الأقباط متحدون - نحن نأكل الحمير ونصدر الكلاب!
  • ١٩:٥٤
  • الثلاثاء , ٤ ديسمبر ٢٠١٨
English version

نحن نأكل الحمير ونصدر الكلاب!

مقالات مختارة | سحر الجعارة

٤٨: ٠٦ ص +02:00 EET

الثلاثاء ٤ ديسمبر ٢٠١٨

الكلاب
الكلاب

سحر الجعارة
حين جاءت «بيسكى» إلى بيتى كانت فى حجم قبضة يدى، كانت تشتمُّ الأثاث بحثاً عن حضن أمها الذى انتُزعت منه، فعمرها 40 يوماً. تنظر إلى أحجامنا العملاقة -بالنسبة لها- فى ذعر، وفى عينيها الطيبة نظرة تطلب اللجوء العاطفى إلىّ!

طافت «بيسكى» بالمنزل كله، وعند الظلام استقرت على كتفى بحثاً عن دفء الأم، وأصبحت سرى الخاص الذى يمنحنى سعادة غير مشروطة، ويُخضعنى لتهديد صديقى الكاتب الكبير «محمود الكردوسى» بإفشاء السر!

إنه حب من نوع خاص، عصىٌّ على الفهم، إلا لمن يتقنونه.. حب يجعلك مثار السخرية أحياناً، ويحرجك كثيراً، ويبدل خريطة أيامك.. لكنك تصر عليه. قبل عشر سنوات لم أكن أفهم هذه المشاعر الخاصة، كنت مثل الجميع أتندر على من يغلقون حياتهم على أسرار عجيبة.. إنه عالم سحرى، إذا ما وقعت أسيراً له لن تفارق تفاصيله الدقيقة. «بيسكى» كلبة نوعها «بكينى»، نسبة للكلب المفضَّل للبلاط الإمبراطورى الصينى فى المدينة المحرمة، كان «الكردوسى» غاضباً جداً، لأن «بيسكى» لا تأكل «العظم» حتى لا يتساقط شعرها، وتذهب للدكتور «بيرج يعقوب» بانتظام لأخذ التطعيمات، ولأننى أدللها كثيراً حتى أصبحت نقطة ضعفى. «الكردوسى» يتحدث بحدة عن الفقراء والمشردين، وأنا أقول له إننى أفنيت عمرى -كتابة- دفاعاً عن حقوقهم.. وإننى بشرت بثورة من أجل «العدالة الاجتماعية» وساهمت بقلمى فى إسقاط الفاشية الدينية.. وإن القارئ الذى يسحب منى «المصداقية» لأننى أؤمن بحقوق الحيوان لن يناصر حقوق الإنسان أبداً!

عاشت «بيسكى» فى أحضانى سبع سنوات، تغيرت خلالها عاداتى، فلا سفر أو نزهة دون التخطيط لوجود «بيسكى».. فقدت طقوس «الخصوصية» لأنها تصر على البقاء فى فراشى حتى أطفئ ضوء «الأباجورة» الخافت فتنتقل لسريرها. كانت «بيسكى» تحترم ساعات الكتابة، تجلس صامتة تتأملنى.. تحترم مكان الصلاة فلا تدخل حجرة ابنى «جهاد» إطلاقاً.. تعشق ابنى فى صمت وألم.. إنها مهووسة بالبشر، ربما لأننى فرضت عليها وحدتى!. وعندما أصبت بحساسية صدر وأزمة عنيفة دخلت على أثرها المستشفى أصر الطبيب على عدم وجود «حيوانات» فى المنزل. لم تكن «بيسكى» مجرد حيوان، كانت صديقتى التى تعرف مزاجى جيداً، وتعرف متى ترتمى على صدرى ومتى تبتعد خوفاً من حدتى. كانت «الصوت» الذى ينتظرنى عندما أفتح باب المنزل، و«البيبى» الذى يخبط جسده فى الباب رافضاً خروجى دونه. وكانت تهاب الكلاب كبيرة الحجم كلما ذهبنا إلى الطبيب، وتظل تتسلق جسدى حتى تستقر على رأسى لأن حاسة الشم لدى الذكور من الكلاب تنبئهم بأنوثتها فيتحرشون بها!، لم تدفعنى «بيسكى» لرفاهية التعالى على هموم المهمشين، لم تعزلنى عن عالمى الثائر أو تعتقلنى فى واقع مخملى يفصلنى عن البشر.. بل علمتنى أحاسيس أرقى من أن يفهمها البعض!، إنها «روح».. تكتئب إن غبت عنها وتعف عن الطعام، تبتهج بمحبتها لشقيقتى، تتمتع بذكاء حاد، وخوف من غلظة الناس.. وجاءت اللحظة التى أودعها فيها لتنتقل إلى منزل شقيقتى، كنت أبكى حزناً وألماً، وكانت الدموع تنهال من عينيها وكأنها تعرف أنه «الوداع».. تشبثت بملابسى رافضة الخروج، وهى التى طالما أتعبتنى جرياً على السلالم خشية أن تنزل إلى الشارع وحدها.. ورحلت «بيسكى». أصبح عالمى خاوياً، فارغاً من البهجة والشقاوة والمرح، من وجع أسنانها وهى تغرسها فى يدى على سبيل المشاكسة، (الكلب البكينى شرس جداً للعلم)، لكنها تركت فى قلبى علامات لن تمحوها السنون. علمتنى «بيسكى» أن الحب يقاس بالحب فقط.. دون مقاييس أو أطر أو نظريات.. وأن الإنسان لكى يصبح إنساناً لا بد أن يحترم ضعف الحيوانات المشردة بالشوارع.. تلك القطة التى احتمت من البرد تحت سيارتى لتلد وترضع أطفالها تستحق الحياة.. أن نتمهل قليلاً ونمنحها فرصة النجاة بأطفالها من الدهس العشوائى.. وذلك الكلب الذى يملأ العالم ضجيجاً هو من يحافظ على التوازن البيئى.. وهو «مخلوق» حصّنه الخديو «عباس حلمى» عام 1902 ضد التعذيب والأسر والحرمان من الطعام والشراب، سواء كانت حيوانات أليفة أو مستأنسة أو غير مستأنسة!، لكننا «جبناء»، نعذبهم ونسممهم بسم ممنوع دولياً، ونطلق عليهم الرصاص العشوائى، ونتهمهم بالسعار حتى لو كانوا أصحاء.. بينما نحن المصابون بالسعار، ولهذا قرر البعض تصدير الكلاب والقطط لبلاد تأكلها.. تماماً مثلما أكلنا الحمير حتى أصبحت قلوبنا غليظة وعقولنا متحجرة!. وقد جاء فى الصحيحين من حديث أبى هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: «بينما بغى من بغايا بنى إسرائيل تمشى، فمرت على بئر ماء فشربت، وبينما هى كذلك مر بها كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فعادت إلى بئر الماء، فملأت موقها -أى: خفها- ماء، فسقت الكلب فغفر الله لها».. وهذا الحديث لمن يفتون بقتل الكلاب والقطط باسم الإسلام!

ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع