الأقباط متحدون - فوبيا التحرش الجنسي
  • ١٣:١٧
  • السبت , ١٨ اغسطس ٢٠١٨
English version

فوبيا التحرش الجنسي

مقالات مختارة | طارق المهدوي

٠٧: ١٠ ص +02:00 EET

السبت ١٨ اغسطس ٢٠١٨

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

    في كل الكائنات الحية ومن ضمنها البشر يختلف الذكر والأنثى عن بعضهما وظيفياً وبنائياً وهو اختلاف يترتب عليه بشكل موضوعي ميل جنسي متبادل بينهما يزيد أو يقل من شخص لآخر حسب ظروفه الذاتية، وإذا كانت الثقافة هي إحدى المنظومات التي يتميز بها البشر عن بقية الكائنات الحية فإن كل واحد من ذكور وإناث البشرية يقوم بترجمة ميله للجنس الآخر حسب ثقافته، في ترجمة يجب ألا تتعدى حدود اللغة عن بعد سواء عبر لفظ منطوق أو عبر الابتسام أو الغمز أو عبر إشارة حركية باليد أو ما شابه، ويتمثل رد الفعل الطبيعي الأصلي في قبول الطرف الآخر لميل الطرف الأول إليه بينما يتمثل رد الفعل الطبيعي الفرعي في رفض الطرف الآخر بوضوح معلن أن يتجاوب مع ميل الطرف الأول الذي يضطر للانسحاب، وإذا كان إصرار الطرف الأول على مواصلة ترجمته لميله إلى الطرف الآخر بعد إعلانه الواضح لرفضه إياه،

أو كان قيامه ابتداءً بترجمة ميله إلى الطرف الآخر عبر أفعال احتكاكية معه دون انتظار الحصول على موافقته يعبران عن مرض نفسي هو التحرش، فإن اتهام الطرف الآخر للطرف الأول بالتحرش لمجرد ترجمته ميله نحوه عن بعد دون انتظار لكيفية ومدى تجاوبه مع رفض الطرف الآخر يعبر عن مرض نفسي مختلف هو فوبيا التحرش، ورغم أن ظروفي الشخصية على امتداد عمري قد أنقذتني من الوقوع في مرض التحرش إلا أنها لم تنقذني من الوقوع في مرض فوبيا التحرش الذي واجهني مبكراً عدة مرات سأحكي لكم إحداها، في بداية ثمانينيات القرن العشرين أي قبل حوالي أربعين عاماً نشرت لي مجلة "الثقافة الجديدة" التابعة لهيئة قصور الثقافة قصة قصيرة، وأبلغني القائمون على المجلة بالتوجه إلى الخزينة الموجودة داخل مبنى ديوان الهيئة كي أحصل على مكافأة النشر،

علماً بأن هيئة قصور الثقافة كانت آنذاك هي المسؤولة عن بعض الأنشطة الثقافية والتي من ضمنها مسؤوليتها الحصرية عن عروض الفنون الشعبية الغنائية والراقصة، وعندما توجهتُ إلى خزينة الهيئة لصرف مكافأتي وجدتُها مفتوحة لكني لم أجد بداخلها الصراف، مما أربكني ومنعني من اتخاذ قرار بالانتظار أو الانصراف فاتجهتُ للمكتب المجاور سائلاً عن موقف الصراف الحاضر الغائب، قالت لي السيدة الجالسة على مكتبها باللهجة العامية المصرية "هو في الهيئة بس جاي هنا على واحدة ونص" فقلت لها باللهجة العامية المصرية "ده لازم ييجي على هنا رأساً"، ظاهر القول أنها تتحدث عن مجيئه عند الساعة الواحدة والنصف وأنا أتحدث عن ضرورة مجيئه بشكل مباشر لكن باطن القول ينطوي على بعض الكوميديا غير المسيئة لأحد، فالمصريون الذين يقولون "على واحدة ونص" بمعنى الرقص الشعبي هم أنفسهم الذين يقولون "رأساً" كمنطوق لكلمة "رقصاً" فكأنني أنا والسيدة الجالسة على مكتبها نقصد بالتورية أن الصراف سيأتي راقصاً، طمأنني كلامها فعدتُ لأجلس داخل خزينة الهيئة منتظراً مجيء الصراف لكن كلامي أثار مرض فوبيا التحرش لديها فاتصلت برئيس قطاع أمن الهيئة وحررت له مذكرة أنني تحرشت بها، منع رئيس الأمن وهو ضابط جيش الصراف من العودة إلى الخزينة وأرسل بدلاً منه بعض مرؤسيه لاصطحابي إلى مكتبه لسماع أقوالي فيما هو منسوب لي، وكاد أن يتطور الأمر لولا تدخل صديقي القيادي في الهيئة علي أبو شادي الذي سألتُه عن هوية السيدة الغاضبة وأسباب غضبها مني فشرح لي أنها مدير إدارة الرقص الشعبي بالهيئة لذلك فقد مس ردي عليها عقدتها الوظيفية أي أنه أثار مرض فوبيا التحرش الكامن لديها!!.
نقلا عن الحوار المتمدن
 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع