الظاهر فى المشهد. وفسدت السلطة الدينية؛ إذ تحالفت مع المستعمر، فجعلت للدين نفوذًا سياسيًّا. وما أخطر خلط الدين بالسياسة! أما الجماعات الدينية فبعضها أخذ فى التشدد إلى حدٍّ مبالغ فيه، بعيدًا عن مضمون الشريعة ومفهومها، فأثقلوا على الناس فنفروهم. والبعض الآخر ابتعد عن الدين وهمَّشه. ووسط نقيضين تاه الشعب، ولم يجد من يرشد لطريق الله.

وعلى المستوى السياسى، كان الشعب مُستعبَدًا تحت سطوة مستعمر رومانى باطش لا يعرف رحمة، ضيّق الخناق سياسيًّا على الشعب، وأُثقِل كاهلُهم بضرائب كثيرة، مما أدى لظهور جماعات متمردة. وفى ظل الاستعمار وضرائبه تردَّت الحالة الاقتصادية، فزاد الفقير فقرًا، وازداد الغَنى ثروةً. هذه الحالة من الطبقية بالطبع أثَّرت على السياق الاجتماعى، الذى اتسم بعدم الوئام والتناحر بين فئات الشعب، فنجد فئات منبوذة ومكروهة، كالعشارين، ومن يعملون مع الاحتلال لأجل مصالحهم، بل وهناك جماعات تقصى بعضها على أساس دينى، كالكتبة والفريسيين والصدوقيين. فى هذا السياق القاتم، والملىء بالإحباط، الأمل غائب وليس من جديد، يبشِّر الملاكُ هؤلاء الرعاة بفرح عظيم. فيشرق الأمل ثانيةً، ويخبرهم بأن مازال هناك رجاء، بأن يحل السلام على الأرض. والمسرة التى غابت ولا أمل فى عودتها تعود للناس، لجميع الناس. لقد كان الميلاد كسرًا لروح الإحباط وفقدان الأمل، وإشراقةً لعهد جديد. وفى الميلاد أعلنت السماء بشرى السلام والمسرة، والتى تفتح أبواب الأمل حين لا يبدو أن هناك أملاً، وتعلن الرجاء بينما يبدو الرجاء مستحيلاً. فى الميلاد كسر لكل إحباط، والسير نحو عهد جديد مشرق.

لم تكن رسالة السلام والمسرة خاصة باليهود، لكنها كانت رسالةً كونيةً تشمل كل البشر، إذ يخبرنا الإنجيل بحسب متى عن أناس لم يكونوا ضمن الشعب العبرانى، لكنهم استدلوا على الصبى المولود وجاءوا إليه. إنهم المجوس الذين أتوا من المشرق. هؤلاء المجوس كان عملهم هو قراءة النجوم ودراستها ومعرفة أسرارها، لكن كان كل شىء يبدو طبيعيًّا إلى أن ظهر نجم مميز. كان يمكن أن يهملوا الأمر، إلا أنهم استخدموا أدواتهم، وبحثوا وفكروا، واستخدموا أدواتهم ثانية فساروا فى الطريق متتبعين النجم. إلى أن وصلوا إلى هدفهم المنشود. هؤلاء المجوس أدركوا أدواتهم، واستخدموها، عرفوا هدفهم وساروا وراءه كثيرًا. والسؤال الذى يطرحه الميلاد علينا، هل نعرف ما نمتلكه من أدوات؟ هل نعرف الطريق؟ وهل سنظل نواصل ونثابر وراء هدفنا؟ علينا فى الميلاد أن نطالع الواقع ونقرأه قراءةً متأنية، نفهم كلمة الله ونعرف ما يريده الله منا. ونسير فى الطريق نحو غايتنا المنشودة. كما كان لحدث الميلاد بالغ الأثر على القريب والبعيد، كان لبشارة الميلاد أثر هائل على القديسة العذراء مريم، التى بمجرد أن بشرها أدركت هول اللحظة الراهنة؛ فالمسؤولية كبيرة وعظيمة، والكرامة لا مثيل لها، لذا ترنمت مبتهلة: «تُعَظِّمُ نَفْسِى الرَّبَّ، وَتَبْتَهِجُ رُوحِى بِاللهِ مُخَلِّصِي».

أزال السيد المسيح بميلاده حائطَ العداوة الذى بيننا؛ إذ صنع سلامًا، بين الإنسان والله، وبين الإنسان وأخيه الإنسان. وهنا وضع السيد المسيح اللبنة الأولى للعيش المشترك، المبنى على المساواة والعدالة. وهذا أعطى العالم المـتألم رجاءً، رجاء أن فى عمق الظلام ترسل السماء رسالة: «على الأرض السلام وبالناس المسرة».

فى ذكرى الميلاد، نحمل لمصرنا صلوات أن يحل السلام والمسرة على كل أرضنا وشعبنا، وأن يهبنا الله الحكمة، شعبًا وقادة، لندرك أدواتنا ونستخدمها من أجل تحقيق دورنا ورسالتنا.
نقلا عن المصرى اليوم
 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع