الأقباط متحدون - ليلة فى سفارة مصر بواشنطن
  • ٠٠:٠٩
  • الجمعة , ٥ اكتوبر ٢٠١٨
English version

ليلة فى سفارة مصر بواشنطن

مقالات مختارة | عادل نعمان

٥٥: ١٠ ص +02:00 EET

الجمعة ٥ اكتوبر ٢٠١٨

عادل نعمان
عادل نعمان

تسألنى ابنتى: «لماذا لا تعيش بيننا، تنعم بصحبتنا فى هذا الربع الأخير من العمر، فى بلاد الحرية والجمال والهدوء والسكينة، ألست ثائراً دائماً ولا يعجبك العجب فى بلادنا، ويعجبك هنا كل شىء، الكل منظم، ومرتب ومتماسك ومثالى، وحقوق الجميع أقلية وأكثرية مصونة ومحفوظة، وحرية الرأى والفكر والعقيدة هنا كما تريد وتنشد.. مجتمع اللاغلطة كما تقول؟».. اظفر يا أبى براحة البال وابقَ معنا، هادئاً ساكناً وديعاً، بلا تشابك مع هذا التيار السلفى المسيطر والمهيمن على عقول الناس، أو التراشق مع سلبيات المجتمع التى تفشت وهيمنت وسيطرت وغطت على مساحات شاسعة من بلادنا، أو عدم الرضا عن هذا المشروع وأولوياته وتداعياته أو ذاك، أو الرضا عن الآخرين ومباركتهم، فترضى وترضينا.

يا ابنتى أنا لا أجد بقية من عمر سوى هناك، وسط هذا التشابك وهذا التراشق، وبين الرضا وعدمه ونقصانه أتنفس وأحيا، قد يتأخر الشهيق عن الزفير قليلاً لكن النفس ما زال حياً صاعداً، بين الخوف على المصير فى يوم التشابك والفوز بالنجاة فى اليوم التالى أشعر بالفوز والانتصار، أنا لا أستطيع أن أميز كلمات الهمس حتى لو كانت كلمات الحب والعشق محمولة على نغم هادئ وثير، وأفك طلاسمها وحروفها ببراعة وسط قرع الطبول، وهوس الشوارع وصخب السيارات والمارة، حتى لو كانت الكلمات خرساء صماء، ليس الأمر بيدى يا ابنتى ما أصابنى أصاب كل المصريين فى هذا الربع الأخير، ولو خيرناهم بين الهدوء والسكينة من ناحية، وبين الضجيج والصخب والجلبة والصراخ، لاختاروا الأخير مرغمين وعن رضا، لم يعد الهدوء الذى كنا ننشده يوماً وعز علينا مألوفاً أو متاحاً، فلما أتاحوا لنا غيره ألفناه وأدمنا ذراته الخفيفة، هذا هو قدرنا فى هذا الربع.

«ما رأيك فى أمسية نصر فى السفارة المصرية بواشنطن؟»، قالتها وهى تعرف هوسى بمصر عند السفر والبعد عنها حتى لأيام معدودة. أقبل وأسعد بها، فى حضن صغير لبلادى: هاتى الدعوة وهيا بنا. اليوم الثانى من شهر أكتوبر السفارة المصرية تحتفل بنصر أكتوبر، قبل حلوله بأربعة أيام! تحركنا قبل الموعد بنصف ساعة وهى مسافة الطريق من ميريلاند حتى مبنى السفارة فى مدينة واشنطن، مكان انتظار السيارات أمام السفارة مكتظ عن آخره بسيارات الضيوف من كل الدول، واجهة السفارة تعيدك إلى عصورنا الراقية الزاهية، فى بهو السفارة كل شىء يذكرك بالوطن الأم، الركن الشرقى، الكشرى المصرى، الذى لم أتذوق له مثيلاً فى أعتى محلاته ومنبعه، المعلقات الفرعونية، رائحة المكان ووجوه الناس، بدأ الاحتفال بالسلام الوطنى الأمريكى ثم المصرى فى حضور المتحدث الرسمى لوزارة الدفاع الأمريكية، ثم كلمة لأحد أبناء المكتب العسكرى رحب فيها بالجميع، ثم كلمة الملحق العسكرى الذى أشاد بحرب السادس من أكتوبر والنصر الذى حققه الجندى المصرى، تخللها تكريم الرئيس السادات فى شرف وجود نجله جمال السادات، دمث الخلق المتواضع، وكانت تحية الحضور عظيمة الأثر على وجهه، تلاها فيلم تسجيلى عن القوات المسلحة المصرية وحرب السادس من أكتوبر والحرب ضد الإرهاب فى سيناء، تلاها كلمة السفير المصرى ياسر رضا، ثم العشاء المتواضع الراقى. كل شىء مرتب ومنظم، كلمات الملحق العسكرى والسفير هادئة واثقة، السفير مشهود له بحسن الإدارة، وتفاعله وتواصله المحمود مع المصريين فى أمريكا، والأمريكان أيضاً خصوصاً الرسميين منهم، التواصل مع كل أطراف القرار هو النجاح بعينه، أما عن إخواننا المصريين هنا فإنهم شعلة من الحب للوطن، كلهم شغف وولع به وخوف وقلق عليه، الحكايات لا تنتهى، والحديث لا ينقطع، خصوصاً عن الكشرى المصرى على العشاء الفائز دوماً بالمقدمة، والثابت هنا أنه يحوز على الجائزة الأولى كل عام فى احتفالية السفارة، وتندهش حين يقابلك الجميع ويسألونك السؤال ذاته: «جربت طبق الكشرى؟»، ثم يسارع لإحضار طبق إليك، الغريب أن نصف الحضور ناولوا النصف الآخر هذا الطبق اللذيذ، الحديث لا ينقطع عن مشاكل وهموم الوطن، متى ننهض،

ومتى نرفع عن كاهل الناس هذا الغلاء، ومتى ينضبط الشارع والمرور، ومتى ينتهى المواطن من حل مشاكله وأوراقه ومعاملاته كما دول العالم، جميعاً يعيشون معنا ويتحركون معنا، ويذهبون معنا إلى أماكن إنهاء الإجراءات ويعانون كما نعانى، ينتهى العشاء ويغادر كل منا السفارة فى هدوء وفى يده هدية السفارة، شنطة فرعونية تحوى بعضاً من البرديات. أتعرفون: ليس لنا من فخر سوى تاريخنا الفرعونى، نهر من المحبة والسلام، هذه هى مصر، مصر التى تحتضن كل الأديان دون تفرقة، كما شاهدت فى السفارة، كلهم مصريون جاءوا لقضاء ساعة فى حب الوطن مصر، تعانقوا جميعاً ساعة الوصول وساعة المغادرة، لا فرحة لهم سوى فرحة الوطن، ولا حزن لهم سوى ما يُحزن الوطن، كل عام وجميع المصريين بخير، ليتنا فى مصر على هذا الحب الذى رأيته فى السفارة بين المصريين، مصر تجمع الجميع ليس فقط ديناً أو مذهباً.
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع