الأقباط متحدون - السادات.. الصمت والبهتان
  • ٠٨:٤٧
  • الأحد , ٧ اكتوبر ٢٠١٨
English version

السادات.. الصمت والبهتان

مقالات مختارة | وجيه وهبة

٤٠: ٠٨ م +02:00 EET

الأحد ٧ اكتوبر ٢٠١٨

وجيه وهبة
وجيه وهبة

■ رحل الزعيم «عبدالناصر» فجأة وتولى نائبه «السادات» سدة الحكم. لم يكن من السهل تصور أن هناك مَن يستطيع أن يملأ الفراغ بعد «ناصر»، هذا الزعيم الذى كان له من الحضور القوى اللافت للأنظار والأسماع.. «كاريزما» يندر تكرارها.. ولكنها «كاريزما» قادت البلاد إلى هزيمة كبرى، واحتلال، والآلاف المؤلَّفة من ضحايا الحروب من أبناء الوطن.

■ من أسخف الأقوال التى اعتدنا سماعها، حينما يدور نقاش حول حاكم ممن حكموا البلاد، أن تسمع العبارة الآتية: «هو صحيح كانت له أخطاء كارثية.. لكنه كان حَسَن النوايا، وكان وطنى بيحب البلد، وإيده نضيفة»!!، ولكأنما الأوطان تُقاد بالنوايا، ولكأنما حب الوطن هو تفضل من الحاكم، وليس شعوراً طبيعياً لدى المواطن السوى، ولكأنما الأصل أن يكون الحاكم لصاً!.

■ استهان أقطاب نظام الزعيم الراحل «ناصر» بشأن «السادات»، أرادوه مجرد واجهة لا تعوق استمرار سياساتهم التقليدية، الملتحفة بصبغة «يسارية». ولأنه كان أكثرهم خبرة سياسية وتجربة نضالية، منذ مطلع شبابه، تجربة اتسمت بالشجاعة إلى حد التهور، أبى «السادات» أن يكون ألعوبة فى يد مَن لا يبين تاريخهم عن أدنى تميز عليه. وحين بلغ السيل الزبى، بعد نحو سبعة أشهر من توليه القيادة، تخلص «السادات» من جميع مناوئيه بضربة واحدة، فى مايو 1971. كان الجميع ضده.. نائبه.. وزير الحربية.. وزير الداخلية.. وزير الإعلام.. وزير شؤون رئاسة الجمهورية.. رئيس مجلس الأمة.. غالبية قيادات التنظيم السياسى «الاتحاد الاشتراكى».. إلخ.. ممن يُسمون «ناصريين». وللمفارقة، استخدم «السادات» «هيكل»، كاهن الناصرية الأكبر، فى تنفيذ خطة التخلص من «الناصريين».. «مراكز القوى».. وحشد الرأى العام لتأييدها، ثم ظهر «السادات» فى مشهد إعلامى مسرحى، مطلقاً إشارة البدء لتحطيم المعتقلات، وإرساء دولة القانون، وانتهاء عصر التلصص والتنصت على المواطنين.

■ بعد التخلص من أعدائه، بدأ «السادات» عهده بإصدار دستور جديد (دستور 71)، أعاد فيه الاسم التاريخى للوطن.. «مصر»، وواصل الإعداد لاسترداد سيناء المحتلة. بدأ أنصار مراكز القوى، فى الجامعات وبعض مؤسسات الدولة، فى المناكفة وإثارة القلاقل.. تفتق ذهن «السادات»، وأذهان بعض مستشارى الغفلة، عن فكرة المصالحة مع «الإخوان المسلمين» وإطلاق يدهم فى الجامعات لمعادلة وردع كافة القوى المناوئة المزعجة، من ناصريين ويساريين. وذلك دون ظهور الدولة فى المشهد. رأوا أن ذلك أفضل كثيراً من إعادة فتح تلك المعتقلات والسجون، التى لم يمضِ سوى وقت قليل على مشهد «السادات» وهو يحطمها، مُعلناً سيادة دولة القانون. كما وأن فى فتح صفحة جديدة مع الإخوان، أيضاً، رسالة ضمنية ودية، للمملكة السعودية- حاضنة الإخوان فى تلك الأوقات- و«السادات»- الماكيافللى البراجماتى- كان يرى ضرورة حشد كل الدعم العربى، ودول البترول بصفة خاصة، توقعاً لمعركته المرتقبة لتحرير الأرض، كما أن الإخوان كانوا قد أمضوا فعلياً فترات العقوبة.

