الأقباط متحدون - للأطفال رب يحميهم
  • ٢٣:٣٢
  • الثلاثاء , ١١ ديسمبر ٢٠١٨
English version

للأطفال رب يحميهم

مقالات مختارة | سحر الجعارة

٢٨: ٠٧ ص +02:00 EET

الثلاثاء ١١ ديسمبر ٢٠١٨

سحر الجعارة
سحر الجعارة

«أنا اسمى أحمد، وعندى سرطان، هتساعدنى؟».. هكذا كانت كلماته تُدمى قلوب المشاهدين وهو فى أحد مستشفيات علاج السرطان، والإعلان يُعرض بكثافة خلال شهر رمضان، (لأنه شهر الخير والتبرعات بالمليارات). وحدى كنت أشعر بأننا سرقنا من «أحمد» إنسانيته «ثمناً لعلاجه»، وأنه إن لم يكن «حالة مرضية»، وكان يعمل كممثل إعلانات، فقد اغتلنا سمعته وشهَّرنا به، وربما نكون أضعنا مستقبله، حين ظهر على ملايين البشر يتسول ثمن علاجه!

أمثال «أحمد» أكثر من همِّ السرطان، تختارهم شركات الإعلانات بعناية فائقة، وتصمم لهم «سيناريو» موجعاً، وكأنها تدربهم على احتراف «ابتزاز» مشاعر الناس. وبالمناسبة أنا لا أتذكر اسم الشركة ولا اسم المستشفى المعلن.. لكن تظل صورة «أحمد» عالقة بذهنى كعنوان لانتهاك الطفولة!

يرى أحد الإعلاميين المشهورين أنه «أقل واجب» على الطفل المريض إذا تلقى «علاجاً مجانياً» أن يقدم نفسه قرباناً لإحدى شركات الإعلانات تفترسه، امتناناً وعرفاناً بجميل المستشفى الذى عالجه، وجنى من خلف وجعه ودموعه المليارات، وربما يكون قد فارق الحياة فى تجربة «دواء جديد» لم تقره منظمة الصحة العالمية، أو نتيجة شراسة المرض.. لكنه فى كل الأحوال مطرود من رحمة الجميع، لأننا لا نفعّل قانون قانون الطفل المصرى رقم 12 لسنة 1996، والمعدل بالقانون 126 لسنة 2008، والذى تم تعديله أكثر من مرة بالتزامن مع «المجلس القومى للطفولة والأمومة» بقرار جمهورى عام 1988، ولم يتم الانتهاء من اللائحة التنفيذية إلا عام 2010، ورغم ذلك ما زال القانون نائماً فى الأدراج فى حاجة إلى لائحة تفسيرية أخرى.

ورغم ذلك فلا يجوز لأى جهة -أياً ما كانت سطوتها ونفوذها- أن تخالف قانوناً موجوداً وقائماً. سأتحدث فقط عن أسوأ أشكال الاستغلال، وانتهاك آدمية الطفل، وأعنى به «عمالة الأطفال» ممن دون سن الخامسة عشرة.. فبعدما كان التسرب من التعليم والفقر سبباً فى وجود من اصطُلح على تسميته «الواد بلية» فى ورش النجارة وتصليح السيارات، أصبح «الواد بلية» يقدم صورته وهيئته ويتسول على الشاشة ثمناً لعلاجه، ليشترى بكرامته جرعة «علاج كيماوى»!.

يقول قانون الطفل، فى الباب الخامس، المتعلق برعاية الطفل العامل والأم العاملة، الفصل الأول مادة «64»: «يحظر تشغيل الأطفال قبل بلوغهم خمس عشرة سنة ميلادية كاملـة، كمـا يحظـر تـدريبهم قبـل بلوغهم ثلاث عشرة سنة ميلادية».. مادة «65»: «يحظر تشغيل الطفل فى أى من أنـواع الأعمـال التـى يمكـن، بحكـم طبيعتهـا أو ظـروف القيـام بهـا، أن تعرِّض صحة أو سلامة أو أخلاق الطفل للخطر».. فما بالك لو كان الطفل يخضع للعلاج من أشرس مرض فى العالم «السرطان»، ويتم تدريبه وتحفيظه وتصويره أكثر من مرة ليأتى بالنتيجة المرجوة من ظهوره ذليلاً مقهوراً يائساً يطلب المساعدة!

والمفارقة أن المادة «65 مكرر» تنص على أن: «يجرى الفحص الطبى للطفل قبل إلحاقه بالعمل للتأكد من أهليته الصحية للعمل الذى يلحق به، ويعاد الفحص دورياً مرة، على الأقل كل سنة، وذلك على النحو الذى تبينه اللائحة التنفيذية، وفى جميع الأحوال يجب ألا يسبب العمل آلاماً أو أضراراً بدنية أو نفسية للطفل».. فإن كان أطفال إعلانات السرطان «كومبارس» فلا يحق لشركات الإعلانات النصب على المشاهد، وإن كانوا مرضى فقد أنهكوهم واستغلوهم وكأنهم «عبيد» اشتروهم بفرصة العلاج المجانى التى تحتاج إلى «واسطة» وطوابير انتظار طويلة!

هل طبقت المادة «69»، التى تفرض على صاحب العمل أن «يسلم الطفل نفسه أو أحد والديه أجره أو مكافأته وغير ذلك مما يستحقه، ويكون هذا التسليم مبرئاً لذمته»؟!.

إن كان هؤلاء الأطفال الذين اقتطفتهم شركات الإعلانات من عالمهم البرىء «محترفين» قولوا لنا.. وإن كانوا «مرضى» تطوعوا امتناناً وعرفاناً لمستشفيات «مصاصين الدماء» فأعلنوا رضاكم عن أدائهم (!!).

هذه المواد، من القانون الذى لا يساوى ثمن الحبر الذى طُبع به، مهداة إلى الدكاترة والوزراء «غادة والى، هالة زايد، مايا مرسى».. أما الأطفال فلهم رب يحميهم.
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع