الأقباط متحدون - الرئيس يستثمر فى الإنسان
  • ٠١:٥٢
  • الخميس , ٤ اكتوبر ٢٠١٨
English version

الرئيس يستثمر فى الإنسان

مقالات مختارة | فاطمة ناعوت

٥٨: ٠٧ ص +02:00 EET

الخميس ٤ اكتوبر ٢٠١٨

فاطمة ناعوت
فاطمة ناعوت

إذا أردتَ أن تحكم على مستوى تحضُّر مجتمع ما، انظرْ رأسًا إلى منظومة التعليم فى ذلك المجتمع. من حيث آلية التدريس، تأهيل المعلّم، تجهيز المدارس، طبيعية المناهج، وأسلوب ترقّى الطلاب من فصل دراسى إلى آخر. ثم مستوى الطالب الأخلاقى والثقافى والأكاديمى والنفسى والصحى، ومدى تطوره بعد كل فصل دراسى. أما إن أردتَ أن تُدقّق حكمَك على ذلك المجتمع، فعليك النظر إلى حال ذوى الاحتياجات الخاصة من الأطفال والنشء، على اختلاف ذلك الطيف الواسع المُتشعِّب. تأملْ حجم الرعاية المُقدّمة لهم من مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدنى، منذ ميلادهم، ثم تطوّر تلك الرعاية طبيًّا ونفسيًّا وفكريًّا وتوعويًّا، يومًا بعد يوم مع تقدّم أعمارهم حتى الوصول إلى سن الدراسة، ثم نوعية التعليم المقدّم لهم فى المدارس، وهل يُعزلون عن المجتمع، أم ينخرطون فى نسيجه، حتى يكون بوسعهم أن يشيدوا ذلك المجتمع مع أشقائهم الطبيعيين، يدًا بيد.

ولو علمنا أن بمصر الطيبة ما يربو على الاثنى عشر مليون شخص من ذوى الاحتياجات الخاصة، وفق ما أعلنت الإحصاءات الرسمية؟! فذلك يعنى أن هناك اثنى عشر مليون أسرة تحتاج إلى دعم للنهوض بأبنائها لتعليمهم والارتقاء بقدراتهم حتى يصبحوا تروسًا فعّالة فى عجلات تطوّر الوطن، بدلا من أن يتحوّلوا مع الوقت إلى عبء ثقيل ينوء كاهلُ أيّ مجتمع عن حمله.

لكل ما سبق، فإن النهوض بمنظومة التعليم فى مصر، والاهتمام بأبنائنا «الاستثنائيين»، كما أسميهم، كان بالحقّ حُلمًا شخصيًّا لى، لإيمانى بأن ارتقاء مصر لن يبدأ إلا بارتقاء منظومتها التعليمية. ولهذا كانت سعادتى فائقة حين بدأت أرى أن خطواتٍ جادة للتطوير تجرى فى حقل التعليم. وتُوجّت تلك السعادة بذلك الحفل الثرى الذى حضرته قبل يومين فى مدينة شرم الشيخ، حيث، من أرض مصر، تنطلق مبادرة عملاقة لدمج طلاب التعليم الخاص مع التعليم العادى حتى تنهدم جُدُر الشرانق التى يكوّنها حول نفسه الطفلُ الاستثنائى، لكى يعزلَ نفسَه عن المجتمع الذى قد يرفضه إن كان مجتمعًا جاهلاً، وكذلك حتى تنهدم الصورةُ المُتحفّظةُ المستريبةُ التى يكوّنها الطفلُ الطبيعى عن شقيقه الاستثنائى من ذوى الاحتياجات والقدرات الخاصة، فيذوب كلاهما فى الآخر ويتعاونان على صنع الحياة. يفعلُ الغرب المتقدم ذلك فى المدارس؛ بأن يكون لكل طفل «استثنائى»، رفيقٌ دائم اسمه: «مدرّس الظل» أو Shadow Teacher، وظيفته مساعدة الطفل على التعامل مع المجتمع، وتوعية المجتمع للتعامل مع ذلك الطفل.

من داخل قاعة المؤتمرات بشرم الشيخ، أول أمس، كنتُ أتأملُ يدَ الرئيس عبدالفتاح السيسى تُربّت على رؤوس أبنائنا وبناتنا «الاستثنائيين»، فيما الصبايا فى فساتينهن الفيروزية، والزهور البيضاء منثورة فوق صدورهن، يتحلّقن من حوله كالفراشات. رحتُ أردِّدُ فى قلبى: «طوبى لأنقياء القلب»، وأنا أُنصِت للكلمة الافتتاحية التى ارتجلها الرئيسُ لبدء فعاليات الدورة الأولى من الملتقى العربى الأول لأنشطة مدارس التعليم الخاص والدمج، الذى أطلقته وزارة التربية والتعليم، والتعليم الفنيّ، بقيادة وزير التعليم د. طارق شوقى وحضور وزراء دول عربية عديدة شاركت فى هذ المشروع الحيوى العظيم، الذى انتظرناه عقودًا طوالا. لقد بدأت مصرُ فى الاستثمار فى الإنسان. وذلك هو الاستثمار الذى لا يخيب. والمبهج أن ينطلق ذلك المشروع من مصر، قبل أن يحمل عام ٢٠١٨ عصاه ويمضى، وقد أعلنه الرئيس عامًا لذوى الاحتياجات الخاصة. والأكثر إبهاجًا هو إعلان الرئيس أن عام ٢٠١٩ سيكون «عام التعليم» فى مصر، الذى نرجو ألا ينتهى إلا وقد تقدمت مصرُ لتحتلَّ مركزًا متقدمًا فى منظومة التعليم بين صفوف دول العالم.

خرج حفل الافتتاح بمستوى فائق يليق باسم مصر. من حيث التنظيم والإخراج والإضاءة والصوت والملابس والغناء والموسيقى والتصوير والشاشات وأجهزة البث وتصميم شعار الملتقى. كل شىء كان دقيقًا وجميلا، يسرُّ الناظرين ويجعلك تفخر بمصريتك التى لا يستحقها إلا الجادّون.

شكرًا على تلك الأمسية العظيمة التى ملأت قلوبنا بالرجاء فى غد أفضل. وشكرًا على شعاع ساطع انطلق من سماء بلادى. وشكرًا على المفاجآت التى أعلنها الرئيس فى الحفل لدعم التعليم.
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع