الأقباط متحدون - الأب متى المسكين والخدمة الكنسية
  • ٠٩:٠٢
  • الجمعة , ٢٧ يوليو ٢٠١٨
English version

الأب متى المسكين والخدمة الكنسية

كمال زاخر موسى

مساحة رأي

٠٠: ٠٢ م +02:00 EET

الجمعة ٢٧ يوليو ٢٠١٨

الأب متى المسكين والخدمة الكنسية
الأب متى المسكين والخدمة الكنسية

[ 1 ] المفهوم والصراع
كمال زاخر
فى اطار احتفال الكنيسة بمرور مائة عام على تأسيس منظومة "مدارس الأحد" القبطية الأرثوذكسية (1918 ـ 2018) تم الإحتفاء بالأب متى المسكين باعتباره أحد رواد الخدمة الكنسية المعاصرين، الأمر الذى أثار حفيظة بعض المناوئين له ولمنهجه، على خلفية المصادمة بينه وبين قيادات كنسية متنفذة بامتداد النصف الأخيرمن القرن العشرين، وفيما رحل طرفى المناقضة بقى مستثمريها، ولم يكن حراكهم فكرياً، بل سعياً لتسوية حسابات عالقة مع توجه الإحياء الآبائى الذى تتبناه الكنيسة الآن، فراحو ينكأون جراحاً لم تندمل ويحشونها ملحاً، ويملأون الدنيا ضجيجاً بلا طحين.

ومن يعود إلى ما كتبه الأب متى المسكين، متعلقاً بمفهوم الخدمة واشكالية الصراع حولها، ربما يضع يده على ما وراء هذا الضجيج، فبينما يكشف عن موقفه من ذهنية الشباب المتصدرين لمشهد "مدارس الأحد" الآخذ فى التشكل آنئذ، والصادم فى مفارقته للنسق القبطى الأرثوذكسى الآبائى، نجده يسارع بوضع تصوره عن الخدمة وروح المنهج الأرثوذكسى، وما يستوجبه من اعداد الخادم كنسياً ونفسياً وروحياً، بل وينبه مبكراً فى بصيرة تستشرف المستقبل من مخاطر وتداعيات الخلط بين دعوتى الخدمة فى مجالى الكلمة والرهبنة، وما الأشواك التى تدمى واقعنا إلا نتاج هذا الخلط.
::::::::::::::::::
خبرته الصادمة
::::::::::::::::::
سجل خبرته مع (طيف) من الرعيل الأول لمنظومة مدارس الأحد فى مذكراته التى ضم ملخصها كتاب صدر ملحقاً لمجلة مرقس عقب رحيله، بعنوان "ابونا القمص متى المسكين"، ورغم خبرته المؤلمة التى تولدت من مناقشاتهم التى تحمل قدراً وافراً من "التعصب الفكرى والإيمانى" إلا أنه كان يقدرهم ويصفهم فى مذكراته "كانوا خيرة الشباب الذى بدأ يتحرك على كل المستويات وأخصها المستوى الدينى، ويدخل الكنيسة بعد هجران مئات السنين"، ويرد ذاك التعصب إلى "العزلة والخوف" .

ويقول "بدأت العلاقات بينى وبينهم تكون على حذر، لأنى كنت أُعلِّم بغير ما يُعلِّمون، إنما دون أى تفريط منى فى عقيدتى، ولكن كان علىَّ أن ادفع الضريبة".

ويبلور أزمتهم فى كلمات محددة "التعايش الحر مع الذين يخالفوننا فى عقائدنا يحتاج إلى سعة قلب وفكر. ومن أين هذه السعة وكل شخص محصور فى نفسه وفى مدرسته وفى عقلية زعيمه يتحرك بين خطين مرسومين له : الأول من أسرته لكى ينجح فى الامتحان، والثانى من زعيمه الدينى أو كما يسمونه أمين مدارس الأحد، لكى يضمن خلاصه (الأرثوذكسى)."

وينتهى إلى نتيجة واضحة "أدركت أن لا فرق بين العلم والسياسة والدين، فالكل يحتاج إلى قائد أمين جداً ومتفتح جداً وحر جداً، كما يحتاج إلى تلميذ لا يبيع عقله لكل مناد أو يجرى وراء القطيع ليدخل أية حظيرة. وكان ألعن ما واجهت فى اختباراتى ومشاهداتى فى أيام شبابى ـ الكلام مازال للأب متى المسكين ـ هو رؤيتى كيف يعرض الزعيم رأيه ـ مدرساً كان أو زعيماً دينياً أو أمين مدارس الأحد ـ على من يتبعه فيستعبده، وكيف يبيع الشباب عقولهم ونفوسهم بسذاجة عن حماس وإخلاص وثقة لمن هم ليسوا أبداً أهلاً لهذه الثقة، وبمضى الأيام تكتشفالأجيال أنه قد غُرِّر بهم وأنها سارت وراء شخصيات تافهة أضلتهم الطريق وأفقدتهم الرؤيا الصحيحة ، هذه مصيبة هذا الجيل"

بينما ضم كتاب "الخدمة" رؤيته وتصوره والذى صدر فى طبعته الأولى عام 1965 وتتوالى طبعاته حتى اليوم.
:::::::::::::::
عن الخدمة :
:::::::::::::::
فى مقدمة كتاب الخدمة ينبه إلى "الفرق الكبير بين التعليم بمفهومه الحديث الآن وبين الخدمة فى مفهومها المسيحى الأصيل" ويرى أن "التعليم حتى لو كان فى الأمور الروحية فهو يختص بتهذيب الفكر ليتشبع بإسلوب الإنجيل وتدريب الملكات الإبداعية كالألحان والصلاة وتكوين الخبرات والمهارات كالكلام والوعظ وتكديس المعلومات سواء فى التاريخ أو الطقس أو اللاهوت، وهذا بالتالى ينتهى كله إلى الإعلاء بالشخصية على أساس الكفاءة الذاتية والتفوق على الآخرين فى الأمور الروحية".

"وأما فى الخدمة ـ والكلام مازال للأب متى المسكين ـ فهى تختص بوعظ النفس وتبكيتها وضبط الغرائز والسيادة عليها لإطلاق الروح من عبودية الأهواء والنزوات والدخول فى حالة توبة نشطة دائمة لتقبُّل نعمة الله. وهذا بالتالى ينتهى إلى تنازل عن الذات وتسليم النفس لله وبلوغ حالة من الصدق فى السلوك مع الناس والأمانة فى العبادة لله فى خشوع وتقوى".

ويعود فيؤكد على أن "هناك فرق بين معلم الدين وخادم الروح،

 الأول يُلقِّن المعرفة والثانى يبنى النفس، الأول يستقى المعرفة من الكتاب ويقدمها للتلميذ على ورقة والثانى من ملء روحه يفيض، من إيمانه وحبه وبذله واتضاعه يقدم الخبرة والمثال الحى فهو يعطى نفسه ويقدم حياته.

 الأول ناقل كلمة يقولها كما سمعها وتعلمها والثانى يلد الكلمة من بطنه فتتفجر من أعماقه كما ينفجر الينبوع من باطن الأرض.

 الأول يحضر الدرس ليقود الناس إلى فكره والثانى يتمخض ليلد بالروح أولاداً للمسيح.

 الأول يزداد كليوم علماً ويجتهد بالأكثر ليكون أفضل من غيره ويفتخر على كل من هم دونه، والثانى يزداد كل يوم نعمة واتضاعاً ويجتهد بالأكثر ليكون غير محسوب عند أحد ولا عند نفسه.

ويوجز الأب متى المسكين الأمر فيقول "هناك فرق بين تلميذ اعتاد أن يجلس إلى معلمه يسمع "درساً فى الدين" بوعد إذا حفظه ينال جائزة أو مديحاً، وبين إبن فى الطاعة أسلم روحه بيد مرشده ينتخس قلبه بوعظه فيسعى إليه نشيطاً كل يوم يسأل ماذا ينبغى أن يعمل جديداً ليتخلص من خطاياه وينمو بالروح.

وينتهى الأب متى المسكين إلى أن "خادم الروح ليس هو مجرد معلم دروس بل بالدرجة الأولى مخلص نفوس" ويؤكد على أن "الخدمة همها الأول وشغلها الشاغل توبة الشبان والشابات وسلوكهم سلوك الفضيلة ومخافة الله".

وللحديث بقية

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
حمل تطبيق الأقباط متحدون علي أندرويد