■ قاد «السادات» حرب أكتوبر المجيدة، التى أذهلت العالم وأعادت الثقة فى المصريين شعباً وجيشاً. بعد ذلك، أطلق سياسة الانفتاح الاقتصادى.

■ لم تكن مناورة «السادات» مع الإخوان- التى نعدها خطأً تاريخياً- سوى تطبيق لمنهج لجأ إليه «ناصر» من قبل، فى بداية حركة 23 يوليو، قبل القطيعة، ولجأ إليه مَن تلوه، عبر تفاهمات مع التيارات الإسلامية بكافة مسمياتها. وللأسف، لم يدرك أى منهم جميعاً- وحتى يومنا هذاـ خطورة لعبة خلط الدين بالدولة إلا بعد فوات الأوان. وبعد اشتعال «الفتنة الطائفية»، وفى آخر خطاب له، أقر «السادات» بأنه قد أخطأ بإخراجه الإخوان من السجون، وكرر فيه عبارة «لا سياسة فى الدين، ولا دين فى السياسة»، ولكن عجلة الإرهاب كانت قد دارت، فبعد عدة أسابيع من هذا الخطاب، اغتاله مَن خلطوا الدين بالسياسة. وفرح الذين فى قلوبهم مرض، والذين فى جيوبهم دولارات «صدام» و«القذافى» ومَن لف لفهم.

■ «سمح» السادات بوجود معارضة حزبية- نعم نقول «سمح».. فكلمة «معارضة» ذاتها لم تكن موجودة فى القاموس السياسى، فى زمن «ناصر»، فلم يكتفِ المعارضون بالمعارضة الشرسة، خاصة لاتفاقيات السلام واسترجاع الأرض المحتلة، بل تطاول بعضهم وجاوز الحدود.. اتهموه بالخيانة!!.. أباحوا الخوض فى الكلام عن أسرته.. ولم يكن ليجترئوا فى زمن «ناصر» على فعل أو قول عُشر معشار ما قالوه وفعلوه فى زمن السادات. صبر «السادات» على معارضيه كثيراً، ولكن للصبر حدود.. تجاوزوها.. فتجاوز هو أيضاً، إذ طالت اعتقالات سبتمبر 1981 بعض مَن لم يكن من الضرورى اعتقالهم. فيما بعد، أكد الوزير الراحل «منصور حسن» أن «السادات» كان ينتوى إطلاق سراح الجميع، بعد تسلمه آخر قطعة محتلة من سيناء «طابا»، فى 25 إبريل 1982.

■ أصاب «السادات» بعض الزهو بالذات و«الفرعنة»- ومَن سلم من هذا ممن حكموا من قبله ومن بعده؟ـ وكانت «فرعنته»ـ وإن لم تكن مقبولةـ «فرعنة» لم تنشأ من فراغ، فهو حقاً بطل الحرب والسلام، الذى حرر الأرض بعد جهاد مُضْنٍ، جهاد انتزع فيه جزءاً من الأرض فى ميدان القتال، واستكمل الباقى فى ميدان التفاوض. وحاز احترام وتبجيل العالم الحر.

■ تُرى ماذا تعلم الأجيال الجديدة عن الزعيم الخالد «أنور السادات» سوى ما يبثه لهم المؤرخون المؤدلچون وإعلام المراهقة السياسية، هؤلاء الذين يستكثرون أن يكون هناك زعيم خالد آخر غير زعيمهم، وإن اختلفت أسباب خلود كليهما؟.

■ «السادات» زعيم خالد، من أدهى وأشجع وأرحم مَن حكموا مصر، مات غدراً، وتواطأ الجميع، أعداؤه وأنصاره، فى عدم إنصافه، بهتاناً أو صمتاً.
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع