الأقباط متحدون - الفستان العارى.. والشرف المستباح
  • ٢٣:٣٨
  • الثلاثاء , ١٨ ديسمبر ٢٠١٨
English version

الفستان العارى.. والشرف المستباح

مقالات مختارة | عاطف بشاي

٣٨: ٠٨ ص +02:00 EET

الثلاثاء ١٨ ديسمبر ٢٠١٨

رانيا يوسف
رانيا يوسف

عاطف بشاي
لم تخمد بعد ردود الأفعال العاصفة تجاه «فستان» أو «مايوه» «رانيا يوسف» الذى ارتدته فى حفل ختام مهرجان القاهرة السينمائى فمازالت مواقع التواصل الاجتماعى تحفل بالآراء المتناقضة.. والأحكام الباترة.. والاختلافات البينة فى وجهات النظر رغم تراجع نقابة المهن التمثيلية عن غضبها الجامح وقرارها بضرورة محاسبة الفنانة.. بالإضافة إلى تراجع الكثير من المحامين الأبرار عن دعاواهم القضائية المرفوعة ضدها، وذلك بعد اعتذارها فى بيان.. رغم أن الاتهامات مخيفة والعقوبات- فى حال ثبوت تلك الاتهامات مفزعة؛ تصل إلى السجن- فهى تشمل الفعل العلنى الفاضح والتلبس بالتحريض على الفسق والفجور وإغواء القصر والمراهقين ونشر الرذيلة بالمخالفة للأعراف والتقاليد والقوانين السائدة فى المجتمع المصرى.. وإهانة كل أفراد الشعب المصرى فى ربوع المحروسة والإساءة لاسم مصر وللمرأة المصرية مما دعا المخرج السينمائى «أمير رمسيس» أن يعلن على صفحته الإلكترونية تعليقاً هو: بتمثل مصر.. وصورة مصر؟!.. يعنى «عبدالناصر» بكل اللى أممه مافكرش يأمم بنى آدمين؟! والغريب فى الأمر أن الرأى القانونى الذى يستند إليه المحامون لا يقر ثبوت تلك الاتهامات فالتحريض على الفسق والفجور يتحقق بالإشارة أو الفعل.. وهذا لم تفعله المتهمة.. والفعل الفاضح العلنى بشأن ملابسها هذا أمر يحتمل أقوالا كثيرة- كما يرى الدكتور محمود كبيش، أستاذ القانون الجنائى- لأنه لا بد أن نعرف فى البداية ما إذا كان المكان الذى ظهرت فيه هو مكان خاص أم عام.. فالمهرجان مكان خاص وغير مسموح بالكافة حضور مثل هذه الاحتفالات بخلاف الشواطئ، فهو مكان عام.. أما مسألة خدش الحياء، فتخضع للعرف وما جرى عليه تقدير النفس فى خصوصية المكان، بمعنى أن هذا المكان لا يخصها، بينما هو مكان مخصص لجميع الفنانين يرتدون ما يعن لهم بطريقة أو بأخرى.. وليست هى وحدها من ارتدت فستاناً قد يكون غير مقبول من عامة الشعب.. ولكن خصوصية المكان قد لا تجعل هذا الفعل فاضحًا أو خادشًا للحياء.

ومن هنا فإن ما يحمل الاتهام بإهانة الشعب المصرى ليس الفستان العارى، وإنما هو ذلك الخلط المعيب بين الموقف القانونى وبين أصحاب الاتهام الذين لم يفرقوا بين مكان يقام فيه مهرجان للسينما وبين المواخير وبيوت الدعارة.. إنها إهانة للفن والفنانين.

والحقيقة أن الاستنكار العنيف.. والمصحوب بألفاظ جارحة وعبارات نابية.. وسخريات بذيئة.. وتعليقات منحطة تكشف حقائق خطيرة هى الأولى بالبحث والدراسة.. والأجدر بالاهتمام والتحليل الاجتماعى والنفسى للشخصية.. والمكاشفة بما أصابها من تغييرات سلوكية وانهيار قيمى وازدواجية بما يشى بردة حضارية واضحة.. فالمدهش أنه كلما اتسعت دائرة الأخلاق المزيفة القائمة على التدين الشكلى والتمسك الظاهرى بأهداب فضيلة عرجاء ترتعد فرائصها من رؤية فستان عارٍ، بينما يحتل المجتمع المرتبة الأولى فى مشاهدة الأفلام الجنسية والمرتبة الثانية عالمياً فى التحرش الجنسى وأعلى نسبة حوادث اعتداء جنسى على الأطفال وأعلى نسبة اغتصاب ويتفشى فيه زنى المحارم.. ويفتى الدعاه فيه بزواج القاصرات ويبيحون ممارسة الجنس مع الموتى والحيوانات وإرضاع الكبير وينسف الإرهابى نفسه طمعاً فى حور عين الجنة- ويفتى «خالد الجندى» بعكس ذلك- فالمؤمن الذى سوف يفوز بالجنة لن يحتوى جسمه على أعضاء تناسلية.

وأى مجتمع ذلك الذى يعانى من الإرهاب والفقر والتحرش والفساد تضرب جموده وتكلسه ونفاقه وانفصامه «رانيا يوسف» بفستانها العارى؟.. إنه مجتمع ينطبق عليه قول «نزار قبانى»:

«ينعتون الأنثى بالمخلوق الأعوج... وهم على اعوجاج خصرها يتقاتلون».
تقفز إلى الذهن، وتفرض نفسها مجدداً رؤية الأديب العبقرى «يوسف إدريس» «الحرام» التى تحولت إلى فيلم بطولة «فاتن حمامة» وإخراج «بركات»، فالقيمة الكبيرة للرواية- وبالتالى الفيلم- ليست هى حرام «عزيزة» التى تم الاعتداء على شرفها فى مقابل «كوز البطاطا»، إنما حرام قرية بأكملها مارست كل شخصياتها كل أنواع الموبقات والخطايا فى الخفاء.. وظهروا فى العلن أطهاراً كالملائكة.. أى أن الازدواجية فى السلوك هى التى تعتبر عنواناً عريضاً للحرام فى تلك الرواية..

الجميع ينتهزون الفرصة- كأنهم ينتظرونها- ليسقطوا حرامهم على «عزيزة» قبل أن يتيقنوا من ذلك.. وبقسوة بادية ليلقوا عن كاهلهم ذلك العبء النفسى الذى يجللهم ويوصمهم بالتغافل والتعايش مع الحرام.. والسكوت عنه وغض الطرف خوفاً من الفضيحة والإحساس بالمسؤولية طالما ظل فى الخفاء لا يعلم أحد شيئاً عنه.. كل بيت من بيوت التفتيش به «حرام» خامد مستتر تحت أقنعة لم يعلن عنه.. لذلك أصبح حلالاً.. أما عزيزة وجنينها المخنوق، فليس عندها من يخفى حرامها.. حرام «عزيزة» مكشوف أمام الناس، فهو حرام أكيد.. وكأن الشىء الحرام، إذا وافق عليه الجميع أصبح حلالاً لا شك فيه.. وفستان «رانيا» العارى المكشوف أمام الناس.. وصورها من الأمام ومن الخلف.. ببطانة أو من غير بطانة ظاهرة للعيان.. وتناقلتها الصحف والشاشات والموبايلات.. فهى جريمة فاضحة..

قرر الجميع أن يغسلوا آثامهم، ويسقطوا خطاياهم وعوراتهم على فستانها، وأصبح شرفها مستباحاً.. و... أغاية الدين أن تحفوا شواربكم.. يا أمة ضحكت من جهلها الأمم؟!
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع