الأقباط متحدون - ميلاد المسيح ميلاد متجدد للذات والوطن والمدنية
  • ١٢:٠٣
  • الأحد , ٦ يناير ٢٠١٩
English version

ميلاد المسيح ميلاد متجدد للذات والوطن والمدنية

سليمان شفيق

حالة

٢٣: ٠١ م +02:00 EET

الأحد ٦ يناير ٢٠١٩

صورة تعبرية
صورة تعبرية

 كتب : سليمان شفيق

يولد المسيح دائما ، وكما نقول في الطقس القبطي :" تجسد وصار انسانا وعلمنا طريق الخلاص" ، اي ان سر التجسد سيرورة تجمع ما بين الالوهية والانسنة ، وفي رسالة بولس الرسول الي اهل فيلبي يقول    ، "لكِنَّهُ اخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ" وهكذا فأن سر الانسان مرتبط بميلاد المسيح ، ولا يولد المسيح مرة فى السنة، بل يولد كل لحظة مع ميلاد كل طفل جديد، ومع كل بداية سلام ومحبة.

ومن نهاية العهد القديم وحبل العاقر الليصابات ، وميلاد المسيح من العذراء نجد العاقر تلد والعذراء تحبل ولايصدق زكريا بشارة الملاك ف "يخرس" ، ولكن الممتلئة نعمة لا تخاف بل تسأل "كيف" ؟ وهناك فرق بين "الخرس والتساؤل" ، ومن ثم كانت نهاية التاريخ القديم وولادة الميلاد للعهد الجديد .

ومن يتأمل الحدث سيجد أن العذراء كانت حبلى فى الشهر الأخير، بما يترتب على ذلك من متاعب وآلام، ولكنها ذهبت مع خطيبها يوسف النجار إلى بيت لحم من أجل التسجيل فى محل الميلاد، استجابة لأوامر الإمبراطور الرومانى يوليوس قيصر، وتحققت النبوءات القديمة من تلك الزيارة الوطنية فى التسجيل المدنى، حينما ذكر فى الإنجيل: «يا بيت لحم، أرض يهوذا، ما أنت الصغرى فى مدن يهوذا، لأن يخرج منك رئيس يرعى شعبى»، «متى/ 2 - 6»، هكذا ارتبط الميلاد بحدث مدنى وطنى، ومن هذا المنطلق الروحى الكتابى تأسست وطنية كنائسنا القبطية، حتى أن تسميتها القبطية أولًا، ثم الأرثوذكسية أو الكاثوليكية أو الإنجيلية، حيث يسبق لاهوت الوطن لاهوت العقيدة. 

ولد المسيح من سبط يهوذا ، ولكنة اتبع القانون حتي للمحتل ، تلك المبادئ التي جعلت بولس يرفض المحاكمة سوي امام الوالي الروماني لانة مواطن مدني يرفض الجلد .

هكذا من الميلاد يبرز التجسد ، ومن التجسد ولدت المدنية ، وعلى تلك المبادئ «المدنية المسيحية»، التى انبثقت من ميلاد المسيح، تصدت الكنيسة القبطية لمن حاول ان يعبث بوطنيتها او عقيدتها ، وتعرضت لذلك إلى كل الاضطهادات من الرومان وحتى الصليبيين، ولكنها وقفت فى شموخ مع الأرض والوطن، ولم ترد العنف بالعنف، وهكذا كان الأقباط فى طليعة الشعب المصرى فى كل الثورات، ولم تكن ثورة 30 يونيو هى الثورة الأولى التى شارك فيها المواطنون المصريون الأقباط، بل كانت الثورة السادسة.. الأولى كانت 1804 حينما وقف البابا مرقص الثامن، والمعلم إبراهيم الجوهرى مع عمر مكرم، وشيخ الأزهر الشيخ الشرقاوى فى الثورة لخلع الوالى العثمانى خورشيد باشا، وتنصيب محمد على باشا، مؤسس الدولة المصرية الحديثة، وكذلك 1882 وقف البابا كيرلس الخامس بجوار أحمد عرابى، وشيخ الأزهر محمد المهدى العباسى فى وجه الخديو توفيق، وأيد البابا عرابى طوال الثورة العرابية، وبعد الاحتلال البريطانى حدث العقاب الجماعى للأقباط بالإسكندرية، فيما سُمى «مذبحة الإسكندرية»، على غرار ما حدث بعد 30 يونيو «14/18 أغسطس 2013»، وكذلك نفى البابا إلى دير البراموس 1890 من الإنجليز لمواقفه الوطنية، نفس البابا وقف بجوار «الوفد» وسعد زغلول فى ثورة 1919، جنبًا إلى جنب مع شيخ الأزهر، أبى الفضل الجيزاوى، وهكذا وقف كيرلس السادس مع جمال عبد الناصر، والحق المصرى فى استعادة الأراضى المحتلة بعد 1967، وصولًا إلى موقف البابا تواضروس الثانى من 30 يونيو، مرورًا بموقف البابا شنودة من "عروبة القدس والتطبيع"، مما تسبب فى احتجازه فى دير الأنبا بيشوى.. ست ثورات، وستة دساتير «1882، 1923، 1958، 1971، 2012، 2014» شارك فيها الأقباط بالدم.

  نعود إلى بيت لحم، حيث لم يجد يوسف النجار والعذراء مكانًا فى فندق أو منزل، فولد المسيح فى «مزود بقر».. ما أشبه اليوم بالبارحة، يذكرنى ذلك بمئات النجوع والقرى المنسية الأسماء فى الصعيد المنسى، وعلى طول الشط وعمق القهر  يبحث الاقباط فيها عن الميلاد في كنائس للصلاة بأماكن  مثل المزود الذي شهد  ميلاد يسوع الطفل يحمل تعزية روحية لهؤلاء المعترفين الجدد بأن المسيح يولد فى كل قداس فى تلك المذابح الفقيرة المتواضعة التى تشبة المزود.  

  ولد المسيح فى بيت لحم على مرمى بصر من القدس التى أحبها، وبكى عليها، وقال: «إنجيل متى 23: 37» «يَا أُورُشَلِيمُ، يَا أُورُشَلِيمُ! يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا، كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا»!    ومازالت كل الحوارات حول القدس تتم بعيدًا عن كونها مدينة السلام، والفكر الصهيونى اخترق أغلب العقول، وأصحاب الديانات المختلفة، ولم يعد الأمر استعادة القدس، بل استعادة العقل والضمير.. نعم إسرائيليون وفلسطينيون، أولاد إبراهيم عليه السلام، تارة النازية تضع اليهود فى أفران الهولوكست، ثم يلقى بلفور عقدة ذنب الغرب وكرة اللهب إلى أرض فلسطين «أرض الميعاد»، وتقتل الضحية الإسرائيلية ضحيتها الفلسطينية، ويخرج الطرفان من الكتب المقدسة أسفار وآيات الدم، وتقتل الضحية الإسرائيلية ضحيتها الفلسطينية، والعربان شهود، ولا أحد يفعل سوى استدعاء الله سبحانه وتعالى، مرة يهوديًا وأخرى مسيحيًا وثالثة إسلاميًا، ويتعمد ويتوضأ الضحايا بالدم للصلاة المقدسية فى محراب العربان وتجار السلاح والدين.   يولد المسيح ويتعرض للاضطهاد، لكنه لم يجد سوى مصر ليلجأ إليها، ويأمن من شر الرومان، رغم أنهم كانوا يحكمون مصر أيضًا، لكنه احتمى بأهلها لتتحقق النبؤات أيضًا «متى 2: 15»، إن لجوء المسيح إلى مصر هروب من تهديد هيرودس كان تحقيقًا لنبوّة هوشع «11 :1»، 1 «لَمَّا كَانَ إِسْرَائِيلُ غُلاَمًا أَحْبَبْتُهُ، وَمِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابنى” .   هكذا ومن ثم الميلاد هو التجسد والاقتداء بالمسيح، ومن بيت لحم إلى مصر تتحقق النبوءات، كل سنة وأنتم مصريون يولد فيكم المسيح المتجدد والدائم الميلاد فيكم.