الأقباط متحدون - زيارتي للغردقة التي أعشقها
  • ١٤:١١
  • الثلاثاء , ١٧ ابريل ٢٠١٨
English version

زيارتي للغردقة التي أعشقها

فاروق عطية

مساحة رأي

٠٠: ١٢ ص +02:00 EET

الثلاثاء ١٧ ابريل ٢٠١٨

صوره_أرشيفية
صوره_أرشيفية
فاروق عطية 
   بدأ عشقي لمدينة الغردقة منذ زمن بعيد، منذ كنت طالبا بكلية العلوم قسم جيولوجيا. في عام 1957 كنت بالسنة الثانية وقرر قسم الجيولوجيا أن يخرج بنا لدراسة علم طبقات الأرض المصرية بالصحراء الشرقية علي الطبيعة. أنتهت امتحانات التيرم الأول لقسم الجيولوجيا قبل الأقسام الأخري بخمسة عشر يوما، يليها إجازة نصف السنة خمسة عشر يوما، وقُرر بدء الدراسة بقسم الجيولوجيا متأخرا عن باقي الأقسام بخمسة عشر يوما، وبذلك تيسر لنا خمسة واربعون يوما للرحلة التي بدأت إلي السويس ومنها إلي شتي بقاع الصحراء الشرقية، جبل الجلالة، العين السخنة، الزعفرانة، رأس عارب، الغردقة، القصير، سفاجة، مرسي علم. وكان يرافقنا شاحنة تحتوي علي مخيمات ومأكولات لزوم التعسكر في كل مكان لدراسة جيولوجيته والمبيت به، أما إذا مررنا بأماكن بها شركات عاملة كنا ننزل ضيوفا عليها، كشركة شل للبترول برأس غارب، ومعهد الأحياء المائية بالغردقة، وشركة الفوسفات بسفاجة. وفي العودة عبرنا طريق رأس علم قنا مرورا بمناجم الذهب (فواخير والسكري)، ثم الطريق الزراعي من قنا للقاهرة. وكانت أول زيارة لي لمديبة الغردقة حيث نزلنا في ضيافة الدكتور إبراهيم جوهر بمعهد الأحياء المائية. راعني جمال الغردقة وجوها الدافئ شتاء، وجمال الطبيعة بها، ومن يومها وأنا مدمن الذهاب إليها كل شتاء لقضاء فترة أعياد رأس السنة والكريسماس، خاصة أن عديد من الأقارب قد نزحوا بحكم عملهم من الصعيد إليها واستوطنوها، مما كان يوفر لي الإقامة المجانية. وقبل الحديث عن زيارتي الأخيرة إلي الغردقة التي استمرت لمدة شهر، كان لابد من إسقاط بقعة من ضوء علي نشأتها وتاريخها.   
 
   كانت قرية صغيرة يسكنها صيادو الأسماك، تطورت فيما بعد منذ بداية القرن الماصي (1905) إلى ما أصبح الآن مدينه الغردقه. اكتسبت الغردقة اسمها من شجرة الغردق، الذي ينمو بكثرة في هذه المنطقة. كان الصيادون يأتون من شبة الجزيرة العربية ويلتقون عند شجرة الغردق ذات الارتفاع الكبير. كانوا يرددون جملة بعينها وهى "نتقابل عند الغردق" ومنها أشتق إسم الغردقة.

تم تشييد استراحة إستجمامية في موضع هذه الشجرة للملك فؤاد ومن بعده للملك فاروق. وبعد التأميم في عهد الرئيس جمال عبد الناصر أصبح هذا المبنى نادي القوات المسلحة للرياضات المائية، وموقعة الأن أمام مركز الإستعلامات السياحية بالمدينة. اكتشف البترول في تلك المنطقة سنة 1913، وبدأ الإنتاج الاقتصادي للتصدیر في آبار الغردقه عام 1921. كانت شركة آبار الزیوت الانجلیزیه المصریة المحدودة (شركة تابعة لمجموعة شل العالمية) من أوائل الشركات التي بدأت في إنتاج النفط بهذه المنطقة.
 
   تم توسيعها منذ ثمانينات القرن الماضي باستمرار من قبل المستثمرين المصريين والأجانب ليصبح المنتجع الساحلي الرئيسي علي ساحل البحر الأحمر. توفر القرى السياحية والفنادق المرافق الرياضية المائية لمتزلقين، ومستخدمي الشراع، واليخوتات، والغواصين والسباحين. تشتهر الغردقه بأنشطتها الرياضية المائية والحياة الليلية والطقس الدافئ. درجات الحرارة اليومية في المتوسط حوالي 30 درجة مائوية لمعظم أيام السنه، لكن خلال يوليو وأغسطس تصل درجات الحرارة أحيانا إلى أكثر من 40 درجه مائوية نهارا ويعتدل الجو ليلا. وقد اختار العديد من الأوروبيين الغردقه لقضاء عطلاتهم العادية، وخاصه خلال موسم الشتاء لقضاء أعياد الميلاد ورأس السنه الجديدة بها. انخفضت السياحة من روسيا بشكل كبير بعد تحطم طائره الرحلة 9268 في نوفمبر 2015.
 
   تمتد الغردقه لحوالي 36 كيلومترا (22 ميلا) علي شاطئ البحر الأحمر، ولا تبعد كثيرا عن الصحراء المحيطة بها. وتعتبر الغردقة المنتجع المناسب لسياحة المصريين من شتي البقاع المصرية (القاهرة والدلتا والصعيد)، إضافة لمجموعات من سياح العطلات من أوروبا. تعداد سكان الغردقة يقدر بحوالي 377 ألف نسمة، وتنقسم الغردقة إلي:
 
- الجزء الشمالي ويشمل الأحياء المائية والهلال.
- الجزء القديم ويشمل وسط المدينة (الدهار).
- مركز المدينة (السقّالة).
- الجزء المستحدث (الكوثر).
- طريق القري السياحية (الممشي) وهو طريق للمشاه يمتد لـ أربعة كيلومترات. توجد العديد من الفنادق الجديدة علي طول الممشا.
 
يقع فندق الدهار في منطقة البازار التقليدي للمدينة ومكتب البريد ومحطات الحافلات إلي القاهرة أو الدلتا أو الصعيد. كما يخدم المدينة مطار الغردقة الدولي، المخصص لنقل الركاب من القاهرة، أو خطوط النقل المباشر من عدد من المدن الأوروبية. كما افتتحت محطة استقبال جديدة (مطار)عام 2015 لاستيعاب تزايد القادمين إليها.
 
   في أيام الملك فؤاد، وإبان تواجد جلالته بالاستراحة الملكية، إصطاد أحد الصيادين سمكة كبيرة الحجم غريبة المنظر وقرر إهدائها للملك، وحين شاهد الملك السمكة قال للصياد: أطلب ما تريد أعطيك. أجاب الصياد: أعطني لقب باشا. تردد الملك كيف يكون هذا الفقير المعدم باشا، وهمس له أحد مجالسيه: قل له أنت باشا فلا ضير في ذلك، فاستجاب جلالته وقال له: شكرا علي السمكة العظيمة يا باشا. وفي أحد ليالي الشتاء القارس البرد شعر الصياد أثناء الصيد وهو  بملابسه البالية بالبرد يهز جسده فقال لنفسه: إذا كنت أنا الباشا أشعر بهذا البرد القارس فكيف يكون الحال مع العامة المساكين ..! ويبدو أن أحد أحفاد هذا الباشا قد من الله عليه بالثراء فاقتني فندقا ومنتجعا بالغردقة وأطلق عليه فندق ومنتجع الباشا، وسمي الشارع المقابل للفندق بشارع الباشا

   انطلقت إلي الغردقة بطائرات مصر للطيران يوم 21 مارس الماضي الساعة الثالثة عصرا لأصل إليها السابعة صباح 22 مارس وكان إبني في انتظاري(كتبت معاناتي السفر بالمقال السابق). وبقيت بها شهرا لأعود إلي كندا في 22 أبريل الماضي. تغيرت الغردقة كثيرا عما كانت عليه من عشرين عاما مضت وتغيرت معالمها عما كنت أعرفها. اتسعت بشكل مذهل وامتدت شوارعها الطولية واتسعت وأصبحت جيدة الرصف، ولكن للأسف كل الشوارع العرضية تفتقر للنظافة والرصف كونها مليئة بالمنخفضات والارتفاعات كما أن مخلفات البناء من دبش وطوب ورمال مازالت بجوار البنايات تشوه منظرها. وأهم ملاحظاتي لما شاهدته بها:
 
ـ تنامي هائل لعدد العمارات التي يزيد عددها عن المليون بناية (عدد السكان حوالي377 ألف نسمة) ويلاحظ أن العديد من العمارات خالية من السكان وبعضها مسكون جزئيا، قيل لي أن بعض العائلات من شتي بقاع مصر يشترون الشقق بتلك العمارات بكثافة أملا في الاستفادة منها تأجيرا للسائحين، البعض يشتري أكثر من شقة وقدتصل لثلات أو أربع شقق.
ـ العديد من العمارات يتماكها أجانب (روس وألمان وسوريون)، ومن منهم لا يمتلك عمارة يمتلك شقة علي الأقل.
 
ـ السوريون يملأون شارعا تجاريا بالكامل يتاجرون في كل شيئ خاصة الحلويات والمأكولات السورية، ويمتازون بجودة ما يبيعون.
 
ـ هناك همسات عن بعض الأثرياء الذين يتملكون عشرات السوبر ماركتس أو العمارات. علي سبيل المثال سلسلة محلات أبو عشرة، يقولون أن صاحبها جاء من قنا لا يمتلك سوي عشر جنيهات وكان في فصل الصيف، نام علي شاطئ البحر وفي الصباح الباكر وجد علي الشاطئ إطار شيارة مليئ بالكوكايين، من بيعه أصبح مليونيرا وافتتح سلسلة محلات أبو عشرة تيمنا بالعشر جنيهات التي أتي بها. وآخر يمتلك عدد لا بأس به من العمارات إضافة لعشرات القطع من الأراضي المعدة للبناء، كان يعمل في الكويت كعامل محّارة، أتي إلي الغردقة لينشئ العديد من العمارات، تقول الهمسات أنه من الأقصر غرب النيل (وادي الملوك) وأن ثراءه المفاجئ مصدره ما استولي عليه من آثار حصل عليها وباعها بطريقة غير قانونية. وأنا أتساءل أليس في بلادنا قانون من أين لك هذا ؟ ولماذا لم يفغّل ؟
 
ـ رغم العدد الهائل من العمارات التي معظم شققها عير مسكونة، يلاحظ الارتفاع المستمر والغير طبيعي لأثمان الشقق. أخشي بعد وقت ليس ببعيد أن تحدث كارثة اقتصادية وهبوط شديد للأسعار تبعا لقانون العرض والطلب.
 
ـ الجواهرجية(تجار المصوغات الذهبية) يبيعون بالقطعة وليس بالميزان خاصة للأجانب. كما أن الصيدليات لا تلتزم بالسعر المحدد خاصة للأجانب، علي سبيل المثال لو كانت علبة الدواء بعشرين جنيها تباع للسائح بعشرين يورو أو عشرين دولارا حسب جنسيتة.
   
 

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
حمل تطبيق الأقباط متحدون علي أندرويد