الأقباط متحدون - الفكر العربى بين صدمة الحاضر والمستقبل الغائم (3/3)
  • ١٦:٣٨
  • الخميس , ٨ نوفمبر ٢٠١٨
English version

الفكر العربى بين صدمة الحاضر والمستقبل الغائم (3/3)

مقالات مختارة | نبيل عبد الفتاح

٥١: ٠١ م +02:00 EET

الخميس ٨ نوفمبر ٢٠١٨

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

 نبيل عبد الفتاح
ركز منظرى الفكرة العربية الجامعة فى عديد أطروحاتهم على مفهوم القومية فى إطار بعض الجوامع المشتركة بين الشعوب العربية، وهو مفهوم مستعار من حركة القوميات وتشكلاتها فى إطار تطور الرأسماليات الأوروبية، وعمليات بناء نموذج الدولة/الأمة فى سياقات تاريخية اعتمدت على الاندماج القومى الداخلى، وتبلور للُبنى الطبقية ونظم سياسية ليبرالية.

استخدمت النخب السياسية الحاكمة بعد الاستقلال الفكرة القومية العربية كجزء من أيديولوجياتها، وأحد أبرز مصادر نظام الشرعية السياسية، بل وفى صراعاتها البينية فى ظل الحرب الباردة العربية العربية. كان واقع عمليات بناء دولة ما بعد الاستقلال يشير إلى تركيز الزعامات والنخب الحاكمة على بناء أنظمة تسلطية، تعتمد على أساليب القهر والإجماع القسرى حول النظام، فى ظل مجتمعات انقسامية فى بنياتها الداخلية، وإقصاءات لقوى اجتماعية وعرقية وقومية ودينية ومذهبية، واستخدمت الفكرة القومية كمظلة أيديولوجية لإخفاء سياسة الاستبعاد والإقصاء لمكونات مختلفة من تركيبة النظم الشمولية والتسلطية. لاشك أن هذه السياسات أدت إلى انكفاء بعض المكونات الأولية حول ذاتها وتاريخها الخاص والمتغير. من ناحية أخرى سعت النخب الحاكمة لتعزيز الطابع القطرى فى سياستها الداخلية، وفى السياسات التعليمية والثقافية، وفى دعم المؤسسات الدينية الوطنية، كجزء من أدواتها فى الهيمنة الأيديولوجية، وترتب على ذلك اتساع الفجوة بين الشعارات القومية العربية، وبين تنامى الروح القطرية /الوطنية داخل غالب النظم العربية الحاكمة، ومن ثم أدت سياسة بناء الوطنيات /القطرية إلى المساهمة فى تراجع الفكرة القومية العربية، لاسيما مع تزايد النزاعات العربية-العربية السياسية، وحول الحدود، ومحاولات بناء المكانة الإقليمية، خاصة عقب ثورة عوائد النفط بعد حرب أكتوبر، وبروز التناقضات والفجوات بين دول اليسر النفطى، وبين دول العسر. من هنا يمكن القول أن نظم ما بعد الاستقلال وسياستها، ساهمت فى تراجع وانكماش الفكرة القومية العربية، بل وساهمت السياسات القطرية فى إعاقة تطورها، خاصة فى ظل ضعف الجامعة العربية، وهشاشة غالب اتفاقيات التكامل العربى.

ارتبط الفكر القومى العربى تاريخيًا بعلاقة وثيقة بالقضية الفلسطينية، وشهدا معا لحظات الصعود والتمدد فى السياسات العربية، وفى الوعى الجماعى لشرائح اجتماعية عريضة فى المجتمعات العربية، وأسهم الفشل التاريخى العربى فى معالجة القضية الفلسطينية فى التأثير السلبى على الفكر القومى العربى، وخاصة فى ظل الاضطرابات الإقليمية لاسيما بعد انهيار الدولة فى العراق واليمن وليبيا والحرب الأهلية فى سوريا. تأثرت على نحو سلبى الفكرة العربية الجامعة التى تراجعت على أيدى قادة النظم الشمولية، فضلاً عن غياب منظرين جدد لها يحاولون تجديدها وتأصيلها فى عالم مختلف وإقليم مضطرب.

الفكر الليبرالى العربى، ظل محاصرا عقب سيطرة النظم الشمولية والتسلطية وحظر الأحزاب الليبرالية فى مصر والعراق وسوريا، ولم يتطور الخطاب الليبرالى فلسفيا وسياسيا وظل أسير بعض الشعارات العامة المستمدة من بعض النظرات الدستورية الشكلانية فى النماذج الأوروبية البرلمانية البريطانية، وشبه الرئاسية الفرنسية، والرئاسية على النمط الأمريكى، دون تأصيل فلسفى وتاريخى واجتماعى للثقافة السياسية والنظم والقواعد الليبرالية، لاسيما منذ عقد السبعينيات من القرن الماضى وحتى الآن. غالب الفكر الليبرالى السياسى ظل يعيد إنتاج المقولات العامة والتاريخية دون متابعات لتطور الفكر والنظم السياسية الليبرالية الغربية الأوروبية والأمريكية.

الأخطر أن هذا الجمود الفكرى التاريخى يعود إلى استعارة بعض الأفكار التأسيسية لهذه المدارس فى لحظات تم تجاوزها تاريخيا فى الفكر الغربى، وعدم متابعة تطوراتها الفكرية والتطبيقية، ومحاولة إبداع تصورات عربية تتفق مع الواقع الموضوعى والتاريخى فى كل بلد. من ناحية أخرى أدت سياسات الإقصاء والمنع والقمع إلى جمود بعض هذه الأيديولوجيات فى ظل غياب حريات الرأى والتعبير، فضلا عن ضعف غالب الإنتاج البحثى الاجتماعى، وعدم اعتماد الفكر العربى على الدراسات الاجتماعية والسياسية التطبيقية، على نحو أدى إلى فجوة واسعة بين الأفكار السياسية العامة، وبين الواقع الاجتماعى. أخطر ما فى المشاهد الفكرية العربية على تعدد اتجاهاتها هو الفجوة الواسعة بينها وبين ما يجرى فى عالمنا المابعدى ــ ما بعد الحداثة وما بعد العولمة- وسرعة الانتقال إلى الثورة الصناعية الرابعة، بينما يعيش فكرنا فى حالة من التوهان التاريخى، وصدمات التخلف، والخوف من صدمة المستقبل.

إن نظرة على غالب الإنتاج الفكرى والفلسفى العربى، تشير إلى إعادة طرح الثنائيات الضدية حول التراث والحداثة، والهوية التأسيسية ذات الأساس الدينى، وقضايا طرحت منذ عديد العقود، أو أخرى تم تداولها فى الساحة الدولية، وتراكم حولها تراث من الكتابات ثم توارت ولم تعد جزءًا من تغيرات عالمنا المابعدى الذى يدخل عصر الذكاء الصناعى، والثورة الرقمية، من ثم الماضوية لم تعد سمت غالب الفكر الدينى الوضعى السائد، وإنما باتت تشكل أحد أبرز ملامح أزمة الفكر العربى الراهن الذى يعيش غربة عن زمن العالم المتغير.
نقلا عن الأهرام

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع